خيبة أمل أميركية في أفغانستان. أميركا تختار بريطانيا وأستراليا واليابان للتنسيق رباعياً في البقع الاستراتيجية الحساسة. توتر أميركي فرنسي يتحول تدريجياً إلى أميركي أوروبي. باريس قررت إقحام حلف شمال الأطلسي في خلافها مع واشنطن. تموضع أميركي عسكري داخل اليونان على مقربة من الحدود البحرية والبرية التركية وواشنطن لم تستخدم قاعدة أنجرليك التركية خلال عمليات الانسحاب من كابول بل اكتشفت خيارات وبدائل أخرى.
تصعيد أردوغان وهو يغادر أراضي دولة حليفة مثل أميركا ليس سببه الدفاع عن فرنسا بعد الطعنة التي تلقتها في صفقة الغواصات النووية الأميركية الأسترالية. وسببه لن يكون مواقف الإدارة الأميركية من موضوع رفض تركيا قبول موجات لجوء جديدة تصلها من أفغانستان هذه المرة. هناك من يردد أن إدارة بايدن حاولت أن تحاصر أنقرة بسيناريو حل لأزمة صواريخ إس 400 الروسية وأن أنقرة رفضت ذلك. لكن ردة فعل أردوغان تكاد تقول إن ما دفعه للتصعيد على هذا النحو أبعد وأهم من ذلك وقد يكون سببه شرق الفرات والطرح الأميركي هناك. روح الشراكة التركية الأميركية هي التي طعنت مرة أخرى ويبدو أنها لا تقل وجعا عن الطعنة الأميركية في ظهر فرنسا.
كانت القيادات في أنقرة تتطلع إلى قمة تركية أميركية في نيويرك أو واشنطن على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة فلم يحدث ذلك. نتائج المباحثات بين المتحدث باسم القصر الرئاسي التركي إبراهيم قالن ومستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان والتي أراد فريق عمل بايدن الرئيس الأميركي أن تكون فرصة لبحث العلاقات لم تجب على الكثير من الأسئلة التركية أو هي جاءت بعكس ما تريده وتتوقعه تركيا. فلماذا يتريث الرئيس أردوغان حتى العودة إلى بلاده لتوجيه قذائفه السياسية ومن العيار الثقيل ضد أميركا وسياساتها؟
وكالة أنباء الأناضول كانت تعلن أنه خلال لقاء قالن – سوليفان جرى “التشديد على الأهمية الاستراتيجية للعلاقات التركية الأميركية، وتم تبادل وجهات النظر حول الخطوات الواجب اتخاذها لزيادة التعاون الاقتصادي. كما تم التركيز على زيادة الزيارات المتبادلة رفيعة المستوى، وتفعيل الآليات اللازمة لرفع حجم التبادل التجاري بين البلدين لتصل إلى 100 مليار دولار. وتم التأكيد على ضرورة التعاون الدولي للحيلولة دون حدوث أزمات إنسانية جديدة في أفغانستان ولإيصال المساعدات الإنسانية إلى البلاد في أسرع وقت ممكن. وعلى أهمية التضامن بين الحلفاء وضرورة حل الخلافات بينهم عبر الحوار والمفاوضات”. لكن أردوغان تحدث بشكل مختلف وباتجاه آخر. بين ما قيل:
“العلاقات التركية الأميركية ليست على ما يرام. أمنيتنا كانت أن تتقدم العلاقة بين دولتين أطلسيتين في إطار الصداقة وليس وسط أجواء الخصومة لكن مسار الأمور اليوم لا يبشر بالخير. صفقة إس 400 منهية بالنسبة لنا. سنبحث عن حقوقنا في إطار القانون الدولي بعد قرار إخراجنا من برنامج المقاتلة إف 35. أميركا لا بد أن تدفع ثمن ما ارتكبته من أخطاء في أفغانستان. بايدن يواصل إرسال السلاح إلى التنظيمات الإرهابية في شرق الفرات كما كان يفعل سلفه ترامب. اللقاء بالقيادة الروسية لن يتم على مستوى الهيئات بل بشكل منفرد ومباشر بين الرئيسين”.
أردوغان يتحدث في طريق العودة من نيويورك لكنه يتحدث قبل أيام من توجهه إلى روسيا للقاء نظيره الروسي.
قال وزير الخارجية الروسي لافروف بعد خروجه من اجتماع مطول مع الأمين العام لحلف شمال الاطلسي ستولتنبرغ مداعبا الإعلاميين “لا تذهبوا بعيدا في التحليل. روسيا لا تفكر في الانضمام إلى الناتو”. هو عنده الصيني والهندي والباكستاني والإيراني مؤخرا فلماذا يفكر بالانتساب إلى الأطلسي؟
الرد التركي الحقيقي على واشنطن سيأتي خلال المؤتمر الصحفي المشترك الذي سيعقده أردوغان مع بوتين في سوتشي إذا حصل على ما يريده هناك.
بوتين سيعرض الكثير من الخطط والاقتراحات على أردوغان، ونتائج المقايضات هي التي ستقلق واشنطن حتما. ما جرى قد يكون تأكد أنقرة من حدوث تفاهمات أميركية روسية حول سوريا ترضي إسرائيل وتتجاهل إيران وتحمي قسد عبر إبقاء النظام في العناية الفائقة بانتظار المرحلة الانتقالية وتكون على حساب تركيا في شمالي سوريا وأنه عليه قلب الطاولة قبل أن تعلن ساعة الصفر.
تطورات الأحداث في أفغانستان وطريقة تعامل إدارة بايدن مع الملف، إلى جانب دروس تحالف “أوكوس” الذي أطاح بفرنسا في لعبة التوازنات الدولية الجديدة مسائل تعني تركيا قبل غيرها من العواصم أيضا. الواضح تماما أن الخلافات التركية الأميركية حول العديد من الملفات الثنائية والإقليمية ما زالت قائمة وأن لقاء أردوغان بايدن في حزيران المنصرم لم يكن له أي تأثير وأن فرص الأزمة الأفغانية لم تقرب المواقف بما فيه الكفاية.
من حرم فرنسا صفقة الغواصات يستطيع حتما أن يدعم خصوم تركيا ومنافسيها في المنطقة لمنعها من مواصلة الصعود العسكري وهذا ما تحاول واشنطن أن تفعله مباشرة مع اليونان عبر بناء قواعد عسكرية أميركية على مقربة من الحدود التركية في إيجه والمتوسط وتراقيا.
يردد البعض في تركيا أن أميركا ملزمة بالتعاون والتنسيق مع أنقرة إذا ما كانت تريد حماية مصالحها في الشرق الأوسط. لكن هناك بالمقابل من يتساءل عما إذا كانت العلاقات التركية الأميركية قد عادت إلى أجواء العام 2016 وما كانت عليه من توتر وشحن وتصعيد؟
صمت أميركي محدق. لا تعليق على تصريحات أردوغان حتى الآن ومع ذلك فالبعض في تركيا يذكرنا بفاجعة الباخرة “تيتانك”. الفرقة الموسيقية تواصل العزف فيما المياه ترتفع لتغمر سفينة العلاقات التركية الأميركية.
حسابات الحقل والبيدر لا تتطابق في الكثير من الأحيان وتركيا قلقة “أن تفقد مخزونها من البرغل وهي ذاهبة للبحث عن الأرز في دمياط ” كما يقول المثل الشعبي التركي. هناك أزمات ومشكلات تركية غربية كثيرة أسدل الستار عليها لكنها ما زالت تغلي بانتظار الانفجار عند أية لحظة.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا