قضية فلسطين هي قضية العرب الأولى والمركزية..ليس هذا كلامًا شعائريًا لكنه تجسيد لأمرين أساسيين باتا بديهيين أمام العقل العربي الحر.
الأول : وحدة المصير العربي فما يجري في فلسطين لا ينفصل عما يجري في كل البلاد العربية..
الثاني : ان المشروع الصهيوني الذي اغتصب فلسطين يستهدف إغتصاب الامة العربية كلها..ولا يتوقف عند فلسطين او يكتفي بها..
إن ظاهرة ملفتة تدفعنا للتوقف عندها لفهم أعمق للصراع الدائر على أرض فلسطين العربية..
فعلى الرغم من إتفاق اوسلو وما فيه من تنازلات وإعتراف بدولة الكيان الغاصب وتنسيق أمني أدى إلى تشوهات كثيرة أصابت حركة النضال الوطني الفلسطيني ؛ إلا أن دولة الإسرائيلي وقوى النظام العالمي المجرم التي تحميها وتدعمها ؛ حرصت على تطويع كل النظام الرسمي العربي ليعترف ويطبع ويتعامل بدءا من كامب ديفيد اللعين..فهم جميعا يدركون ان مصير العرب يتقرر في فلسطين كما ان مصير فلسطين يتوقف على مشاركة العرب للفلسطينيين عملا وطنيا واحدا يعمل وفق إستراتيجية موحدة للرد على العدوان وتحرير الارض وتوحيدها واستعادة عروبتها..
لهذا إستماتتهم جميعا في تحييد العرب بل وتحصيل إعترافهم النفسي أولا بكيان الاحتلال..وهم يعرفون معنى المصير العربي الواحد ويعملون على أساسه..ويدركون ماذا تعني قضية فلسطين لوجود الامة وهويتها..لذا فهم يستهدفون تحصيل قبول نفسي وثقافي ثم سياسي ثم إقتصادي من قبل العرب بدولة الكيان…لانهم يدركون أن هذا القبول هو ركيزة أساسية لتحقيق ثلاثة امور :
الاول : خنق مقاومة الشعب الفلسطيني وطمس هويته تمهيدا لصهينته والقضاء على حقوقه وقضيته معا..
الثاني :
نسف هوية المجتمعات العربية ثم تفكيكها ونسف إمكانيات توحدها مجددا في المستقبل..
إنطلاقا من هذا ووفقا له.
الثالث : تقطيع روابط الفلسطينيين بالعرب ونسف اية ثقة ممكنة بينهم كمقدمة لنسف إرتباط الفلسطينيين بالعروبة وبالتالي يتحقق لهم القضاء على الجميع معا ..
فالصهاينة يدركون ان العمق الشعبي العربي هو عمق فلسطين وقضيتها وإذا لم يتقبل هذا العمق العربي وجودهم فلن يستطيعوا تذويب الشخصية الفلسطينية والحلول محلها…
وفقا لهذه المعطيات يحق لنا بل ينبغي علينا تفسير الاحداث الأخيرة التي رافقت إنتفاضة القدس وفلسطين والاعمال العسكرية من غزة وما حملت من إيجابيات مهمة وملفتة ..إن مواصلة الإحتلال عدوانه اليومي على شعب الداخل الفلسطيني بعد اتفاق وقف اطلاق النار ، يبين بوضوح استراتيجية دولة الاحتلال في هذه المرحلة وعلى ضوء ما حصل فيها من متغيرات مفاجئة..إن تكريس فصل غزة عن باقي فلسطين كان ولا يزال هدفا له استراتيجيا..
ثم ان تهجير اكبر عدد من الفلسطينيين تحت أية ذريعة هدف آخر إستراتيجي للعدو..
ويبقى الهدف الآخر هو فصل الطاقات الوطنية النضالية لشعب فلسطين عن هويته العربية وربطها بولاءات ليست عروبية ليتحقق له الفصل بين فلسطين والعروبة تمهيدا للهدف النهائي بالقضاء عليهما معا..فكيف اذا كانت ولاءات شعوبية معادية للعروبة والعرب.
في كل مناسبة وبغيرها يؤكد الصهاينة على يهودية دولة الاحتلال..فهم مصممون على طابعها الديني المغلق العنصري العدائي..فضلا عن أن كل مبرراتهم لتغطية تأسيس دولتهم في فلسطين تقوم على إدعاءات دينية صرفة…وهي إدعاءات كاذبة ليس لها من الواقع والحقيقة والتاريخ مساند..
إن إختراع هوية دينية للكيان المحتل ، يستوجب تجسيد هوية دينية مقابلة لشعب فلسطين رغم انهم لا يعترفون بوجوده لكنهم يدفعونه ليتمسك بهوية دينية مقابلة..فحينما يكون الدين هو الهوية، تنتفي الهوية الوطنية وما فوقها من إنتماء قومي..ولسوف يكون لهذا الأمر دور بالغ الأهمية حين الحديث أو البحث في تسوية سياسية للقضية والصراع على اساس حل الدولتين …حيث أن إسباغ هوية دينية على ” دولتنا ” سوف يعني أعترافا وتكريسا لهوية دولتهم الدينية اليهودية..
يضيف هذا وجها آخر لمخاطر تربيط النضال الفلسطيني بوشائج ذات طابع ديني غير عربي ، تثبيتا للهدف الإستراتيجي الأساسي والذي هو فصل فلسطين وقضيتها عن العروبة والعرب..
إن إستثمار الأحداث الأخيرة يقتضي فهم كل دلالاتها فضلا عن إستعاب دروس التجارب النضالية الفلسطينية السابقة جميعها طوال قرن من الزمن..
الدرس الاول والأبرز ان ما تحقق من إيجابيات في الانتفاضة الراهنة هو ان الشعب الفلسطيني هو الذي صنعها وقدم التضحيات من أجلها ..حتى ان التضحيات العظيمة التي دفعها شعب غزة وناسها الابطال ليست تضحيات حزبية او فئوية او حتى دينية..فهي في صميم الصمود الوطني الرائع الذي يترجم التمسك بالأرض والإنتماء اليها وليس لأي شيء آخر..
على ضوء هذا ينبغي ويتوجب على قوى العمل الفلسطيني أن تحقق إلتحامها الحركي النضالي في مؤسساته الوطنية الجامعة..وتكون تعبيرا عن قضيتها الوطنية فتخرجها من طابعها الديني المقيد إلى سماتها الوطنية الأرحب..
ولأن حماس هي الطرف الذي ادار المواجهة العسكرية وقدم التضحيات الأكبر ، فهي المعنية أولا بالمبادرة لتحقيق هذا الإلتحام في أسرع وقت وعليها اكبر المسؤولية في تحقيق هذا الهدف الوطني الذي ينبغي أن يكرس وطنية القضية وولاء الجميع لها ولشعبها بعيدا عن أية ولاءات أخرى دينية او حزبية او مصلحية من اي نوع.(( .أما إذا تفردت حماس ولجأت إلى تسويات إقليمية برعاية دولية أمريكية فإنها تكون قد وجهت طعنة للقضية وللشعب الذي قدم تلك التضحيات وأدخلت القضية في نفق غير معروف النهاية.))..
وعلى ضوء تحقق هذا الهدف الوطني تتحدد أبعاد المرحلة الراهنة عربيا..على المستوى الشعبي تحديدا..
إن البعد العربي النضالي للقضية بقي حاضرا في كل وقت وكل زمن..وله فعاليته المجدية واللازمة فيما لو جرى تثميرها وتنظيمها وفق الثوابت العربية المشتركة للجميع..
إن ترتيب الوضع الداخلي النضالي الفلسطيني على اساس إستراتيجية واضحة للعمل الوطني وآفاقه الممكنة ، ينبثق منها برنامج عمل مرحلي يستثمر في الانتفاضة وفي الطاقات الشعبية كلها ويرسم أهدافا مرحلية تراكمية تصاعدية وفق ما تسمح به الظروف والإمكانيات ؛ ليس فقط مطلبا ملحا على الصعيد الفلسطيني ، لكنه مطلوب أيضا ليكون جسرا لعبور كل مشاركة شعبية عربية الى فلسطين وترسيخا لصمود أبنائها ورد العدوان الصهيوني عليهم…
إن اية مشاركة شعبية عربية لا يمكن ان تمر إلا على قاعدة مؤسسة موحدة تستجمع العمل الوطني الفلسطيني..وحتى تكون مجدية وفاعلة ينبغي ألا تكون حزبية أو فئوية..ولن يتحقق هذا إلا في حال تشكيل قيادة موحدة للعمل الوطني بمؤؤسات وطنية جامعة شاملة كل مجالات العمل..
وبالمقابل فإن بلورة شكل تنظيمي – مؤسساتي للمشاركة الشعبية العربية مع فلسطين وقضيتها ، بات ضرورة ملحة ينبغي تحقيقها في أسرع وقت…لتكون معبرا مجسدا لكل أشكال الدعم والتأييد والمشاركة العربية الشعبية..
وبغير هذا الإطار المحدد المتجاوز للحدود الإقليمية ؛ ستبقى المشاركة الشعبية العربية في إطار التظاهر وبيانات التأييد اللفظي المعنوي ليس إلا..
وعلى الرغم من إنغماس كل طاقات العمل الشعبي العربية في قضاياها المحلية الوطنية الساخنة : إلا أن مساهماتها في تفاعل إيجابي عملي مع شعب فلسطين سوف تكون له مردودات إيجابية في الإتجاهين..أي سيستفيد منها العمل الوطني المحلي كما قضية شعب فلسطين..وابرز ما في ذلك التفاعل النضالي تأكيد هوية فلسطين العربية والسمة العربية للصراع فوق الحواجز الإقليمية…
وفي هذا المجال فقد تبلورت مشاركات شعبية عربية شبابية رائعة في دول المهجر وحيثما تواجدت جاليات عربية..مشاركات جذبت إليها ومعها طاقات شبابية أجنبية كثيرة ذات أفق مستقبلي واعد أعاد إلى الواجهة مشاركات أجنبية شعبية مهمة مؤيدة في سبعيات وثمانينات القرن العشربن يوم كان لفلسطين مؤسسات متنوعة جامعة اعلامية وثقافية وفنية وطلابية..وهذا ما ينبغي أن يعود مجددا بحيوية أكبر وخبرة أعلى..وإلا ستبقى المشاركات معنوية لا بل سيلجأ العدو والقوى الضخمة التي تؤيده وتدعمه إلى التعاطي مع كل هذه المظاهر وتجزئتها وتفكيكها وصرفها عن متابعة إهتمامها وتأييدها لقضيتنا ..وله في هذا خبرات كبيرة وباع طويل..ليس الإغتيال أسلوبها الوحيد…
وما ينطبق على المشاركة الشعبية العربية ؛ ينطبق أيضا على تلك القوى والفعاليات الانسانية الشعبية المتنوعة العامة التي تفاعلت إيجابيا مع قضية فلسطين وحقوق شعبها بدوافع إنسانية وتحررية..إن الإمكانية الوحيدة لإستثمار هذا التعاطف والتأييد ومئات المظاهرات التي قامت في معظم دول العالم ؛ ينطلق من مؤسسات العمل الفلسطينية الموحدة..وإلا فإنه سيبقى تضامنا موسميا لن يتحول إلى مكاسب سياسية أو قانونية أو حقوقية لشعب فلسطين..
إنها لحاجة مشتركة ملحة فلسطينية وعربية متبادلة وفي الإتجاهين..خدمة لقضية فلسطين ولكل قضية وطنية عربية في كل بلد عربي…
التحديات القائمة والعدوان المستمر يستهدف وجود الأمة بشرا وهوية وتاريخا وقيما..وبغير مواجهات عربية جامعة تتعدى العمل الوطني وترفده وتزيده عمقا ووضوحا وفعالية ؛ قد نبقى جميعا في حالة من التدهور المأساوي الذي سيشمل الجميع ولن يستثني أحدا…
اللحظة التاريخية الشعبية قائمة وعلى كل المخلصين الأحرار التقدم لإلتقاطها وتحويلها الى حركة إيجابية فاعلة.