يقترب عدد اللاجئين السوريين في العالم من سبعة ملايين نسمة، حسب الإحصاءات التي نشرتها مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عام 2020. مما يجعل السوريين أكبر مجموعة لاجئين في العالم، وهذا يعني أن واحداً من كل ثلاثة سوريين يعد لاجئاً، وسوف يتصاعد العدد وتزيد النسبة، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن بعض الدول لا تسجل السوريين بوصفهم لاجئين فيها، مثل بلدان الخليج العربية، التي يقيم فيها ما يزيد على مليون سوري، ومثلهم مئات آلاف السوريين المنتشرين في عشرات دول العالم الذين لم يُسجَّلوا بوصفهم لاجئين، بل مقيمين، بينهم طلاب ورجال أعمال وعاملون حسب أنظمة تلك البلدان.
وتشكل قضية اللاجئين السوريين، وما فيها من معاناة وتداعيات خطيرة أعباء كبيرة على العالم بمؤسساته ودوله، مما يؤهلها أن تكون في صلب الاهتمام العالمي، وأن يكون حلها بصورة جذرية على برنامج سياساته، وأن يكون الحل في معالجة مسبباتها، التي قادت إلى تهجير السوريين من بلدهم، ودفعهم نحو اللجوء إلى بلدان العالم المختلفة نتيجة الحرب المدمرة منذ أكثر من عشر سنوات، مستعيناً فيها النظام بحلفاء محليين وإقليميين ودوليين، يشاركونه الحرب بينهم إيران وميليشياتها وروسيا.
ولأن عمل المجتمع الدولي من أجل التوصل إلى رسم مسار للحل السوري وفق بيان جنيف والقرار الدولي 2254 وما لحقهما، فإنه فشل في الذهاب إلى خطوات عملية، ثم تردي الوضع الدولي في التعامل مع القضية السورية، وكان أحد تعبيرات التردي تحوُّل قضية اللاجئين إلى لعبة أمم، يغوص فيها كل طرف بطريقته مخلّفاً مزيداً من التداعيات السلبية في حياة اللاجئين ومزيداً من معاناتهم رغم الكفاح الذي انخرط اللاجئون فيه من أجل تحسين حياتهم وبيئاتهم في بلدان اللجوء، وهذا حسب شهادات إيجابية حملتها تصريحات مسؤولين دوليين ومسؤولين في الدول التي يعيش فيها لاجئون سوريون مثل تركيا وألمانيا وفرنسا وكندا، التي قيّمت بصورة إيجابية سلوك اللاجئين السوريين ونجاحاتهم في الاندماج والتعليم والعمل.
إن السمة العامة للتعامل الدولي مع اللاجئين السوريين وقضيتهم، كانت مزيداً من التشدد حيال السوريين واللاجئين منهم خصوصاً. ففي عالم اليوم لا يتجاوز عدد الدول التي تستقبل السوريين دون سمة دخول عدد أصابع اليد الواحدة، وشروط منح سمة الدخول للسوريين في أغلب البلدان صارت شبه مستحيلة، وكذلك صار الوضع في منح الإقامات وإعطاء حق اللجوء لمن يطلبه، وصار من الطبيعي تقييد منح الإقامات وتأخيرها، وكلها إجراءات هدفها التخفيف من وجود لاجئين ومقيمين سوريين في تلك الدول ومنها بريطانيا، بل دول مثل الدنمارك، التي لديها أعداد محدودة من اللاجئين، تسعى نحو ترحيل بعض اللاجئين فيها بحجة تحول مناطق تحت سيطرة النظام إلى «مناطق آمنة» بخلاف المعطيات الحقيقية القائمة، وتقديرات المنظمات الدولية وأغلبية الدول التي تتابع الوضع القائم في سوريا.
ورغم قسوة ما سبق من سياسات الدول، والتي تشجع دولاً أخرى على نفس السلوك، وربما تقوم بالأسوأ، فإن اللاجئين يواجهون ما هو أصعب في بعض الحالات، ولعل وضع اللاجئين السوريين في لبنان، هو بين أكثر الأوضاع سوءاً. ففي هذا البلد الذي يعد الأقرب إلى السوريين من كل النواحي، يعيش اللاجئون فيه مأساة متعددة المستويات. إذ إنهم وباستثناء كونهم لاجئين لهم ظروف حياتية شديدة القسوة، ويعانون صعوبات في موضوعات العمل والسكن والتعليم وغيرها، فإنهم محاطون بأجواء جائحة «كورونا»، تترافق مع أزمة اقتصادية تضرب الحياة اللبنانية، إضافةً إلى أنهم يواجهون مستوى من التمييز يستند إلى خلفيات متعددة طائفية وثقافية واجتماعية، وهم موجودون تحت سلطة حليفة ومتوافقة مع نظام الأسد، وبين الطرفين تعاوُن كبير لا سيما في المجال الأمني الذي يشمل التضييق على اللاجئين في حياتهم بخلق صعوبات من جهة، واقتحام مخيماتهم من جهة أخرى، وإجبارهم على ممارسات محددة، كما حدث في إجبار بعضهم على المشاركة في انتخابات الأسد 2021، ومنها قيام الأجهزة الأمنية اللبنانية بتسليم سوريين مطلوبين للنظام من بين اللاجئين وفيهم منشقون عن النظام وناشطون ضده.
ورغم أنه لا يجوز المقارنة بين أوضاع السوريين في لبنان وأوضاع أشقائهم في تركيا، فإن أوضاع الأخيرين محاطة بمشكلات جدية أيضاً منها ظاهرة العنصرية حيال السوريين، وثمة مشكلات للسوريين في سوق العمل التركية خصوصاً في ثلاث نقاط، تشمل الأجور المنخفضة، وساعات العمل الطويلة، وامتناع أرباب العمل عن تسجيلهم في التأمين الاجتماعي، وكله يضاف إلى ظاهرة امتناع بعض أرباب العمل عن دفع أجور عمالهم السوريين.
إن السياسات الإجرائية التي تتبعها بعض الدول وما يبدو من ظواهر اضطهادية من مجتمعات يعيش فيها اللاجئون السوريون، قد تجد لها تفسيرات، وقد تكون ناتجة عن ظروف طارئة، مما يجعلها قابلة للتغيير لاحقاً بصور كلية أو جزئية، وهذا بخلاف سياسات دول تقوم على استثمار قضية اللاجئين لأهداف سياسية سواء كانت تتعلق بأوضاعها المحلية على نحو ما فعلت تركيا في عامي 2014 – 2015 عندما فتحت الأبواب لهجرة السوريين نحو أوروبا من أجل تحقيق مكاسب لها في العلاقة من الاتحاد الأوروبي وبعض دوله، وهو أمر قد يتكرر في وقت لاحق.
أما الوجه الثاني في استثمار قضية اللاجئين لأهداف سياسية، فيجد مثاله في سياسة الدولة الروسية، التي أدت سياساتها لا سيما العمليات العسكرية، في ذهاب السوريين إلى لجوء في الدول الأخرى، تماماً على نحو ما نتج عن سياسات إيران وميليشياتها في الحرب على السوريين، ولم يسمح البلدان للسوريين بالعبور إليهما والإقامة فيهما، وكله لم يمنع روسيا من التباكي على حال اللاجئين والدعوة -مجرد دعوة- إلى عودتهم لبلدهم، دون اتخاذ أي إجراءات أو تطمينات تساعد في عودتهم، مما يؤكد أن الهدف ليس عودة اللاجئين إنما الإيحاء بأن موسكو والنظام يسعيان لحل قضية اللاجئين، مما يساعدهم على إعادة تأهيل النظام ودمجه في المحيط الإقليمي والدولي من جهة، وفتح الباب من جهة أخرى، ودفع المجتمع الدولي للذهاب نحو المشاركة في إعادة بناء سوريا، التي أكد المجتمع الدولي أنه لن يشارك فيها، ما دام نظام الأسد بقي خارج سياق حل سياسي للقضية السورية والذي لا شك أن خطوات في قضية اللاجئين ستكون في بعض مقدماته.
المصدر: الشرق الأوسط