قد يكون الاتحاد الأوروبي ليناً من مواقفه وسياساته حيال تركيا وترك مناقشة موضوع فرض عقوبات جديدة عليها جانبا، لكن خيبة الأمل التركية حيال بيان القمة الأوروبية المنعقدة في بروكسل قبل أيام كانت كبيرة كما أوجزها بيان الخارجية في أنقرة. “هو أسلوب مماطلة ومراوغة وتراجع أوروبي عن التعهدات المقدمة ومماطلة ونقص في الإرادة، وكان على أوروبا قبل الحديث عن الحريات وحقوق الإنسان في تركيا أن تنفذ وعودها والتزاماتها حيال تركيا وفتح الطريق أمام العضوية الكاملة”.
نسيت القمة الأوروبية في بيانها الختامي الإشارة ولو بكلمة واحدة إلى مسار أو مصير العضوية التركية في المجموعة ولو بعبارة واحدة.
هي أعلنت ترحيبها بالتحول الملموس في طريقة تعامل أنقرة مع العديد من الملفات التي تقلق الجانب الأوروبي وقالت إنها جاهزة لتوسيع رقعة التعاون لحماية المصالح المشتركة خصوصا في خطط التنقيب عن الطاقة وحلحلة الموضوع القبرصي لكنها تقول لأنقرة عبر الرئيس الفرنسي ماكرون إنها ستبقى طوال موسم الصيف في حالة استنفار وترقب للتعامل مع أية خروقات تجري في شرق المتوسط.
تعول أنقرة على قرارات سريعة وعملية تصدر عن القمة باتجاه تفعيل الحوار في ملفات كثيرة معلقة حول عضويتها الكاملة في المجموعة واستجابة أوروبية لمطلب تعديل الاتفاقية الجمركية الموقعة قبل أكثر من 25 عاما والتي تعمل لصالح الأوروبيين أكثر من حماية المصالح التركية. ومعاملة تركيا بالمثل في موضوع دخول المواطنين الأتراك إلى دول الاتحاد دون تأشيرات. لكن أوروبا لم تتردد لحظة واحدة في تذكير أنقرة داخليا بضرورة احترام مبادئ سيادة القانون والحقوق الأساسية واستهداف نشاطات بعض “الأحزاب السياسية والمدافعين عن حقوق الإنسان ووسائل الإعلام في تطورات تسببت في تراجع الديمقراطية، وسيادة القانون، وحقوق المرأة في البلاد”.
في الملف السوري مثلا تذكر أنقرة الأوروبيين بضرورة إعلان الموقف السياسي الحازم حيال تطورات المشهد وتسريع خطط الحلول في ملف الأزمة فتسمع دعوة القمة المفوضية الأوروبية للإسراع في إعداد دراسة وتقديم اقتراح رسمي حول التمويل الذي سيتم توفيره للسوريين الموجودين في تركيا وغيرها من الدول المضيفة. وقرار التحضير لإرسال مساعدات مالية جديدة إلى السوريين في تركيا بقيمة 3 مليارات يورو حتى عام 2024. أوروبا تريد من أنقرة أن تتحول إلى “فندق اللاجئين” وتلعب دور المنطقة العازلة بينها وبين دول “تصدير” اللاجئين والمهاجرين لكنها تتجاهل مطلب إقامة المنطقة الآمنة التي تريدها أنقرة في شمال سوريا. تنسى أن تركيا أنفقت خلال 11 عاما نحو 50 مليار دولار في الملف السوري وهي تحاول إغراءها بتقديم خمس المبلغ مقابل ضمانات حماية الحدود الأوروبية من اللاجئين. ترحيب بدور تركي أكبر في أفغانستان واستعداد ربما لتمويل هذا الدور لكن الهدف قبل أن يكون قطع الطريق على النفوذ الروسي الصيني الإيراني هناك هو الحؤول دون موجات لجوء أكبر إلى الأراضي الأوروبية إذا ما حصل الانفجار السياسي الأمني في كابول.
تتفاهم دول الاتحاد الأوروبي فيما بينها على استراتيجية التعامل مع تركيا لكنها لا تتفاهم مع أنقرة على ذلك. هي تحاول فرض رأيها ومصالحها فقط غير عابئة بما تقوله وتريده تركيا في الملفات المشتركة بينهما. تطالب أوروبا الشريك التركي بتخفيض التوتر في شرق المتوسط وتجميد خطط التنقيب عن الطاقة وترفض هذا التقارب التركي الروسي خصوصا في ليبيا وسوريا لكن تذكير أنقرة لهم بسياساتهم الخاطئة في شرق سوريا ودعمهم لمجموعات محسوبة على حزب العمال ودعوتها لتنفيذ تعهدات حماية النازح السوري في شمال غرب سوريا يصبح فورا محاولة ابتزاز سياسي مادي تركي للاتحاد.
ضربة على الحافر وأخرى على المسمار هي المعادلة المعتمدة في مسار العلاقات التركية الأوروبية منذ عقود. المناورة بورقة العضوية من البعيد منذ عام 1959 لكن ما يجري هو فتح الأبواب أمام دول أوروبا الشرقية الاشتراكية سابقا وبالجملة في عام 2004 على حساب كل التقارب والتنسيق التركي الأوروبي.
تريد أوروبا أن تتأكد من مدى جدية التحول في السياسات التركية الخارجية التي بدأت قبل 6 أشهر لذلك هي تقول إن المسار الجديد في العلاقات التركية الأوروبية سيتقدم “بشكل مرحلي نسبي مدروس ومبرمج”. وترصد تركيا مثل غيرها التقلبات الحزبية والسياسية المحتملة في العديد من الدول الأوروبية على ضوء الانتخابات القريبة هناك. نتائج هذه الانتخابات ستدفع الطرفين التركي والأوروبي حتما لمراجعة مواقفهما وتموضعهما باتجاه إيجابي أكبر أو سلبي أكثر.
أغضبت المجموعة الأوروبية موسكو لأنها رفضت الاقتراح الألماني الفرنسي بعقد قمة أوروبية روسية موسعة لبحث الكثير من الملفات المشتركة، ويتساءل البعض لماذا سارع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لرفع سماعة الهاتف وإجراء حديث مطول مع نظيره الروسي بعد أيام قليلة على عودته من قمة الأطلسي واللقاءات المكثفة التي أجراها هناك وفي مقدمتها القمة التي عقدها مع الرئيس الأميركي بايدن؟ الإجابة هي في غاية البساطة. التقارب التركي الروسي جاهز دائما ليكون بديلا عن أي تراجع أو توتر في علاقاتهما مع الغرب. في الأسبوع الأخير فقط دخل المناطق السياحية التركية نحو 40 ألف سائح روسي بعدما أمر بوتين بفتح الأبواب أمامهم لدعم الموسم السياحي التركي المتضرر بسبب موجة وباء كورونا. كان أول من يقف مرة أخرى إلى جانب أنقرة في ظروف صعبة تمر بها.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا