إسرائيل في جبهة الشمال: عين على جنوب لبنان وأخرى على جنوب وشمال سورية

وديع عواودة

تتجه الأنظار نحو الحدود بين الجليل وجنوب لبنان وسط تساؤلات عن احتمال انفجار الموقف بين إسرائيل وبين حزب الله تزامنا مع أزمة لبنانية داخلية غير مسبوقة، لكن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية منشغلة أيضا بما تشهده الأراضي السورية وهي لا تقل أهمية عن التوتر مع الجانب اللبناني. وجاء قصف المقاتلات الإسرائيلية خلال الأيام الأخيرة – التي استهدفت محيط مخيم الرشيدية قرب مدينة صور، والدمشقية في خراج بلدة المحمودية وهي منطقة مفتوحة غير مأهولة – ردًا على إطلاق 3 صواريخ من الجنوب اللبناني، لم يتبناها أحد، حيث سقط اثنان منها بمستوطنة كريات شمونة (بلدة الخالصة الفلسطينية المدمرة). وفي هذا المضمار قالت مصادر أمنية إسرائيلية إنه لا يوجد أي تغيير في آلية التنسيق مع روسيا في ما يتعلق بالهجمات التي ينفذها سلاح الجو الإسرائيلي ضد أهداف إيرانية بالأساس في الأراضي السورية. ونقل المراسل العسكري لصحيفة «معاريف» عن مصادر في الأجهزة الأمنية الإسرائيلية قولها إن القوات الروسية العاملة على الأراضي السورية لم تستخدم منظومة صواريخها المتطورة من طراز «إس 300» لاعتراض صواريخ أطلقتها المقاتلات الإسرائيلية في الأسابيع الأخيرة. وجاء في تقديرات هذه الأجهزة أن الحرية التي تحظى بها إسرائيل في عملياتها داخل سوريا محفوظة ولم تتغير، بل ستتواصل خاصة أن التوترات تتزايد قريبا من الحدود مع الجولان في منطقة درعا حيث تتواجد قوات إيرانية. يشار إلى أن إسرائيل كثفت خلال السنوات الماضية هجماتها الجوية على سوريا، مستهدفة بشكل خاص مواقع للجيش وأهدافا إيرانية وأخرى لحزب الله اللبناني. وفي حزيران/يونيو الماضي شن الطيران الحربي الإسرائيلي قصفا على مواقع في محيط العاصمة دمشق ومحافظات أخرى. وعشية تبادل النيران في المناطق الحدودية بين إسرائيل وحزب الله في الأيام الأخيرة يرى معهد دراسات الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب ضمن تقريره بعنوان «التحديات الاستراتيجية التي تواجه إسرائيل» وذلك خلال النصف الثاني من العام 2021 أن احتمالات وقدرات التهديد على الجبهة الشمالية آخذة بالازدياد في ظل تفكك الدولة اللبنانية واستمرار تقسيم سوريا، معتبرا أن هذا الوضع يمكن إيران من تعميق تدخلاتها وبناء «ماكنة حرب» تعتمد أكثر وأكثر على قدرات هجومية دقيقة تستهدف العمق الإسرائيلي ويضيف «هذه توجهات خطيرة ينبغي أن تقلق إسرائيل. على خلفية ما يشهده لبنان فإن إمكانيات الانزلاق نحو تصعيد أمني تتفاقم».

كما اعتبر الباحثون في «المعهد» أنه يجب على إسرائيل أن تدرك أن «سوريا ستبقى منقسمة، وأنه ما دام بشار الأسد في السلطة، فلن يكون من الممكن إخراج إيران ومبعوثيها من البلاد». ومن أجل الحد مما اعتبره التقرير التهديد الإيراني داخل سوريا، قال الباحثون إنه يتعين على إسرائيل إلى جانب استمرار «معركة ما بين الحروب» (مصطلح شائع في إسرائيل لعميات ينفذها الجيش الإسرائيلي خارج الحدود بين الحرب والحرب) صياغة سياسة استباقية لطرد إيران ومبعوثيها من سوريا – من خلال التعاون الدولي والإقليمي وإنشاء شبكة من الحلفاء المحتملين داخل البلاد ودعمهم كالمعارضة السورية في جنوب وشمال الأراضي السورية.

روسيا والتنسيق مع إسرائيل

وفي هذا السياق نشر الصحافي الروسي أنطون مارداسوف مقالا في موقع «المونيتور» الأمريكي تناول فيه التنسيق الروسي الإسرائيلي في سوريا في عهد رئيس حكومة الاحتلال الجديد نفتالي بينيت. وقال الكاتب إن نهاية قبضة بنيامين نتنياهو على السلطة في إسرائيل قد أثارت تكهنات وسائل الإعلام بشأن ما يعنيه ذلك بالنسبة للتنسيق الروسي الإسرائيلي في سوريا، إذ بدأت مصادر في وسائل الإعلام الإسرائيلية واللبنانية والسعودية والروسية مناقشة احتمالات أزمة وشيكة بين البلدين. وقال أيضا إنه لم تتلاشَ الذكريات منذ خريف 2018 عندما سقطت طائرة استطلاع روسية خلال غارة جوية إسرائيلية على سوريا، مما تسبب في فضيحة بين موسكو وإسرائيل. من جهته أشار المحلل الإسرائيلي بن كاسبيت في «المونيتور» إلى عدم ارتياح إسرائيل لإمكانية تغيير روسيا لموقفها من سوريا وتابع «علانية تقتصر التعليقات التي تشير إلى التغيير إلى حد كبير على مزاعم وزارة الدفاع الروسية حول نجاحها المفترض في صد الصواريخ الإسرائيلية بمساعدة أنظمة الدفاع الجوي الروسية /السوفييتية الصنع». ونقل كاسبيت عن مصادره بين مسؤولي الأمن الإسرائيليين قولهم إن خطاب روسيا المتفائل ليس أكثر من مجرد خدعة تكتيكية، ومع ذلك يظل هدف هذا الخطاب والغرض الاستراتيجي غير واضحين. كما تتعارض مزاعم روسيا مع صور أهداف ضربتها الصواريخ الإسرائيلية في دمشق وحلب، بحسب بن كاسبيت. وزعمت الوزارة الروسية أن غارات جوية لطائرة «أف-16» إسرائيلية هددت أمن طائرة تابعة لشركة «أجنحة الشام» السورية قادمة من إيران وعلى متنها 172 راكباً، مما اضطر الطائرة إلى القيام بهبوط اضطراري في حميميم. وحسب مراقبين تمّ استخدام «أجنحة الشام» في السابق لنقل الشخصيات الإيرانية المهمة وأعضاء الميليشيات ومع ذلك، في أعقاب تلك الحادثة، سمحت موسكو في مناسبات عديدة لرحلات جوية من إيران باستخدام قاعدة حميميم الجوية، ولم يمنع التهديد الإسرائيلي المفترض الطواقم الإيرانية من تفريغ حمولتها العسكرية. وقال المدّون الأمني ​​الروسي يوري لامين لموقع «المونيتور» إن شحنات الأنظمة الجوية الإضافية قد تعرقل إلى حد ما الأنشطة الإسرائيلية في سوريا، لكن دمشق لا تزال تواجه عدداً من المشكلات الأساسية وتابع: «لضرب أهداف في عمق الأراضي السورية، تستخدم إسرائيل المجال الجوي اللبناني أو تستخدم المجال الجوي الأردني وشرق سوريا الذي لا يزال تحت السيطرة الأمريكية. ونتيجة لذلك، تعمل أنظمة الدفاع الجوي السورية من موقع دفاعي عميق لصد الصواريخ والقنابل الموجهة. فإسرائيل لديها ميزة عامة إذ أن قدرات الجيش الإسرائيلي تسمح لها بنشر تكتيكات هجومية تطغى على الدفاعات الجوية السورية».

المصدر:  «القدس العربي»

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى