كيف تحولت حرب اليمن إلى عنصر محدد لمستقبل العلاقات الأمريكية-الخليجية

حسين مجدوبي

أصبح اليمن يشكل عبر الحرب التي يشهدها منذ سنوات وتحمل تسمية «عاصفة الحزم» محددا رئيسيا في علاقات الولايات المتحدة مع دول الخليج وأساسا مع العربية السعودية، حيث بدأت واشنطن في ممارسة عقاب عسكري معلن أبرزه سحب منظومة باتريوت الصاروخية وتجميد صفقات أسلحة لأنهاء هذه الحرب.

وتوجد عناصر متعددة تحدد العلاقة بين واشنطن والرياض خاصة فيما يتعلق بالجانب الشائك وعلى رأس ذلك ملفات مثل مستوى احترام حقوق الإنسان لاسيما بعد وصول الإدارة الجديدة بزعامة جو بايدن.

وفي علاقة بالعسكري والحقوقي، أصبح ملف حرب اليمن من العناصر الحاسمة في العلاقة بين البلدين، وقد أقدمت واشنطن على إجراءات وقرارات دالة في هذا الشأن لإنهاء حرب اليمن بعدما أصبحت هذه الأخيرة تمس صورة الولايات المتحدة سياسيا وعسكريا. ولعل آخر حلقة في التطورات بين الرياض وواشنطن هو إلغاء وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن زيارة مرتقبة للرياض كانت مبرمجة خلال الأيام الماضية ضمن جولة قام بها إلى المنطقة، ثم تغريدة للأمير السعودي سطام بن خالد آل سعود للتعليق على التوتر بين البلدين بأن «السعودية العظمى لا تقبل إملاءات من أحد، وتتعاون وفق المصالح المشتركة والاحترام المتبادل».

وعليه، فالتساؤل العريض هو: كيف أصبحت العلاقات الأمريكية-السعودية متأثرة بالملف اليمني خلال الشهور الأخيرة؟ وكيف أصبح البنتاغون يمارس ضغطا عسكريا لإنهاء الحرب في اليمن؟ من العوامل التي تفسر هذا التطور العميق في العلاقات الثنائية نجد:

في المقام الأول، ترغب الولايات المتحدة في الانسحاب من الحروب في العالم سواء تلك التي تورطت فيها مباشرة أو التي تشارك فيها بطريقة غير مباشرة للتركيز على الملفات الكبرى مثل الصين. حيث أعلنت الأربعاء من الأسبوع الماضي حلفا عسكريا بحريا يسمى «أوكس» رفقة أستراليا وبريطانيا لمحاصرة النفوذ الصيني في المحيطين الهادي والهندي. وبعدما انسحبت من أفغانستان، ترغب في إنهاء حرب اليمن التي تشارك فيها بطريقة غير مباشرة. ووفرت واشنطن منذ فترة الرئيس الأسبق باراك أوباما ثم السابق دونالد ترامب الدعم اللوجيستي العسكري الضخم من تحديد الأهداف التي يجب ضربها إلى مشاركة قوات خاصة كان قد أرسلها دونالد ترامب لتساهم في تشغيل معدات حربية مثل النظام الصاروخي باتريوت والبحث عن نقط انطلاق الصواريخ الباليستية اليمنية.

وفي المقام الثاني، ترفض الطبقة السياسية الأمريكية والغربية برمتها استمرار حرب اليمن، إذ أصبحت عدد من الدول ترفض تصدير السلاح إلى دول التحالف مثل حالة ألمانيا أو بشروط دقيقة مثل حالتي إسبانيا وإيطاليا. ويضغط مجلس الشيوخ الأمريكي على إدارة بايدن لوقف هذه الحرب.

في المقام الثالث، انتهى تقييم خبراء البنتاغون لحرب اليمن إلى نتائج مقلقة للغاية سواء على الأمن القومي السعودي أو الأمن القومي الأمريكي. فلم تحقق حرب اليمن أهدافها، فمن جهة، لم تستطع القضاء على حركة الحوثيين التي تقوت وأصبحت عنصرا عسكريا هاما في شبه المنطقة، وهذا يعني تعاظم نفوذ إيران التي تجعل من الحوثيين حزب الله في الخليج العربي عسكريا وسياسيا. وكلما استمرت الحرب يتقوى نفوذ إيران، ولا ترغب واشنطن في استمرار تأمين الحماية لدول التحالف خاصة بعدما فقد الشرق الأوسط ثقله في الأجندة الأمريكية بسبب الصين. ومن جهة أخرى، تتعرض السعودية لضربات بصواريخ باليستية وطائرات بدون طيار باستمرار. وقد عجزت الأسلحة الأمريكية مثل أنظمة الدفاع الصاروخي باتريوت من اعتراض معظم الصواريخ الباليستية. وكانت «نيويورك تايمز» قد نشرت تقريرا لخبراء الأسلحة يؤكدون كيف تسببت حرب اليمن في ضرب جزء من الأمن القومي الأمريكي لأنها أظهرت محدودية فعالية هذه المنظومة أمام صواريخ الحوثيين التي لا تعد متطورة جدا، وبالتالي سيجد باتريوت صعوبات حقيقية أمام صواريخ روسية وصينية بل وإيرانية متطورة.

وهكذا، فقد رفعت واشنطن من الضغط السياسي والحقوقي على دول التحالف لكي تنهي حرب اليمن لأن القضاء على الحوثيين أصبح مستحيلا. وفي الوقت ذاته، جمدت صفقات الأسلحة بعد اعتراض الكونغرس الأمريكي بل وسحبت منظومة باتريوت من الأراضي السعودية واضطرت الرياض إلى استئجار هذه المنظومة من اليونان. كل هذه التطورات هي عناصر جديدة في العلاقات الأمريكية بدول التحالف تهدف إلى قرار واشنطن إنهاء حرب اليمن.

لقد تحول ملف اليمن خلال السنتين الأخيرتين وربما المقبلة إلى محدد ضمن عناصر أخرى لنوعية العلاقة القائمة بين الرياض وواشنطن. ويبقى لافتا رفض الرياض قبول هذه التطورات الجديدة، ويصدر عنها رد فعل بعض الأوقات مثل التلويح بالرهان على روسيا والصين عسكريا وسياسيا، وهو أمر صعب للغاية بحكم موقف موسكو الواضح بالاعتماد على إيران في الشرق الأوسط لأنها شريك موثوق به بفضل التوجهات الثابتة في سياستها الخارجية منذ عقود.

 

المصدر: »القدس العربي»

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى