في خطاب ألقاه المرشد الأعلى للنظام الإيراني علي خامنئي، بتاريخ 8 يناير (كانون الثاني) 2021، أصدر قراراً بمنع استيراد اللقاحات المضادة لفيروس كورونا من أميركا وبريطانيا. وقال “استيراد اللقاحات الأميركية والبريطانية ممنوع، فالأميركيون لو كانوا قادرين على إنتاج اللقاح لما حصلت هذه الفضيحة بانتشار الوباء في بلادهم، إذ وصلت حالات الوفاة إلى حدود 4 آلاف شخص في يوم واحد، إضافة إلى أننا لا نثق بهم، لأن هذه اللقاحات تكون للاختبار على بعض الشعوب”. وأضاف أن لدى إيران “تجربة مع الفرنسيين في قضية الدماء الملوثة، لذلك نحن لا نثق بهم، لكن شراء اللقاح من دول أخرى لا مانع أمامه”.
بما أن هذا الكلام لم يصدر عن أي مسؤول في الدولة الإيرانية، سواء كان رئيس الجمهورية أو وزير الصحة أو أحد أعضاء لجنة الطوارئ لمكافحة انتشار حائجة كورونا، بل عن المرشد الأعلى للنظام الذي هو قائد الثورة وولي أمر المسلمين وولي الفقيه، أي يتمتع بصفة دينية إلى جانب صفته الدنيوية، فللكلام بعد آخر، ويفرض أو يفترض التعامل معه من منطلق يختلف عن منطق التعامل مع كلام أي مسؤول آخر في الدولة. لأن كلامه أو موقفه يأخذ بعداً دينياً يمكن إدراجه في إطار أو تحت عنوان الفتوى الشرعية الملزمة للدولة والحكومة، ولا يمكن مخالفتها لأنها ستكون بمثابة مخالفة لحكم شرعي من الناحية الدينية، فضلاً عن مخالفة قرار من قمة الهرم في السلطة والنظام.
لم يتجرأ أي من المسؤولين في حكومة الرئيس حسن روحاني أو من الكادر العلمي والطبي على الاعتراض على هذا القرار – الفتوى، باستثناء رئيس اللجنة العلمية لمكافحة الوباء العالمة البيولوجية مينو محرز، التي رفضت التشكيك باللقاحات المنتجة عالمياً، مشيرة بشكل غير مباشر إلى اعتراضها على قرار منع استيراد اللقاحات الأميركية والبريطانية. في وقت لم يتردد روحاني في البحث عن مسوغات لتأييد كلام المرشد واتهام الغرب بنواياه الخبيثة بإمكانية تحويل الشعوب الأخرى والشعب الإيراني منها إلى حقول تجارب لهذه اللقاحات.
بعد تفشي الوباء، وارتفاع حصيلة الوفيات اليومية وتجاوزها الـ500 بحسب الإعلانات الرسمية، وعجز المؤسسات العلمية الإيرانية عن إنتاج لقاح فاعل، أو إنتاج الكمية الكافية من اللقاح الذي تم تصنيعه في الداخل (بركت)، أعلن الرئيس المنتخب إبراهيم رئيسي وفي اليوم الأول بعد أدائه اليمين الدستورية، إصدار تعليمات مباشرة ببدء عملية استيراد اللقاحات الأجنبية، مؤكداً عدم وجود أزمة في تأمين الموارد المالية لاستيراد 30 مليون لقاح، في وقت لم يتمكن سلفه روحاني من توفير جزء من هذه المبالغ، إضافة إلى فشل كل الجهود التي بذلها مع وزير الخارجية محمد جواد ظريف لإقناع واشنطن والدول الغربية بتحرير جزء من الأموال الإيرانية لاستخدامها في شراء اللقاحات، واعتذار الحليف الروسي عن تنفيذ وعوده بتزويد طهران بكميات من لقاح “سبوتنيك في”.
الجهات المعنية بالموضوع، أعلنت عن قرب موعد وصول أول شحنة من لقاح “فايزر” (تقدر بنحو 20 مليون جرعة)، الذي تنتجه شركة أميركية مقرها نيويورك، إضافة إلى انتظار وصول شحنات من لقاح “موديرنا” الأميركي أيضاً، في ظل سكوت تام عن قرار المرشد السابق الذي له قوة الفتوى والإلزام الديني، ويضع استخدام هذه اللقاحات في دائرة الحرمة الشرعية.
قد يكون المبدأ الذي اعتمدت عليه إدارة الرئيس الجديد، وكونه من رجال الدين المجتهدين الذين يطلق البعض عليهم صفة “آية الله”، التي تعتبر صفة لمن يحق له “الإفتاء”، هو مبدأ أن “الضرورات تبيح المحظورات”، أي أن تفاقم أزمة كورونا واتساع دائرة انتشارها وما تحصده يومياً من أرواح وما ينتج منها من ارتفاع أعداد المصابين وعجز المستشفيات والجهاز الطبي والتمريضي عن التعامل مع الأعداد الكبيرة على كل الأراضي الإيرانية، قد جعلت من عملية تقديم الضرورات على المحظورات أمراً واجباً، بالتالي أسقط جميع الحواجز لتعطيل قرار المرشد الأعلى وولي الفقيه.
هذا التطور يستدعي إعادة طرح تساؤل حول إمكانية استمرار إيران بالفتوى التي سبق أن أصدرها المرشد الأعلى وقائد الثورة وولي الفقيه حول “حرمة حيازة واستخدام السلاح النووي”، وما أكدت عليه الحكومات الإيرانية بأن “العقيدة التسليحية للنظام والدولة الإيرانيين لا مكان فيها للسلاح النووي”.
فهل من الممكن، وفي لحظة مفصلية، أن يلجأ المرشد الإيراني وبعد الأخذ في الاعتبار جميع المعطيات الميدانية والسياسية والعسكرية والأمنية والاستراتيجية، إلى إعطاء إشارة للمؤسسات العسكرية الإيرانية المعنية بالتصنيع العسكري للبدء بإنتاج سلاح نووي، خصوصاً أن المنشآت النووية بدأت ومنذ أشهر برفع مستوى التخصيب في وحدات أجهزة الطرد المركزي إلى مستوى يتجاوز نسبة 60 في المئة. إضافة إلى أن التقرير الأوروبي الأخير يتهم إيران بالوصول إلى مستويات عسكرية في التخصيب النووي.
قد لا يكون صعباً في الآليات الفقهية الدينية أن يلجأ المجتهد صاحب الفتوى إلى مراجعة مناطات وأسباب وأدلة الحكم أو الفتوى السابقة، وأن يصدر فتوى جديدة تتعارض مع فتوى سابقة، وأن يحلل مسألة كانت حراماً، على غرار الفتوى التي أصدرها المؤسس السيد الخميني والتي أحل فيها لعب الشطرنج، مخالفاً بذلك إجماع الفقهاء السابقين، وحتى فتوى سابقة له كانت تقول بحرمتها.
بناء على ذلك، هل سيصحو العالم في أحد الأيام على إعلان إيران، وبناء على قاعدة “الضرورات تبيح المحظورات”، إجراء أول اختبار لتفجير نووي ودخولها نادي الدول التي تملك السلاح النووي؟ مسوغة ذلك بما تتعرض له من حصار دولي ومساع للإطاحة بالنظام، وأن ضرورات الدفاع عن النفس والكيان والوجود دفعتها للتخلي عن كل المحاذير والمحظورات والذهاب إلى خيار إنتاج السلاح النووي كسلاح رادع بوجه التآمر عليها. قد لا يكون ذلك مستبعداً، وتعززه قراءة ضيقة للتطورات التي تشهدها الساحة الدولة، وما يعتبره النظام الإيراني بداية انهيار الهيمنة الأميركية بعد “الهزيمة الأفغانية” واستمرار التهديد الإسرائيلي الذي قد يأخذ طابعاً نووياً في أي مواجهة مباشرة بين الطرفين، بالتالي يكون العالم والمنطقة أمام معادلة جديدة مجهولة المعطيات والنتائج.
المصدر: اندبندنت عربية