الانسحاب من أفغانستان، الخلاف التجاري، الأزمة حول خط أنابيب الغاز الروسي “نورد ستريم2” وغيرها من الملفات التي يحملها الرئيس الأميركي جو بايدن في جعبته، متوجّهاً وللمرة الأولى منذ توليه مقاليد الحكم إلى الأوروبيين للتفاوض معهم وبـ”حسن نية”، حيث سيشارك في قمة لمجموعة السبع وقمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، فضلاً عن قمة أوروبية – أميركية، وفي ختام كل ذلك سيلتقي أخيراً بنظيره الروسي فلاديمير بوتين في 16 حزيران (يونيو) الجاري في قمة مرتقبة لنزع الاحتقان السياسي والدبلوماسي وربما العسكري الذي بلغ ذروته في الآونة الأخيرة بين الطرفين.
للوهلة الأولى يُنظر إلى هذه الزيارة بإيجابية لأنها بطبيعة الحال لن تكون بهذه الصعوبة بعد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب وعلاقته الشائكة بالأوروبيين. ولكن ملفات صعبة تنتظر بايدن، خصوصاً في ظل غياب التحديات الكبيرة، وفي ظل تزعزع قوّة التحالف الغربي في السنوات الأخيرة.
ما الذي يريده الرئيس الأميركي من الأوروبيين؟ وهل أوروبا مستعدة لتحمّل كلفة ما سيطلبه منها بايدن؟
قد يقول قائل إن كل الزوبعة التي أثارها ترامب من الجدل ما انعكس تعقيداً في العلاقة مع الأوروبيين، هل ستهدأ مع بايدن وسنرى شهوراً من العسل بين ضفتي الأطلسي، خصوصاً أنه غالباً ما يقوم أي رئيس أميركي جديد بزيارات للبناء على ما أنجزه سلفه، إلا أن الأمر يبدو مشوشاً هذه المرة، على الرغم من الثقة والود اللذين يحظى بهما بايدن عند الأوروبيين منذ أن كان وزيراً للخارجية حتى فترة نيابته الرئاسية السابقة لباراك أوباما. لكن مسائل عديدة تداخلت وتشابكت والتي تتطلب رأباً للصدع وإعادة ترميم العلاقات برمّتها.
في الواقع، يتّضح أن الأوروبيين سعداء بعودة الولايات المتحدة الأميركية عبر بايدن إلى الاحضان الغربية، فلن يعيشوا مجدداً كابوس الرئيس السابق دونالد ترامب المشاكس والخلافي والمستهزئ والمزعج ذي النبرة العالية والذي لم يتطرق إلى أهمية حلف شمال الأطلسي (الناتو) والوعود الأميركية بحماية حلفائها فيه، مطالباً الأوروبيين بدفع فاتورة عالية للأميركيين بغية تزويدها بالترسانة الضرورية لتعزيز القوة العسكرية لكل دولة على حدة. الأمر الذي دفع عدداً من قادة أوروبا للحديث عن أهمية تأسيس نظام دفاعي يحمي أوروبا من دون الاعتماد على الولايات المتحدة.
ولكن مهلاً! وقبل أن يبدأ الأوروبيون تنفّس الصعداء، لا بد من إزالة الشكوك والمخاوف التي تنتابهم نتيجة العلاقات الأميركية – الأوروبية التي بدأت، على ما يبدو، تجنح بأهميتها نحو المصالح أكثر بعدما كانت تسودها القيم. ذلك أن النظام العالمي الذي أنشئ إثر الحرب العالمية الثانية كان يعتمد على القيادة الأميركية التي كانت تقول آنذاك إن النظام القائم يعتمد على القيم الغربية مثل الليبرالية وسواها.
حسناً إذاً، كيف يمكن تفسير القلاقل والمخاوف الاوروبية؟
أوّلاً، يقول بايدن لحظة إعلانه عودة أميركا إلى سابق عهدها في علاقاتها مع حلفائها التقليديين، ومن ثمّ يقرّر منفرداً الانسحاب من أفغانستان من دون الرجوع إلى الأوروبيين للتنسيق معهم رغم انخراط حلف الناتو وما يضمّه من جيوش دول أوروبية في الحرب هناك.
ثانياً، قرار ملكية اللقاحات لمعالجة جائحة وباء كورونا العالمية من دون التنسيق مع الاتحاد الأوروبي ما عمّق الأزمة في العلاقات.
في المقابل، يبدو أن الشكوك والمخاوف بدأت تتبدّد شيئاً فشيئاً أمام تصريح رئيس مؤتمر ميونخ للأمن فولفغانغ إيشنغر الذي قال: “يمكننا أن نرى أن إدارة بايدن قد تواصلت مع أوروبا بصدق وبسرعة فائقة من خلال العودة إلى اتفاق باريس للمناخ والاتفاق النووي الإيراني ووقف سحب القوات الأميركية من ألمانيا الذي خطط له ترامب والقائمة تطول”.
لذا، فإن جملة أسئلة مشروعة تطرح نفسها وهو أين أوروبا من كل هذا؟
وماذا تفعل بالنسبة إلى الرأي العام الأميركي، خصوصاً أن الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة الأميركية المزمع قيامها العام المقبل لانتخاب أعضاء مجلس النواب بالكامل؟
وماذا تفعل أوروبا من أجل التسهيل قليلاً على الأميركيين حتى لا يصار إلى انتخاب ترامب مجدداً؟
في الختام، فيما تحتاج الولايات المتحدة الأميركية إلى أوروبا قوية وموحّدة وهي الخطة التي كانت وما زالت قائمة منذ الحرب العالمية الثانية، تبرز حاجة ضرورية وجوهرية تستوجب على الأوروبيين أن يتحدثوا بصوت واحد، لا سيّما حيال السياسة الخارجية مع رصد بعض التباينات الطفيفة.
لكن في حال حصل ذلك وبادرت أوروبا في هذا الاتجاه، هل سينعكس ذلك التزاماً أميركياً في قضايا عدة وأبرزها أهمية إيلاء الاتحاد الأوروبي “بعض الاحترام” للتنسيق معهم ما يضمن عدم إتخاذ قرارات أحادية مجدداً؟
المصدر: النهار العربي