منذ وصول حافظ الأسد إلى الحكم في سورية، جرت العادة أن يجبر النظام العسكريين على انتخاب حافظ الأسد أو نجله بشار في ما بعد، في كل استفتاء أو انتخابات تُجرى، وبحكم أن رئيس النظام هو القائد العام للجيش والقوات المسلحة، فإن الضباط الكبار في الجيش، الذين وضعهم النظام على رأس الوحدات على أساس الولاء والانتماء الطائفي، يفرضون خيار انتخاب الرئيس على عناصر الجيش من مجندين وضباط وصف ضباط، بما يجعل من مشاركة العسكريين في الانتخابات السورية، لا سيما انتخابات رئاسة الجمهورية، تعد أول طعن دستوري وقانوني في نتائجها. ومع كل انتخابات رئاسية، تُنظّم وحدات الجيش مراسم الانتخاب ونشر الصناديق في الوحدات، ويكون ذلك ضمن أجواء احتفالية تدعم الأسد بانتخابه رئيساً للجمهورية، ويحظى ذلك باهتمام ونقل وسائل الإعلام لتلك الأجواء، من دون الاكتراث للمخالفة الدستورية والقانونية لهذه العملية.
في الانتخابات الرئاسية الحالية، التي تجري ضمن وضع استثنائي تعيشه البلاد، تُشكّل مشاركة العسكريين المتوقعة في الانتخابات، خرقاً دستورياً مكرراً ومنسوخاً عن الانتخابات والاستفتاءات السابقة، إذ يعد أحد المرشحين الثلاثة لرئاسة الجمهورية، بشار الأسد، ضابطاً في الجيش وقائداً له بحكم دستور 2012 الذي تشير المادة 105 منه إلى أن رئيس الجمهورية هو القائد العام للجيش والقوات المسلحة، فيما تقضي المادة 106 من الدستور أن “رئيس الجمهورية هو الذي يعيّن المدنيين والعسكريين وينهي خدماتهم وفقاً للقانون”. هذا الأمر يعني أن رئيس الجمهورية الحالي والقائد العام للجيش وهو المتحكّم بأمر العسكريين ويمارس نفوذه وسلطته عليهم، هو ذاته المرشح في الانتخابات الحالية. وبذلك تعد مشاركة العسكريين في الانتخابات مخالفة للمادة الأولى من الدستور، التي تشير إلى أن سورية “دولة ديمقراطية ذات سيادة تامة”، بانتفاء صفة الديمقراطية من خلال عملية اختيار الرئيس وفق التعليمات.
ودائماً ما كان النظام، طيلة سنوات عمره الخمسين، يضغط على المشرّع الدستوري عند صياغة الدساتير وتعديلها، ليصار إلى وضع تفاصيل تناسب استمراريته في الحكم وإحكام القبضة على البلاد، من خلال مجلس الشعب الضامن لولائه بحكم الأغلبية البعثية وسطوة أجهزة المخابرات عليه، سواء في مرحلة انتخاب أعضائه أو ما بعد ذلك.
وتعرّض قانون الانتخابات في سورية إلى الكثير من التعديلات، لا سيما التعديل الصادر في المرسوم التشريعي 125 للعام 2011 الذي ألغى مواد القانون رقم 17 للعام 1949، وعلى الرغم من ذلك بقيت المادة المتعلقة بانتخاب العسكريين أكبر دليل على مخالفة النظام للقانون الدستور، إذ تشير المادة الخامسة من قانون 2011 إلى أنه “يوقف حق الانتخاب عن عسكريي الجيش ورجال الشرطة طيلة وجودهم في الخدمة عدا من قُبِل ترشيحه”. وعلى الرغم من ذلك، كان العسكريون يصوّتون بالمجمل، بل ويُجبَرون على ذلك. وفي التعديل الأخير لقانون الانتخابات الذي صدر قبل الانتخابات الرئاسية الماضية بشهرين، وتحديداً في 24 مارس/آذار 2014، عُدّلت هذه المادة لتصبح المادة السادسة من القانون والتي باتت تقضي بأنه “يوقف حق الانتخاب والترشح لعضوية مجلس الشعب أو عضوية مجالس الإدارة المحلية عن عسكريي الجيش وقوى الأمن الداخلي طيلة وجودهم في الخدمة”. وبذلك حصر المشرع العادي إسقاط حق الانتخاب عن العسكريين وعناصر الشرطة بانتخابات مجلس الشعب (البرلمان) وانتخابات المجالس المحلية (البلديات) وترك مسألة المشاركة في الانتخابات الرئاسية من دون ذكر، ما يعني قانوناً، إمكانية السماح لهم في انتخابات الرئاسة كون القانون لم يذكر نصاً وصراحة منعهم. وعلى الرغم من ذلك تبقى المشاركة مخالفة دستورية، نظراً لانتفاء صفة الديمقراطية من خلال استغلال أحد المرشحين (بشار الأسد) لمنصبه قائداً للجيش، ونفوذه بتعيين وترفيع وترقيه الضباط والتحكم بنطاق عملهم، وهذا ينسحب على العناصر والمجندين الذين يأتمرون بأمرة ضباط الجيش.
وعلى الرغم من أن قانون الانتخابات للعام 2014 نصّ على عدم مشاركة العسكريين في الانتخابات التشريعية والمحلية، خالف الجيش هذه المادة من خلال المشاركة في انتخابات مجلس الشعب في يوليو/تموز من العام الماضي، وذلك باعتراف النظام نفسه على الحسابات الرسمية للجيش وحتى وكالة النظام الرسمية للأنباء “سانا”. هذه المخالفة تعد امتداداً لمخالفات سابقة، جرت في كل الانتخابات والاستفتاءات سواء المتعلقة بالانتخابات التشريعية أو المحلية وحتى رئاسة الجمهورية، قبل تعديل القانون وحصره عام 2014 بعدم أحقية العسكريين المشاركة في الانتخابات المحلية والتشريعية، إذ كانت التعديلات السابقة تحظر مشاركة العسكريين في الانتخابات العامة، وعلى الرغم من ذلك تكون المشاركة واسعة من قبل عناصر الجيش، وبالإجبار والإكراه.
“رابطة المحامين السوريين الأحرار”، وهي إحدى الجهات الحقوقية والقانونية التي أفرزها الحراك ضد النظام الحالي، أشارت في رد على أسئلة لـ”العربي الجديد” حول شرعية مشاركة العسكريين في الانتخابات الحالية، إلى أن “ما جاء به التعديل الأخير لقانون الانتخابات للعام 2014 وحصر حق التصويت بالنسبة للعسكريين بالانتخابات التشريعية والمحلية وعدم التطرق للانتخابات الرئاسية، يعطي الحق للعسكريين في الانتخاب قانوناً، كونه لم يأتِ على منعهم صراحة”. لكن الرابطة لفتت إلى أن “ذلك مخالف للدستور السوري وحتى القانون الدستوري والأعراف الدستورية في العالم، نظراً لمخالفة مبدأ الديمقراطية وحرية التعبير والانتخاب وحق اختيار الشعب لممثليه بنزاهة وحرية”.
ورأت الرابطة أن “هذا الأمر يعد ضمن تراكمات من قفز النظام على الدستور والقوانين وإهمالها، أمام مصالحه في إحكام قبضته على الحكم في المقام الأول، والعسكريون ضمن هذا النظام، وفي مقدمتهم رئيساه حافظ وبشار الأسد، لديهم سوابق كثيرة في التطاول على الدستور والقوانين، بل وعدم الاكتراث بها مطلقاً، لا في الاستحقاقات الدستورية ولا غيرها”.
ونبّهت الرابطة إلى أن “اندلاع الثورة والضغط الدولي، دفع النظام في العام 2011 لتعديل قانون الانتخاب الذي قضى بعدم أحقية انتخاب العسكريين في كل أنواع الانتخابات، لكن في عام 2014 وعندما رأى أن هناك حاجة لكسب أصوات العسكريين لتحقيق الأغلبية في انتخابات رئاسة الجمهورية، عدّل هذه المادة ليحصر المنع بالانتخابات التشريعية والمحلية، مع أن المبدأ واحد ولا فرق بالنسبة لحق الانتخاب والتصويت بين انتخابات وأخرى، سواء كانت تشريعية أو محلية أو رئاسية”، مشيرة إلى أن “المرشح هو ذاته القائد العام للجيش والقوات المسلحة، ويستطيع إعطاء أمر ضمني وتوجيهي لقادة الوحدات بانتخابه، وهذا ما يحدث فعلاً”.
المصدر: العربي الجديد