تثير زيادة حدة التصعيد السياسي والعسكري بين تركيا وروسيا المخاوف من انهيار اتفاق وقف إطلاق النار بين المعارضة السورية وقوات النظام في إدلب شمال غربي سوريا.
ويطرح التوتر بين الجانبين الكثير من التساؤلات حول الأسباب والمآلات المحتملة للتصعيد، لا على إدلب وحدها بل على كامل مناطق الشمال السوري بما فيها تلك الواقعة تحت سيطرة قسد شرقي الفرات.
تجسد التصعيد العسكري في زيادة القصف الجوي والبري لقوات النظام وروسيا على مناطق المعارضة منذ بداية شهر أيلول/سبتمبر، وتوسع بشكل غير مسبوق ليطاول مركز مدينة إدلب ومواقع لفصائل المعارضة في دارة عزة وعفرين بريف حلب، فيما تروّج مواقع إعلامية موالية للنظام وروسيا لعملية عسكرية جديدة على إدلب.
وعلى الصعيد السياسي كان لوزير الدفاع التركي خلوصي أكار زيارتين إلى المنطقة، واحدة إلى ريف حلب، والثانية إلى المنطقة الحدودية مع ادلب. وردّ أكار على التصريحات التي أطلقها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في 9 أيلول/سبتمبر، والتي اتهم فيها تركيا بعدم الالتزام باتفاق إدلب.
وقال أكار إن “هناك اتفاقيات تم توقيعها بعد محادثاتنا مع روسيا، نحن نلتزم بها وأوفينا بمسؤولياتنا، وننتظر من محاورينا الالتزام بهذه الاتفاقيات”. وشدد على ضرورة استمرار وقف إطلاق النار وضمان الاستقرار في ادلب، وجعلها منطقة آمنة، وتهيئة بيئة يعيش فيها السوريون بأمان.
ورأى الباحث في مركز الحوار السوري محمد سالم أن “التصعيد الروسي الحالي ضد تركيا والمعارضة له أسباب عديدة، منها القديم ومنها الجديد، الجديد في ما يبدو متعلق بالضغط على تركيا لكبح جماح زيادة تنسيقها مع الولايات المتحدة في سوريا وأفغانستان، ودفع تركيا للتنسيق مع روسيا قبل أي تنسيق مع الولايات المتحدة”.
وأضاف سالم ل”المدن”، أنه “يمكن الاستدلال على ذلك من خلال تصريحات وزارة الخارجية الروسية التي أبدت استغرابها من تدخل تركيا في إدارة مطار كابول، في منطقة تعتبر منطقة أمن قومي بالنسبة لروسيا، وقد عكس عدد من المحللين الروس في كتاباتهم المزاج الروسي المنزعج من النشاط التركي”.
وتابع: “يذكرنا التصعيد الحالي بالضربة التي نفذتها روسيا قبل سنة تقريباً لفصيل فيلق الشام في جبل دويلة بالتزامن مع التقارير التي تحدثت عن نقل مقاتلين سوريين إلى أذربيجان، وكان ذلك بالتزامن مع تصريح لمسؤول استخباراتي روسي رفيع المستوى بأن ذلك خطير جداً”.
وألمح سالم إلى أن “روسيا تتخوف من امتداد التنسيق الأميركي التركي في أفغانستان إلى سوريا، وشرقي الفرات تحديداً، حيث يتم الحديث عن إمكانية تنسيق الولايات المتحدة لانسحابها المحتمل من سوريا مع تركيا، خاصة مع الحديث عن جهود مشتركة أميركية-تركية لفصل قسد عن حزب العمال الكردستاني”.
وأضاف “لا ينفك التصعيد أيضاً عن الأهداف الاعتيادية الروسية المتمثلة بالضغط المستمر طويل الأمد على تركيا والمعارضة للانسحاب من جنوب الطريق الدولي، ومن منطقة جبل الزاوية الاستراتيجية التي تشرف على كامل محافظة إدلب”.
لا تخلي عن جبل الزاوية
وأوضح أن “التصعيد يهدف أيضاً إلى الضغط على تركيا والمعارضة لفتح المعابر مع النظام السوري بهدف التمهيد لقضم جديد للأراضي كما كان الحال سابقاً، وإن كان هذا مستبعداً حالياً لأن تركيا ومعها فصائل المعارضة تبدو مصرة على التمسك بمنطقة جبل الزاوية، لأنهم يعلمون أن الانسحاب منها عملياً يعني سقوط ما يتبعها، كمدن أريحا وادلب مركز المحافظة”.
على الرغم من أن الصدام والتنافس الروسي-التركي المتصاعد يتركز في مناطق شرقي الفرات إلا أن التصعيد بينهما يتجسد في إدلب باعتبارها ميداناً للرسائل المتبادلة، لذلك لا يستبعد قادة في فصائل المعارضة السورية عودة المعارك في أي لحظة في حال لم تحصل روسيا على المكاسب التي تريدها.
مباحثات مع قسد
ورأى الباحث في مركز جسور للدراسات وائل علوان أن “التصعيد الروسي يوازيه مباحثات نشِطة جداً مع قسد لخلق تحالفات استراتيجية، قبل أن تتوفر فرصة لنجاح التفاهمات الأمريكية التركية لحل جملة من الخلافات بين المعارضة السورية وقسد، وهو السيناريو الأخطر بالنسبة لروسيا، ويعني بالضرورة خسارة المكاسب التي يرجوها النظام وتيسرها روسيا من شرق الفرات”.
وأضاف في حديث ل”المدن”، أن “روسيا تعمل في مسارين لتعطيل أي تقارب أميركي-تركي، الأول تخويف قسد من انسحاب مفترض للولايات المتحدة وتركها وحيدة أمام تركيا الراغبة بالتوسع في عدة اتجاهات، نحو منبج وعين عيسى وغيرها. والثاني، زيادة حدة التصعيد العسكري ضد المعارضة للضغط على تركيا وإيصال رسائل ترقى إلى التهديد بانهيار وقف إطلاق النار”.
المصدر: المدن