ذرائع الأسد في الهجوم على درعا و «تركيع» مدينة الثورة

إبراهيم درويش

ما الذي يجري في مدينة درعا، جنوب سورية؟ وما هي أسباب اندلاع القتال من جديد بعد هدوء نسبي استمر لثلاثة أعوام؟

في البحث عن أجوبة عن المواجهات الجديدة وبعيدا عن أسبابها المباشرة، فالوضع في درعا مثل بقية أنحاء سوريا بما فيها مناطق النظام بدمشق، هش وقابل للتغير في أي وقت، عندما تتغير الظروف لأي طرف من النزاع، فسوريا بعد عشرة أعوام من الحرب الأهلية لا تزال ساحة نزاع دولي، يواجه النظام فيها عزلة دولية وعقوبات مشددة، رغم محاولات بعض الدول العربية فك العزلة عنه، وما أوردته صحيفة «فايننشال تايمز»(12/7/2021) من محاولة دول الهامش الأوروبي فتح علاقات مع نظام بشار الأسد، لكن المعادلة لم تتغير بالنسبة للاعبين الكبار الذي يؤكدون على عملية سياسية لا دور للأسد فيها. لكن الأخير فرض انتخابات مشكوك بنزاهتها ونصب نفسه مرة رابعة كرئيس لمدة سبعة أعوام في الشهر الماضي. فالدعم الروسي له لم يتغير ولا إيران، وهما الراعيان الأساسيان لـ «سوريا المفيدة» التي تحدث عنها الأسد، ككيان يختلف عن باقي المناطق التي خرجت عن سيطرته أو فشل في استعادتها في الشمال وشمال شرق البلاد.

ولهذا فالتفاهمات المحلية وتلك التي عقدت برعاية إقليمية تظل قابلة للتغير، مما يعني أن جذور الأزمة التي بدأت في درعا، آذار/مارس عام 2011 بخربشات على الجدران تطالب الأسد بالرحيل لا تزال قائمة، فالظروف التي قادت إلى نقطة الغليان، قمع وظلم وجوع وإهانة وحصار التي طالت معظم المدن السورية بالإضافة للتشريد والدمار هي نفسها. وسيناريو حمص والغوطة الشرقية وحلب يظل قائما وقابلا للنسخ، ودرعا هي الصورة عن كل هذا.

تفاهمات محلية

ودرعا هي مثال عن الكيفية التي أدى فيها تدخل الراعي الروسي لوضع الغطاء على التناقضات في الساحة العسكرية بين جماعات المقاومة التي وجدت نفسها بدون غطاء من الخارج، بعد توقف الدعم الذي كان يأتي عبر الأردن، فيما عرف بالغرفة التنسيقية وسيطرة النظام على منطقة الجنوب بغطاء روسي.

وبعد 3 أعوام على اتفاق التسوية الذي رعته موسكو بين المعارضة والحكومة السورية عادت الأمور اليوم إلى نقطة الصفر، واتخذت العودة صورة احتجاجات سياسية وكتابة الشعارات المعادية للنظام ومواجهات عسكرية سقط فيها قتلى من الجانبين.

وحسبما ذكرت «بي بي سي» (5/8/20121) فقد بدأ الخلاف حول مطالب نقلها الضابط الروسي أسد الله تتمثل بترحيل خمسة أشخاص في صفوف المعارضة من بينهم محمد المسالمة ومؤيد حرفوش إلى مناطق المعارضة التي تدعمها تركيا في شمال البلاد. ونص اتفاق التسوية الذي عقد في تموز/يوليو 2018 على تسليم المعارضة أسلحتها الثقيلة والمتوسطة إلى الحكومة في درعا البلد وترتيب أوضاع المسلحين الذين يرغبون بالتسوية مع النظام وخروج الرافضين للاتفاق من درعا، وصفوا هنا بـ «الإرهابيين». وبموجب اتفاق ذلك العام قرر آلاف من المقاتلين وعائلاتهم الرحيل إلى مناطق الشمال، ولحق بهم آخرون عندما حاول النظام إجبارهم على القتال في معارك إدلب. وبحسب التقارير الإعلامية فقد بدأ التوتر الأخير بدرعا عندما طلب الضابط في الشرطة العسكرية الروسية، أسد الله، وهو شيشاني الأصل وضع حواجز تابعة للنظام في المدينة وتفتيش البيوت وإجبار السكان على تسليم أسلحتهم الخاصة وهدد السكان باقتحام المدينة لو لم تنفذ الطلبات. وتم التوصل في 26 تموز/يوليو إلى اتفاق بين اللجنة المركزية في درعا والحكومة شمل على تسليم عدد محدود من السلاح الخاص وتسوية وضع المطلوبين وفك الحصار عن المدينة. لكن الفرقة الرابعة التي يقودها شقيق الرئيس، ماهر الأسد، وهي أقوى وحدات الجيش السوري بدأت بقصف درعا البلد. مع أن المعارضة في درعا أفرجت في بداية الشهر الحالي عن خمسة ضباط في الفرقة الرابعة أسرتهم. ويرفض المعارضون تسليم أسلحتهم أو الرحيل إلى مناطق الشمال ولا يريدون سيطرة النظام على درعا البلد. ويتهم النظام القائدين العسكريين في فصائل المعارضة، محمد المسالمة المعروف بالهفو ومؤيد حرفوش بالعلاقة مع تنظيم الدولة. ورفض الهفو مغادرة درعا البلد أكثر من مرة لكنه قرر أن يخرج منها «حقنا للدماء» وسجل شريطا شرح فيه المشكلة الحالية والتي نتجت عن محاولات الفرقة الرابعة في نهاية شهر تموز/يوليو دخول محور الشياح والنخلة ومخيم درعا. وعندما رد المسلحون طالب النظام بتسليم السلاح وخروجهم. ومثل بقية المناطق السورية التي يتأثر بها الجوار من الأحداث العسكرية أو الفوضى أو وجود فصائل مسلحة تدعمها أطراف خارجية، ففي الشمال دخلت تركيا لمنع تشكل كيان كردي على حدودها الجنوبية، أما إسرائيل فقد شنت مئات الغارات بذريعة منع حزب الله والميليشيات التي تدعمها إيران من حدودها الشمالية، ودرعا لا تختلف في هذا السياق، فالأردن يغلق المعبر الحدودي، نصيب كلما اندلع القتال، وهو واحد من المعابر المهمة للتجارة مع سوريا. وتخشى إسرائيل من اقتراب ميليشيات إيران من حدودها. وظلت محافظة درعا تحت سيطرة فصائل المعارضة المسلحة منذ عام 2012 إلى 2018 ورغم استعادة الحكومة معظم المناطق وعدم وجود الكثير من المسلحين إلا أنها تريدها منطقة خالية من المقاتلين.

مقاطعة الانتخابات

ويخفي الخلاف حول المطلوبين وتسليم ضباط النظام وراءه توترا في المدينة بدأ في الفترة الماضية، فقد قاطع أهل درعا الانتخابات الرئاسية في أيار/مايو والتي فاز فيها الأسد بنسبة 95 في المئة. وذكرت صحيفة «الغارديان»(29/7/2021) أن جنود النظام بدأوا بقطع التيار الكهربائي والماء عن المدينة التي يعيش فيها أكثر من 50.000 نسمة مما أدى لنقص الطعام والدواء. ولعب إعلام النظام دورا في التحشيد ضد درعا حيث وصفت صحيفة «الوطن» الموالية للنظام المواجهات العسكرية ببداية عملية لتطهير المنطقة من بؤر الإرهابيين، مع أن المنطقة ظلت مختلفة عن بقية المناطق التي استعادها النظام ضمن ما يطلق عليها اتفاقيات «المصالحة» وهي في الحقيقة تركيع ينتهي بحافلات تنقل المقاتلين إلى إدلب والمناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة. وفي درعا لعبت روسيا دورا بدمج المقاتلين في الفرقة الخامسة التي دفعت رواتب عناصرها، مقابل مساعدة الجيش السوري المنهك على قتال تنظيم الدولة. ومنذ هزيمة هذه الجماعة استطاعت الفرقة الخامسة الحصول على قدر من الاستقلالية عن الروس، ومنعت الجيش السوري والمخابرات من دخول المناطق التي تسيطر عليها، بالإضافة لمنح الملجأ للمطلوبين من النظام وكذا توفير الحماية للتظاهرات المعارضة للنظام. ونظرا لمخاوف روسيا من دخول حزب الله والجماعات الموالية لإيران إلى المنطقة فقد قاومت رغبة النظام بالقضاء على الجماعات المعارضة.

حل الأسد

وتشير الأحداث الأخيرة في درعا إلى أن نظام الأسد واثق من نفسه، وبحسب إليزابيث تيرسكوف، الخبيرة في شؤون الجنوب السوري والزميلة في «معهد نيولاينز» فإن «التصعيد في درعا البلد يمثل انهيارا للمفاوضات بين قادة «المصالحة» من المتمردين والنظام والتي أشرفت عليها روسيا، و الأسد يقوم بتنفيذ «الحل» الذي يريد فرضه على درعا منذ وقت طويل وهو إجبار (المقاتلين) على الإستسلام وتشريد من رفضون الإنصياع للنظام السوري و «بدون تدخل روسي ووضع حد للقتال، فسيؤدي القتال لمزيد من القتلى بين المدنيين وتشريدهم ووضع درعا البلد تحت سيطرة النظام بشكل كامل» حسبما نقلت عنها «الغارديان». وعلى العموم تظل الأحداث الأخيرة صورة عن نظام خائف، فالتظاهرات وعودة الشعارات السياسية ورفض المشاركة في الانتخابات قد تكون عاملا مهما في محاولة فرض الحل الذي فرضه النظام وبالقوة على مناطق سوريا التي استعادها، فهو لا يريد أن تكون درعا نموذجا لبقية المناطق المتمردة عليه.

قلق أممي وأمريكي

وإزاء التطورات التي طالت المدنيين، دعت ميشيل باشليت، المسؤولة عن حقوق الإنسان في الأمم المتحدة قائلة «الصورة القائمة التي تظهر من درعا البلد وأحيائها تؤكد المخاطر التي تواجه المدنيين، الذين يتعرضون بشكل متكرر للقتال والعنف والحصار بشكل فعلي». وأضافت أن المعبر الوحيد للسكان هو إلى مناطق النظام ومواجهة حواجز الجيش في وقت يتم فيه سرقة ومصادرة أملاكهم. ولا تسمح قوات الحكومة إلا للمشاة الخروج من المدينة بعد تفتيشهم بدقة. وذكرت مسؤولة حقوق الإنسان كل الأطراف بالتزاماتهم بناء على القانون الدولي.

والغائب الواضح عن الساحة في درعا وسوريا عموما هي أمريكا، مع أن مسؤولا في وزارة الخارجية نقلت عنه قناة «الحرة» عبر عن «قلق الولايات المتحدة البالغ إزاء الوضع في درعا بما في ذلك التقارير عن إلحاق الأذى بالمدنيين، والظروف الصعبة للغاية والمقيدة التي يفرضها النظام السوري على السكان، إضافة إلى ما أفادت به مجموعات حقوقية سورية عن مقتل مدنيين في القتال مع نزوح الآلاف ومعاناة آلاف آخرين من نقص الغذاء والأدوية» وذلك حسبما أوردت قناة «الحرة» نهاية الشهر الماضي. وقال المسؤول الأمريكي «إن هذه الأحداث دليل إضافي على ما قالته الولايات المتحدة منذ فترة طويلة بأن الأزمة الإنسانية في سوريا هي نتيجة مباشرة لهجمات نظام الأسد المروعة والقاسية على الشعب السوري، ولا يمكن حل النزاع إلا من خلال الانتقال السياسي بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن الدولي 2254». ولا تزال إدارة جوزيف بايدن في مرحلة مراجعة السياسة الخارجية من سوريا، التي لم تعد من أولويات إدارته عن الشرق الأوسط. وكما لاحظ أرون ستين من معهد أبحاث السياسة الخارجية، فمراجعة إدارة تعكس تحولا براغماتيا عن سياسات دونالد ترامب الذي حاول توسيع التدخل الأمريكي من قتال تنظيم الدول لمواجهة الميليشيات الشيعية وحماية آبار النفط وحرمان نظام الأسد منها. ولكن رد الإدارة الحالية يظل أبطأ من رد سلفه. والتغير الوحيد أن بايدن الذي سحب قواته من أفغانستان وخفضها في العراق عبر عن التزامه بالحفاظ على القوات الأمريكية في شمال شرق سوريا للدفاع عن قوات سوريا الديمقراطية. وفي هذا السياق دعا أندرو تابلر بمجلة «فورين أفيرز» (27/7/2021) إدارة بايدن لتعيين مبعوث أمريكي خاص بسوريا بمهمة تشكيل سياسة متماسكة، والتي لم تكن لدى ترامب. والهدف من هذا هو استمرار عزل الأسد وتقليل التأثير الروسي والإيراني. وبدون استراتيجية واضحة فستجد الولايات المتحدة صعوبة في التعامل مع المسألة السورية وستخسر سوريا جيلا آخر من الحرب. وتظل أولويات الولايات المتحدة مرتبطة في الشمال وعلى الحدود العراقية- السورية، ومن هناك بدأ بايدن غاراته العسكرية ضد مواقع تابعة لجماعات موالية لإيران، البلد الذي يحاول تحقيق صفقة نووية معه.

المصدر: القدس العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى