أعلن رسمياً في الجزائر، يوم الأحد الماضي، أن وزير الشؤون الخارجية والجالية الجزائرية في الخارج رمطان لعمامرة، سيشرع ابتداءً من اليوم الثلاثاء في زيارة أفريقية تشمل تونس ومصر وإثيوبيا والسودان، بهدف “محاصرة” المدّ الصهيوني في مؤسسات الاتحاد الأفريقي، كما ورد في الخبر الرسمي الذي أكد خبر الزيارة.
هذا التحرك الدبلوماسي الجزائري هو في الواقع ردّ فعل على حصول إسرائيل على صفة مراقب في هذا الاتحاد، وهو الاختراق الذي عملت الدبلوماسية الإسرائيلية على مدى سنوات لتحقيقه، علماً أن الكيان الصهيوني تمتع سابقاً بصفة عضو مراقب في منظمة الوحدة الأفريقية لغاية 2002، ومن ثم انتزع منه ذلك جراء استبدال هذه المنظمة بالاتحاد الأفريقي، ورغم ذلك فقد بقي يحافظ على “علاقات مع 46 دولة أفريقية” كما جاء في تصريح وزير خارجية إسرائيل خلال هذا الأسبوع.
ويلاحظ المرء أن الدبلوماسية الجزائرية تتناسى أن زيارة لعمامرة تحصل في وقت صعب جداً جراء تحديات كثيرة داخل الجزائر أو على مستوى الفضاءين المغاربي والعربي. ونتيجة لذلك، فإن هذه الزيارة هي مجرد محاولة أحادية في ظل مناخ سياسي وطني وإقليمي وعربي، يتميز أيضاً بالسلبية وبغياب أي إجماع عربي حول أي قضية من القضايا الوطنية أو الإقليمية أو الدولية.
وفي الحقيقة، كان المفروض أن تدعو الجزائر إلى اجتماع طارئ للجامعة العربية لمناقشة مشكلة منح رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي ووزير خارجية تشاد موسى فقي محمد إسرائيل صفة مراقب في الاتحاد الأفريقي، ولكن ذلك لم يحصل، علماً أن الجزائر تدرك جيداً أن الجامعة العربية تفتقد أي توافق في الموقف تجاه إسرائيل أو تجاه أي قضية محورية ومصيرية أخرى، كما تعرف أيضاً أنّ المجموعة العربية في الاتحاد الأفريقي مشتتة ومتناقضة المواقف والمصالح، فالمملكة المغربية اعترفت بإسرائيل وتتناقض مع الجزائر في كل شيء، ولا يمكن في وضعها الحالي أن تعارض وجود إسرائيل في الاتحاد الأفريقي. أما ليبيا فهي خارج الملعب جراء تدهور أوضاعها الداخلية وهيمنة القوى الأجنبية الموجودة عسكرياً على أراضيها، فيما تعامل موريتانيا كمجرد “بقعة” مسجلة في خريطة المعمورة. ونظراً الى هذه المعطيات، فإن الجزائر لا تملك السند العربي الموحد وأوراق القوة المادية والناعمة الخاصة بها، والتي تجعلها في موقع الدولة المؤثرة مادياً ورمزياً في قرارات القارة الأفريقية، وتؤهلها بالتالي لأن تلعب دوراً محورياً يفضي بها إلى تحقيق إجماع أفريقي يقضي بتجميد أو إلغاء قرار منح إسرائيل صفة عضو مراقب في الاتحاد الأفريقي الذي وقّعه رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي.
ومن الغريب أن تتحرك الجزائر ضد قرار مفوض الاتحاد الأفريقي، في الوقت الذي تعلم مسبقاً أنها كعضو رسمي ومؤسس للاتحاد الأفريقي وافقت على كل قوانين الاتحاد الأفريقي، ومنها القانون الذي يمنح مفوض هذا الاتحاد صلاحية ضم عضو مراقب جديد، مثل إسرائيل، من دون استشارة أغلب الأعضاء. ثم كيف تسمح الجزائر لنفسها بأن تتحرك بمفردها لغلق بعض المساحات أمام تحركات إسرائيل داخل الاتحاد الأفريقي عن طريق اللجوء إلى دول تعرف مسبقاً أنها تعترف بإسرائيل وتقيم معها علاقات دبلوماسية باستثناء تونس.
وزيادة على ذلك، فإن حظوظ الدبلوماسية الجزائرية في إنجاز فعل دبلوماسي تعتبر قليلة، إن لم نقل شبه منعدمة، لأنها لا تملك أوراق ضغط مادية أو سياسية فعلية على إثيوبيا ، حيث المصالح الإدارية للاتحاد الأفريقي، أو على عدد كبير من الدول الأفريقية جرّاء هشاشة حجم التبادل التجاري بينها وبين هذه الدول. وزيادة على ما تقدم، فإن سياسات الجزائر تجاه أفريقيا لم تؤسس لوجود ثقافي وإعلامي وتعليمي واستثماري ذي قيمة في كل المجالات، ونظراً الى ذلك، فقد كان المفروض أن تتحرك الدبلوماسية الجزائرية بالتنسيق، على الأقل، على مستوى أفق مختلف، وذلك مع دول أفريقية قليلة تربطها بها بعض علاقات الشراكة والتنسيق السياسي مثل جنوب أفريقيا أو نيجيريا. غير أن هاتين الدولتين، رغم ثقلهما أفريقياً، فإن الجزائر لا تقدر أن تبعدهما أو تبعد معظم الدول الأفريقية الأخرى كلية عن المدار الإسرائيلي، لأنها تخضع فعلياً لاستقطابات الدول الغربية التي تشكل قطب الحلفاء التاريخيين لإسرائيل، مثل بريطانيا التي تتحكم في منظمة الكومنولث البريطاني، وفرنسا التي تدير شؤون منظمة الفرنكوفونية الفرنسية بكل تأثيراتهما السياسية والاقتصادية والأمنية في الفضاء الأفريقي.
نظراً الى كل هذه العوامل، كان من الأفضل للجزائر أن تطلب من رئاسة الاتحاد الأفريقي عقد اجتماع رسمي طارئ للتباحث بخصوص خرق إسرائيل وحدة الصف الأفريقي وانضمامها إلى منظمة الاتحاد الأفريقي الذي لا تملك حقاً شرعياً فيه، ذلك لأنها ببساطة لا تنتمي إلى قارة أفريقيا بل هي كيان طارئ ومفروض على الشرق الأوسط الآسيوي الذي يعاني من حروبها واحتلالاتها؟
من الواضح الآن أن مهمة وزير خارجية الجزائر ليست سهلة للأسباب المذكورة آنفاً، وزيادة على ذلك، فإن زيارة تونس ستكون محاطة بكثير من علامات الاستفهام جراء الوضع الجديد الذي تشهده الآن هذه الدولة الجارة، وهو وضع متوتر بعد إعلان الرئيس التونسي قيس سعيد مجموعة قرارات، في مقدمتها حلّ البرلمان وإعفاء رئيس الوزراء التونسي من منصبه، ثمّ ردّ عليها رئيس “حركة النهضة” ورئيس مجلس النواب راشد الغنوشي مباشرة، مساء الأحد الماضي، بقوله إنها “قرارات لا سند قانونياً لها، وأنها انقلاب على الدستور”. ففي هذا المناخ المتوتر، فإن وزير خارجية الجزائر لن يجد في تونس من يتحدث إليه، الآن على الأقل، حول إسرائيل والاتحاد الأفريقي، بل إن الظرف التونسي الراهن سيجبره، أخلاقياً على الأقل، على البحث عن سبل مساعدة تونس على إيجاد مخرج لها من هذه الأزمة الطارئة التي يمكن أن تنجم عنها تداعيات خطيرة على الصعيد السياسي والأمني والغذائي، بالدرجة الأولى الداخلي، وعلى المستوى الأمني الإقليمي.
أما المحادثات التي يريد أن يجريها الوزير لعمارة في إثيوبيا ومصر والسودان حول الاختراق الإسرائيلي للاتحاد الأفريقي، فإنه يرجح أن تنحصر غالباً في نطاق يتأرجح بين المجاملات الدبلوماسية حول هذه المسألة بالذات، وحول أهمية رفع سقف العلاقات الاقتصادية الثنائية والتبادل التجاري الجزائري الإثيوبي، وبين تبادل وجهات نظر حول السبل الكفيلة بتحقيق تهدئة التوتر بين مصر وإثيوبيا حول سدّ النهضة.
ويتوقع المراقبون السياسيون أن تسفر زيارة لعمامرة لإثيوبيا عن “تفاهمات شفوية” للاستهلاك السياسي، تطمئن الجزائر الى أن سدّ النهضة لن يحرم مصر والسودان من حصتيهما من مياه النهر الأزرق، وأن حدود النشاط الإسرائيلي في الاتحاد الأفريقي ستكون شكلية، وأنها “لن تؤثر في الدعم الثابت والفعال للمنظمة القارية تجاه القضية الفلسطينية العادلة … “، وأن الوجود الإسرائيلي في هذه المنظمة الأفريقية ليس امتيازاً خاصاً بها، “لأن هناك أكثر من 70 سفارة غير أفريقية ومنظمة غير حكومية معتمدة حالياً لدى الاتحاد الأفريقي” كما قالت المتحدثة الرسمية لرئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فقّي محمد، ولكن هذه التبريرات لا يمكن أن تخفي هدفها المتمثل في تمرير السيناريو الإسرائيلي.
المصدر: النهار العربي