خلافات وغضب روسي متصاعد من تركيا: هل يرد بوتين في ليبيا أو إدلب؟

إسماعيل جمال

شهدت الأسابيع الأخيرة خلافات تركية روسية تصاعدت على نار هادئة حول العديد من الملفات منها القرم والتعاون العسكري مع أوكرانيا ولاحقاً بولندا وتهديد موسكو بإثارة «الأقليات الدينية والقومية» في تركيا، وهو ما ولد خشية من تفجر الخلافات على نطاق أوسع واحتمال اتجاه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى التصعيد عسكرياً ضد تركيا سواء في ليبيا أو في إدلب شمالي سوريا، وهو السيناريو الذي شهدته العلاقات بين البلدين في مرات سابقة.
وبرزت مؤخراً خلافات عديدة تتعلق بالموقف التركي من احتلال روسيا لشبه جزيرة القرم والدعم العسكري والتعاون الدفاعي المتصاعد مع أوكرانيا، وهو ما يعتقد أن روسيا ردت عليه بتعطيل السياحة إلى تركيا بحجة «كورونا» قبل أن تهدد بـ»إثارة الأقليات في تركيا» إلى جانب الغضب الروسي من إعلان بولندا شراء مسيرات تركية قتالية من طراز «بيرقدار» التي باتت مصدر إزعاج تركي كبير لروسيا على حدودها المختلفة وأماكن تواجدها في المنطقة.
وفي خضم خلافات سابقة تصاعدت بين روسيا وتركيا، لجأت روسيا مراراً إلى الرد على أنقرة عبر تصعيد ملفات عسكرية سواء في سوريا أو ليبيا خلال السنوات الأخيرة، ويخشى هذه المرة أن يلجأ بوتين إلى نفس السيناريو عبر تفجير الأوضاع العسكرية في إدلب أو ليبيا في ظل مؤشرات سياسية وعسكرية تدعم هذه الخشية، وسط آمال بقدرة الجانبين على احتواء الخلافات ومنع خروجها من إطار المواقف إلى التصعيد العسكري في إحدى الجبهات.
ففي الملف الليبي، تتصاعد الخشية من التحركات العسكرية للجنرال خليفة حفتر المدعوم من قبل روسيا ويقاتل إلى جانبه مرتزقة فاغنر الروس، حيث أعلن حفتر عن عرض عسكري «ضخم» في مدينة بنغازي السبت، فيما تواصل وصول طائرات تنقل مرتزقة سوريين من مناطق النظام السوري إلى مناطق سيطرة حفتر، ورصدت طائرات نقل أسلحة ومعدات عسكرية، وهو ما دفع مسؤولي الحكومة الليبية إلى التحذير من وجود نية لحفتر لتفجير الأوضاع العسكرية على نطاق واسع.
وفي الملف السوري، كانت إدلب على الدوام وجهة روسيا للضغط على تركيا، وفي ظل سلسلة من التطورات العسكرية والسياسية تبدي أطراف مختلفة من المعارضة السورية خشيتها من نية النظام السوري بدعم من روسيا تجديد هجومه على إدلب، محذرين من كارثة إنسانية غير مسبوقة في ظل انتشار فيروس كورونا وتكدس السكان في منطقة جرى تقليصها تباعاً بالهجمات السابقة للنظام.
وإلى جانب الخروقات المتكررة والحشود العسكرية المتزايدة، يعتقد أن الانتخابات الرئاسية التي نظمها النظام السوري وإعلان فوز الأسد الذي وعد «بمواصلة العمل بشكل أكبر» قد يدفع روسيا والنظام على حد سواء لاستغلالها لمحاولة مد السيطرة على ما تبقى من مناطق خارجة عن سيطرة النظام وذلك بدعوى «الشرعية» التي حصل عليها رئيس النظام من الانتخابات التي وصفت دولياً بأنها «مسرحية».
ومن شأن أي هجوم عسكري على إدلب أن يشكل ضغطاً كبيراً على تركيا التي ترى فيما تبقى من إدلب والشمال السوري تحت سيطرتها ملفاً يتعلق بصلب أمنها القومي وأن أي عملية عسكرية قد تدفع لنزوح ملايين اللاجئين السوريين الجدد إلى أراضيها وعودة خطر إقامة كيان انفصالي، أسباب تدفعها لاستخدام كافة الوسائل لمنع سيطرة النظام على إدلب الأمر الذي يفتح الباب واسعاً أمام إمكانية حصول مواجهة عسكرية جديدة على غرار ما جرى عام 2019 التي كادت أن تتحول إلى مواجهة عسكرية مباشرة بين تركيا وروسيا.
وتتخذ تركيا موقفاً «مبدئياً» ضد احتلال روسيا لشبه جزيرة القرم وتؤكد على الدوام عدم اعترافها بالسيطرة الروسية وتمسكها بوحدة الأراضي الأوكرانية، كما وقفت تركيا بقوة مؤخراً ضد الحشود الروسية واحتمال التدخل العسكري في دونباس الأوكرانية وعملت عن قرب مع أوكرانيا والناتو للاستعداد للوقوف أمام أي تدخل عسكري روسي.
وما أغضب روسيا أكثر، التعاون الدفاعي المتصاعد بين تركيا وأوكرانيا في الآونة الأخيرة لا سيما بيع أنقرة لكييف طائرات مسيرة بدون طيارة من طراز «بيرقدار» الهجومية والتي أضرت الصناعات الدفاعية الروسية في سوريا وليبيا وقره باغ، قبل أن تمتلكها أوكرانيا وتبدأ بتسييرها فوق البحر الأسود ومناطق حدودية مع روسيا آخرها خط المواجهة في دونباس.
ورداً على الموقف التركي المتجدد من ملف القرم، هددت روسيا بلغة غير مسبوقة بـ»الرد على تركيا في حال مواصلة خطابها المغرض تجاه روسيا بسبب تتار القرم» ولوحت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا بالقول: «تصريحات تركيا بشأن تتار القرم وشبه جزيرة القرم مثيرة للقلق، إذا لم تتغير هذه التصريحات فسنضطر إلى إثارة المشاكل الدينية والعرقية في تركيا». كما اعتبر المتحدث باسم الرئاسة الروسية ديميتري بيسكوف أن موقف تركيا من القرم هو «أحد الخلافات الكبيرة بين البلدين».
وفيما فسر على أنه رد روسي على الموقف التركي من القرم وأوكرانيا أصدرت الحكومة الروسية قراراً بوقف الرحلات السياحية إلى تركيا بسبب ما قالت إنه انتشار فيروس كورونا، قبل أن تعلن شركات سياحة وطيران كبرى إلغاء الرحلات هذا الصيف في خطوة تهدد بحرمان تركيا من ملايين السياح الروس الذين يشكلون أكبر نسبة من السياح الذين يعتمد عليهم القطاع السياحي في تركيا وبالتالي فأنها من أبرز أوراق الضغط الروسية على تركيا.
ومن شأن صفقة بيع المسيرات التركية إلى بولندا إلى جانب إرسال طائرات حربية تركية للمشاركة في مهام الناتو هناك أن تعمق أيضاً الخلافات التركية الروسية، لا سيما وأنها جاءت مع بولندا التي كانت تعتبر أحد أبرز حلفاء روسيا في حلف وارسو قبل أن تتحول إلى المعسكر الغربي، كما انها تعتبر دولة حدودية بشكل غير مباشر- تفصل بينهما بيلاروسيا- ومن شأن اقتنائها أسلحة متطورة أن يشكل ازعاجاً كبيراً إلى روسيا.

المصدر: »القدس العربي»

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى