الأسد ولابيد في موسكو..عملية خاصة

بسام مقداد

القول بأنه كانت هناك زيارتان الى موسكو لكل من الرئيس السوري بشار الأسد ووزير خارجية إسرائيل يائير لابيد، فيه تجنٍ على وقائع الحدثين. ففي حين استقبل لابيد في موسكو وفق ما تقتضيه أعراف الدبلوماسية وبروتوكول الزيارات الرسمية، بدا وكأن الأسد قد استدعي إلى موسكو لإبلاغه بأمور ما، وليس للتفاوض معه، كما حاول قوله شريط الفيديو الذي نشرته موسكو، على غير عادتها بالسماح بالتصوير بعد بدء المفاوضات الرسمية.

مواقع الإعلام الروسية إنشغلت بالظهور المفاجئ للأسد في موسكو، ووصفتها الغالبية منها ب”العملية الخاصة” التي توصف بها عادة عمليات الكوماندوس والقوات الخاصة. وقال الناطق بإسم الكرملين ديمتري بيسكوف بأن “إعتبارات أمنية معينة ينبغي مراعاتها، وهي واضحة جداً”، حالت دون الإعلان عن وصول الأسد ومغادرته. ورداً على سؤاله كيف يستقبل بوتين الأسد ويعزل نفسه بعدها تخوفاً من الإصابة بفيروس كورونا، أشار بيسكوف إلى أن بوتين إستقبل الأسد في بداية يوم العمل، في حين كان الأطباء في صدد إتخاذ قرارهم، “وليس في الأمر ما هو غير منطقي”.

القليل جداً من مواقع الإعلام الروسية نشر تعليقات ونصوصاً تحليلية عن إطلالة الأسد في اللقاء مع بوتين، في حين أكثرت  في التعليق على زيارة لابيد، بل ولم يخف البعض منها سروره بالجو الودي الذي ساد المؤتمر الصحافي الذي أعقب محادثات لافروف لابيد.

صحيفة “Kommersant” نشرت نصاً عن زيارة لابيد كتبته المتابعة لشؤون الشرق الأوسط ماريانا بيلنكايا بعنوان “الوزيران كانا على موجة ودية”، وقالت بأن لا المسألة الإيرانية ولا السورية ولا الفلسطينية عكرت مزاج الوزيرين.

وتوقفت الكاتبة عند إطلالة الأسد من الكرملين في نص آخر بعنوان لافت  “في جو من السوريانية المتزايدة”، قالت بأن وجود الولايات المتحدة في سوريا هو أحد اكثر العوامل إزعاجاً لروسيا.

صحيفة “NG” نشرت قبل يومين من زيارة الإسرائيلي نصاً بعنوان”إسرائيل وروسيا ستناقشان القواعد الجديدة للعبة في سوريا”. لكنها عادت لتقول في متن النص أن جدول أعمال المفاوضات بين لافروف ولابيد قد لا يقتصر على سوريا فقط. فمنذ شهر أعلنت نائب الممثل الدائم لروسيا في الأمم المتحدة أن موسكو تقترح عقد لقاء وزاري ل”رباعية الشرق الأوسط” على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومناقشة إستعادة المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية المباشرة.

وكالة أنباء ” REGNUM ” الروسية الخاصة، وفي إشارة منها إلى تطبيع دول خليجية علاقاتها مع إسرائيل، عنونت نصها عن زيارة لابيد بالقول “تيار خليجي بين روسيا وإسرائيل”. كان النص يفيض بالترحيب بالجو الإيجابي الذي ساد الزيارة، وقالت أن تصريحات لافروف تشير إلى أنه لم يكن يوماً متعاطفاً مع زملائه الإسرائيليين كما في هذه المرة. ورأت أن المؤتمر الصحفي بين الوزيرين أظهر أن روسيا وإسرائيل تعلمتا ، ليس فقط تجنب الإحتكاكات والصراعات، بل تعلمتا أيضاً “العمل بإنسجام في إطار التفاهم المتبادل”.

وعبرت الوكالة عن إمتعاضها من وكالة نوفوستي  التي نشرت يوم زيارة لابيد نصاً بعنوان”في إسرائيل يعلنون بأنهم لا يبحثون مسألة إعادة هضبة الجولان إلى سوريا”. وقالت الوكالة بأن نوفوستي أثارت الدهشة بمحاولتها إختصار زيارة الوزير الإسرائيلي بالجدل حول الجولان. وسألت “هل أثار لابيد مسألة القرم أو الدونباس؟ فما معنى إفساد الجو من دون سبب؟ على كل، هذا ليس سوى تفصيل صغير”.

قرب الحدثين ـــــــ الزيارة والإستدعاء ـــــــ زمنياً من بعضهما (9 و15 من الجاري)، ليس العامل الوحيد الذي دفع إلى التساؤل عن ترابط ما بينهما. وقد طرحت “المدن” على عدد من الكتاب السياسيين والخبراء والصحفيين الروس المهتمين بقضايا الشرق الأوسط أسئلة عن وجود مثل هذا الترابط، وما إن كانت موسكو أرادت إطلاع الإسد على تفاصيل استجدت في علاقاتها مع إسرائيل بعد زيارة لابيد، وعن ما يمكن أن تكون موسكو قد بحثته مع كل من الأسد ولابيد.

خبير المجلس الروسي للعلاقات الدولية، والخبير الزائر للبرنامج السوري في معهد الشرق الأوسط بواشنطن MEI أنطون مارداسوف، وفي إطلالته الأولى في “المدن”، قال بأنه ما من شك بأن الترابط موجود بين الحدثين، فالموضوع الفلسطيني والسوري ومسائل الملف النووي الإيراني كانت مطروحة على طاولة المفاوضات بين وزيري خارجية روسيا وإسرائيل. لكن الطرفين “فعلا كل شئ” من أجل تدوير الزوايا الحادة التي أخذت تظهر في العلاقات الثنائية منذ تغيير الحكومة الإسرائيلية. فمن الواضح أن إسرائيل بعد سقوط نتنياهو مهتمة بالتوصل إلى علاقات مرنة مع واشنطن، وهو ما يؤكده التحضير الطويل لبينيت لزيارة واشنطن ووقائع محادثاته مع بايدن. كما أنها مهتمة أيضاً في تطوير العلاقات مع أوكرانيا، وهو ما يتقبلونه بمرارة في الكرملين.

يرى مارداسوف أن روسيا وإسرائيل، وبالدرجة الأولى روسيا، معنيتان في أن تظهرا بأن العلاقات الثنائية بينهما ليست مرتبطة بالعامل الشخصي، أي نتنياهو الذي كان يلعب الورقة الروسية في سياسته الداخلية، وهو ما كان يجعل روسيا تشعر بالإطراء. لكن في الوقت عينه، من الواضح أنه من دون نتنياهو سوف يكون التوصل إلى المرونة في مسائل الشرق الأوسط أصعب على البلدين، لأنه سوف تغيب تلك الأمور التكتيكية (كالبحث عن رفات العسكريين الإسرائيليين في سوريا) التي كان نتنياهو وبوتين غالباً ما يغطون بها الخلافات.

ويذهب مارداسوف في تأويل جرئ للغارات الجوية الإسرائيلية على أهداف إيرانية في شرق سوريا إثر المفاوضات مباشرة، وما يمكن أن تعنيه في تفسير موقف موسكو من ضربات إسرائيلية على إيران نفسها. فيقول بأنه يعتقد أن الهجمات الأخيرة للطيران الحربي الإسرائيلي على أهداف شرقي سوريا، من الوضح أنها تثبت أن الجيش الإسرائيلي سوف يستخدم القوة. كما أن إسرائيل، وبضرباتها بعد المفاوضات في موسكو، تفسح المجال للتأويل في تفسير موقف موسكو: فماذا لو كانت روسيا ليست ضد الضربات على إيران، طالما أن الهجمات حدثت بعد المفاوضات في موسكو مباشرة؟

خبير المجلس الروسي للعلاقات الخارجية كيريل سيميونوف أحال “المدن” إلى نص نشره في 15 من الجاري في موقع روسي بعنوان”بوتين والأسد ناقشا طريق سوريا المسدود”. قال سيميونوف بأن للزيارة قيمة دعائية مهمة، أرادت روسيا من خلالها القول بأنها، وكما في السابق، تبقى الحليف الأهم لسوريا، وأن الحكومة السورية هي الوحيدة الشرعية بالنسبة لموسكو. وأشار الكاتب إلى تأكيد الرئيسين على أن وجود القوات الأجنبية في سوريا يحول دون خروج سوريا من الأزمة ، لكنه لم يتم العثور حتى الآن على وصفات لخروج سوريا من “الطريق المسدود” بالوسائل العسكرية.

المتابع لشؤون الشرق الأوسط في صحيفة ” NG” قال ل”المدن” بأنه لا يمكن ألا تكون الزيارتان مترابطتين ببعضهما. فإسرائيل قلقة مما يحدث في درعا، وكذلك من مشروع الغاز المصري اللبناني. ويفترض أنه تم إطلاع الأسد على كل مايقلق الإسرائيليين، لكن سوريا من المستبعد أن تأخذ ذلك بالحسبان، برأيه. ويرى أن الإنتخابات الرئاسية الهادئة، وإشراك دمشق بمشروع الغاز المصري اللبناني وإستعداد الولايات المتحدة للموافقة عليه، لا يمكن إلا أن “يرفع من إعتداد النظام بنفسه”.

الصحافية في موقع RT الناطق بالروسية يوليا يوزيك قالت بان محادثات بوتين الأسد جرت خلف أبواب موصدة، وكانت شبيهة ب”العملية الخاصة”. ومن الواضح أن بوتين يتبع تكتيكه في الوساطة بين الولايات المتحدة والبلدان “الصعبة”، مثل سوريا وإيران. ورأت أن ثمة إرتباطاً، بالطبع، بين زيارة لابيد والمفاوضات الأميركية الروسية بشأن سوريا في سويسرا. ومن شبه المؤكد أن يكون الأسد قد طلب حل مسألة “العقوبات الشديدة” التي فرضتها واشنطن العام 2020.

من المهم بالنسبة لها معرفة من هي الدول التي قال الأسد بأنها تعرقل العملية السياسية في سوريا، ألا يمكن أن يكون قد قصد ليس تركيا، بل إيران التي “تمسك بيد حديدية حركة عنقه”، ولا تسمح بالخطوات التي “يستطيع ويريد” القيام بها. وتتساءل ما إن كان الأسد طلب من بوتين المساعدة في حل المشكلة مع الإيرانيين، وتقول بأنه مجرد تساؤل بلاغي.

 

المصدر: المدن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى