مع الانتشار السريع لجائحة كورونا (كوفيد 19)، ووقوف معظم حكومات العالم عاجزة عن إيجاد السبل والوسائل التي يمكن من خلالها تحاشي التداعيات الإنسانية والاقتصادية لتمدّد هذا الوباء، ترتفع أصوات عديدة من هنا وهناك، مناشدة بتوحيد الجهود الدولية لمواجهة هذا الموت الزاحف نحو التهام البشرية بطريقة تكاد أن تكون هي الأقوى فدحاً بعد الكارثة الوبائية التي اجتاحت إسبانيا عام 1918، وفي هذا السياق ذاته تأتي الدعوة التي أطلقها المبعوث الدولي الخاص إلى سورية السيد (غير بيدرسون) يوم الثلاثاء في الرابع عشر من الشهر الجاري، مناشداً جميع الأطراف المتصارعة في سورية إلى وقف القتال فوراً، وإيلاء الأهمية لمواجهة الخطر الذي يحمله انتشار فيروس كورونا.
وعلى الرغم من أهمية دعوة بيدرسون، فإن الفحوى المأمول منها يبقى مقترناً بمدى فاعليتها على مستوى الواقع، أو من خلال معايير استجابة الأطراف المتصارعة لتلك الدعوة، ولعل هذا ما دفع الكثيرين للاعتقاد بأن دعوة بيدرسون تأتي في سياق شعوره بواجبه الوظيفي الذي يملي عليه ذلك، طالما اكتست دعوته صيغة التعميم، كما في دعواته المماثلة السابقة التي كانت تنطلق على إثر كل فاجعة تلمّ بالسوريين.
هشاشة ثقة السوريين بدعوة بيدرسون، وبقية الدعوات الأخرى التي تصدر عن الكيانات العالمية، غالباً ما تكون مشفوعة بتجارب سابقة رسّختْ مقداراً كبيراً من خيبة الأمل بقدرة ونجاعة الدور الموهوم للمؤسسات الدولية، وفي مقدمتها الأمم المتحدة، التي غالباً ما وقفت عاجزة، بل مخذولة أمام (زعران العالم وبلطجيته)، فها هو بوتين يعطّل (14 مرة) قرارات صادرة عن الأمم المتحدة، كان من شأنها لو وجدت طريقها إلى التنفيذ، أن تضع حدّا لمأساة السوريين، أضف إلى ذلك أن ثمة قناعة لدى معظم السوريين باتت تتعزّز يوماً بعد يوم، بضمورٍ شبه كلّي للضمير العالمي المنبثق من المعين القيمي للإنسانية، بمقابل تسيّد كامل لمنطق المصالح والهيمنة وتقاسم النفوذ.
ليست نزعةً تشاؤميةً – إذاً – أنتجتها سنوات متتالية من المعاناة، بل هي وقائع يعيش السوريون مفرداتها بكل قسوة ومرارة، فمنذ نهاية تشرين الثاني 2019 حتى بداية شهر آذار 2020، نزح مليون مواطن سوري من إدلب وشمال حماة وغربي حلب، بفعل آلة القتل والدمار الروسية الأسدية الإيرانية، وأمضوا أشهُر الشتاء القاسية في العراء يبحثون عن خيمة تقيهم الموت من البرد، ومعظمهم يعيشون الآن في مخيمات عشوائية لا تتوافر فيها أدنى مقوّمات الحياة، فهؤلاء – بالتأكيد – ليسوا معنيين بدعوة السيد بيدرسون، كما أنهم ليسوا معنيين أيضاً بضرورة تقديم الدعم اللازم لهم من أجل الوقاية من تمدّد فيروس كورونا، ولو كان السيد بيدرسن يعنيهم بذلك لدعا قبل كل شيء إلى حقهم في العودة إلى بيوتهم، ذلك أن سبل الوقاية داخل المخيمات تكاد تكون مستحيلة، في ظل انعدام أبسط الخدمات، إذ كيف يمكن لأحدهم أن يغسل يديه أو يستحم وهو لا يجد ماء صالحاً للشرب، وكيف له أن يتحاشى الاكتظاظ البشري وفي الخيمة الواحدة تأوي أكثر من عائلة، فضلاً عن ندرة الغذاء والدواء ووسائل النظافة الأخرى.
أمّا دعوة بيدرسون للإفراج الفوري عن المعتقلين السوريين في السجون، والكشف عن مصير المغيبين، لدواعٍ إنسانية، بغية تحاشي تسلل فيروس كورونا إلى زنازينهم، فقد استبقها بشار الأسد بإصدار مرسوم عفو عام، شمل عدداً من الجرائم القضائية، إلّا أنه كان حريصاً – كما هو مُتوَقعٌ – على ألّا يشمل هذا العفو المعتقلين الذين سُجنوا بسبب مناهضتهم لبطشه وإرهابه، علماً أن ما يلاقيه المعتقلون في السجون من شقاء يومي، يفوق بكثير المخاوف التي يشعر بها الناس حيال كورونا.
في موازاة الدعوة الأممية لوقف كل أشكال الحرب، وعلى وجه الخصوص، الحرب في سورية، تشير معظم المعطيات على الأرض، إلى أن خوف العالم من استمرار كارثة كورونا لن يعفي السوريين من مواجهة خطر استمرار الحرب التي تستنزف دماءهم طيلة سنوات مضت، إذ أوضحت موسكو في العشرين من الشهر الحالي، أنها ليست معنية بأية مسؤولية حيال السوريين من خطر كورونا، وأن مواجهة هذا الوباء هي مسؤولية عالمية، علماً أن روسيا كانت معنيّة على الدوام بقتل السوريين وتهجيرهم، ما يوحي بأن احتمال انتشار كورونا في سورية لن يغيّر في استراتيجية الروس الحربية على الأرض السورية، ولعلّ هذا ما دفع قوات الأسد إلى الاستمرار في عملية القضم المستمر للبلدات والقرى في جنوب إدلب، وكان آخرها خلال الشهر الجاري، اقتحام قريتي (البريج – معرة موخص)، فضلاً عن الاستهداف المدفعي المستمر لبلدات وقرى جبل الزاوية وريف حلب الغربي.
وموازاةً مع استمرار الحشود التركية في إدلب، وإقامة نقاط مراقبة جديدة، تقوم قوات النظام باستجلاب ميليشيات طائفية بأعداد كبيرة، معظمها من فصائل (العباس – الرضوان)، لتنتشر في بلدة (العيس) في ريف حلب الجنوبي، وعلى مقربة من طريق حلب اللاذقية، كما يقوم قسم من الميليشيات المذكورة بالانتشار في ريف سراقب.
اللافت للانتباه أن تدفق الميليشيات الطائفية المذكورة إلى خطوط التماس ،جاء بعد الزيارة التي قام بها وزير الدفاع الروسي (سيرغي شويغو) إلى دمشق، يوم الإثنين 13 آذار الجاري، ولقائه برأس النظام، تلك الزيارة التي جعلت البعض يعتقد أنها ربما حملت رغبة روسية ضاغطة على النظام للحفاظ على الهدنة، في حين تؤكد معطيات ميدانية أخرى، أن زيارة شويغو إلى دمشق إنما تبارك زج ميليشيات إيرانية على الجبهات، بسبب احتمال مواجهة مقبلة مع القوات التركية والفصائل المقاتلة التي تنسق مع أنقرة، لأن بوتين ما يزال مصرّاً على اجتياح إدلب، وكامل ريفي حماة وإدلب، وهو في هذا المسعى، آثر الاستعانة بتلك الميليشيات لسببين، أولهما إشراك إيران من جديد، واسترضاؤها بحضور ميداني، بعد أن تم تقليص دورها في الفترة الأخيرة، وخاصة أثناء قمة (بوتين أردوغان) في الخامس من الشهر الجاري، وثانيهما عدم ثقة بوتين بقدرات جيش النظام على مواجهة محتملة قد تحصل من جديد مع القوات التركية والفصائل المتحالفة معها، فهل سيكون السوريون في مواجهة حرب مزدوجة لكورونا والأسد معاً؟.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا