“كورونا” يدخل البازار السياسي… دمشق ترفع السعر وبيدرسون يدعو إلى وقف النار
دعا مبعوث الأمم المتحدة إلى سورية غير بيدرسون قبل يومين إلى “وقف شامل للنار على المستوى الوطني، إفساحاً في المجال لتركيز الجهود على مكافحة “كورونا”، وجاءت دعوته غداة مطالبة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بوقف إطلاق النار فوراً في جميع أنحاء العالم، من أجل التفرغ لمحاربة عدو مشترك هو فيروس “كوفيد – 19”.
كما أن دعوة بيدرسون تأتي بعد يومين من إعلان دمشق المتأخر عن أول إصابة، بدا كأنّ المبعوث الدولي إلى بلاد الشام اغتنم فرصة محاربة الوباء ونداء غوتيريش، ليثبت وجوده بعد انكفاء طويل عن الساحة، تاركاً لروسيا وتركيا الصدارة في معالجة الشأن السوري انطلاقاً من التصعيد الذي شهدته منطقة إدلب منذ بداية العام.
وبات “كورونا”، على المصيبة التي جلبها لبعض الشعوب المغلوبة من حكامها أو من الحروب التي تعصف بها قتلاً وتشريداً ودماراً كما هي الحال في سوريا، غطاء لسياسات ومناورات، لم تشذّ عنها الأمم المتحدة بعدما عجزت ومبعوثوها والدول الأعضاء، عن إيجاد حلول لحربها العبثية التي تحوّلت تقاسماً للنفوذ بين القوى الدولية والإقليمية.
فاحتمال تفشّي الوباء في سوريا، بعد تسع سنوات من الحرب التي استنزفت القطاعات وفي الطليعة نظامها الصحي، وارد على نطاق واسع سواء في المناطق المقهورة التي يسيطر عليها النظام أو تلك الخارجة عن سيطرته، سواء في إدلب شمال غربي البلاد، أو شمال شرقها حيث تسيطر “قوات سوريا الديموقراطية” (قسد) وعمادها التشكيلات الكردية، فضلاً عن القوات التركية والمقاتلين السوريين المعارضين للنظام المنضوين تحت رعاية أنقرة في إطار “جيش التحرر الوطني”.
اقتراح بيدرسون رفعاً للعتب؟
واقترح بيدرسون “وقفاً كاملاً وفورياً للنار على المستوى الوطني في سوريا لتمكين القيام بجهد شامل للقضاء على كورونا”، واعتبر أن السوريين هم الأكثر ضعفاً في مواجهة الفيروس، بينما “المنشآت الطبية دُمّرت أو تدهورت. وهناك نقص في المواد الطبية الأساسية والكوادر الطبية”، ولم يُشِر إلى نوع الاتصالات التي سيجريها مع موسكو وأنقرة ودمشق وطهران للتوصل إلى وقف النار هذا، الذي يحتاج إلى توافق بين قوى عدّة تتجاوز أيضاً هذه العواصم إلى لاعبين آخرين وراء الستار على الساحة السورية، كأنّه يقول كلامه رفعاً للعتب، أو يراهن على أن يُرغم “كورونا” القوى المتحاربة أن تلتفت مجبرة إلى محاربة الوباء مخافة انتشاره بين مقاتليها، مثلما أجبر جيوشاً على وقف القتال في بعض المناطق الأخرى الملتهبة في المنطقة، أو أنه يتطلّع إلى نجاح الاتفاق الروسي التركي الذي جرى التوصل إليه في الخامس من شهر مارس (آذار) الحالي عقب صدام الدولتين المنغمستين في الحرب السورية واكتشافهما وجوب منع تطوره إلى حرب بينهما.
واكتفى بيدرسون بالتشديد على أن الفيروس “لا يفرّق بين من يعيشون في مناطق تحت سيطرة الحكومة أو في مناطق أخرى”، ومن أجل “مواجهة هذا الخطر، يحتاج الشعب السوري الذي عانى طويلاً بشكل عاجل إلى فترة هدوء متواصلة في أنحاء البلد كافة، يلتزم بها كل الأطراف”.
معارك إدلب وتدفق المقاتلين الإيرانيين
في كل الأحوال، شكّل سلوك النظام السوري حيال “كورونا” دليلاً على طريقة التعاطي السياسي السلبي مع الوباء. فدمشق ظلت تكابر وتنفي بدء الفيروس بالتفشي منذ أواخر شهر فبراير (شباط) الماضي، لأنها كانت تراهن على إجراء انتخابات مجلس الشعب التي كانت مقررة في 13 أبريل (نيسان) المقبل، وظلت تكذب على شعبها، إذ كان بعض المصابين يموتون في المستشفيات فتدّعي بأنّ السبب التهاب رئوي حاد أو إنفلونزا قوية، إلى أن اضطُّرت للإعلان عن تأجيلها في 14 الحالي حتى 20 مايو (أيار) المقبل. فالنظام كان يراهن على إجرائها لأنه، مثل الانتخابات السابقة عام 2016، يريدها مناسبة لتكريس شرعيته. وعلى الرغم من أنّ دمشق أوقفت الرحلات الجوية بينها وبين كل من العراق والأردن في الثامن من مارس لمكافحة تفشي “كورونا”، فإنها لم تغلق المدارس والجامعات والوزارات والإدارات إلاّ في 13 الحالي، ثم أتبعت ذلك بإقفال الحدود البرية بما فيها مع لبنان في 22 مارس الحالي، بعد أكثر من أسبوعين على إقفالها من الجانب اللبناني، ما تسبّب بانتقادات لها كونها تسدّ الأبواب حتى أمام عودة نازحين سوريين إلى بلدهم إذا أرادوا ذلك. واعتبر خصوم النظام السوري في لبنان أنّ هذا دليل آخر بالنسبة إليهم على غياب أي نية لديه لإعادة النازحين، وأنه يراهن على بقائهم خارج بلدهم. وترافق ذلك مع إعلان حظر التجول من السادسة مساء حتى السادسة صباحاً، بينما انتشر الجيش على الطرقات، مع توقعات بأن تتصاعد التدابير الوقائية تدريجاً.
ويقول عارفون بأسباب تأخير النظام السوري إجراءاته حيال “كورونا”، إنه كان يحتاج إلى إبقاء المنافذ الجوية والبرية مفتوحة أثناء المعارك الدائرة في منطقة إدلب، حيث كان المقاتلون الإيرانيون يفدون إلى البلد لمساندة قوات النظام في خوضها ضد التنظيمات المتطرفة في محيط إدلب ثم ضد القوات التركية والتشكيلات العسكرية السورية المعارضة الموالية لأنقرة. ولذلك انتظرت الحكومة تثبيت وقف النار بعد اتفاق الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان كي تبدأ إجراءاتها حيال انتشار الوباء.
الوباء وقصور إمكانات النظام السوري
لكن الاعتراف ببدء انتشار الوباء بإعلان وزير الصحة، الأحد الماضي، اكتشاف “أول” إصابة به، يصاحبه ضعف إمكانيات القطاع الصحي السوري سواء الواقع تحت سيطرة النظام أو في مناطق خارجة عن سيطرته. فالانهيار الاقتصادي الناجم عن العقوبات على النظام وعن الأزمة الاقتصادية المالية الحادة في لبنان الذي كان بمثابة الرئة التي يتنفس منها كمركز لعملياته المالية واستخدام بعض الودائع في المصارف اللبنانية، أو لتبييض الأموال والحصول على العملة الصعبة، ولاستيراد البضائع وتهريبها، أخذ يزداد باضطراد.
ويقول سوريون في بيروت يتتّبعون أخبار أقاربهم في دمشق إنّ سعر صرف العملة أحدث قفزة جديدة في الخسائر، الأسبوع الماضي، فبلغ انخفاض قيمة العملة الوطنية نسبة تفوق 12 في المئة مرة جديدة، وأصبح سعر الدولار الأميركي 1250 ليرة سورية. هذا فضلاً عن أنّ قسماً كبيراً من البلد مدمر، ومن ضمنه مستشفيات ومستوصفات، ناهيك عن أنّ خطوط النقل معطوبة بحكم الشح في المحروقات، ما يؤدي إلى اكتظاظ في محطات الباصات، وتشهد الأفران صفوفاً أمامها للحصول على الخبز وكذلك بالنسبة إلى قوارير الغاز، ويشكّل كل ذلك الازدحام بيئة مؤاتية لانتشار الفيروس بين المواطنين. وقد زاد إقفال الحدود البرية بين سوريا وكل من العراق والأردن ولبنان الصعوبات الاقتصادية، مع أنّ هذه المعابر كانت أيضاً قليلة التصدير والاستيراد بفعل العقوبات.
مساعدات صحية مقابل أوستن تايس
وكان من الطبيعي ألاّ يشذّ تعاطي النظام السوري مع الوباء عن قاعدة تسييس “كورونا”، مثلما أن دولة كبرى كالولايات المتحدة الأميركية هي الأخرى تتّبع هذه القاعدة أيضاً. فالمعطيات التي توفرت عمّا أعلنه الرئيس دونالد ترمب ووزير خارجيته مايك بومبيو، الأسبوع الماضي، لمناسبة الإفراج عن العميل الإسرائيلي الأميركي الجنسية من أصل لبناني عامر الفاخوري في لبنان، عن أنّ مفاوضات تجرى مع دمشق كي تساعد في الإفراج عن الصحافي الأميركي أوستن تايس الذي اختفى في سوريا عام 2012، وتفيد بأنّ واشنطن عرضت على دمشق مقابل نجاح خدماتها في هذا المجال، أن تقدم لها مساعدات عاجلة في القطاع الصحي بحجة مواجهة تفشي “كورونا”.
واشنطن… والنظام السوري
وعلمت “اندبندنت عربية” من مصدر رفض الكشف عن اسمه أن الجانب الأميركي سبق أن طلب من النظام السوري، عبر وسيط أوروبي، أن يلعب دوراً في الإفراج عن تايس، من دون أن يتّهمه بأنه وراء احتجازه. وكان لافتاً قول ترمب بلغة “يا سوريا، من فضلكم، تعاونوا معنا، فكّروا في كل الأشياء الخيرة التي فعلناها من أجل سوريا. تخلّصنا من خلافة داعش. إنّنا فعلنا كثيراً من أجلها. سنكون شاكرين جداً في حال إخلائهم سبيل أوستن في وقت سريع”، كما أن ترمب قال إنه لا يعلم إذا كان تايس ما زال على قيد الحياة.
وأوحى الجانب الأميركي بأن سوريا تجري اتصالات في هذا الشأن مع إيران، الأمر الذي اعتبره بعض المراقبين نوعاً من التبرئة للنظام السوري لتشجيعه على لعب دور في إخلاء سبيل تايس، تاركاً المجال للتكهن من قبل الرأي العام أن الصحافي الأميركي قد يكون اختُطف من قبل مقاتلين موالين لطهران، أو أن يكون اختُطف من قبل مجموعة إرهابية. إلاّ أنّ بعض محيط الحكم في سوريا رأى في ذلك محاولة أميركية لإيقاع الخلاف بينه وبين إيران.
رفع الثمن
لكن، على الرغم من المعلومات عن إغراء واشنطن لدمشق باستعدادها لتقديم مساعدات صحية سخية لمواجهة “كورونا”، فإنّ معلومات أخرى أفادت بأنّ الجانب السوري رفع في الاتصالات الجارية سقف مطالبه، إذ طلب إزالة العقوبات الأميركية المفروضة على البلاد، لكنّ الجانب الأميركي تمسّك بعرضه تقديم المساعدات وتسهيل استيراد المواد والمستلزمات الطبية.
وهناك من يقول إنّ بعض دوائر النظام يدعو إلى تأخير بت القضية إلى حين اقتراب الانتخابات الرئاسية الأميركية لعلّ ترمب يكون مستعداً أكثر من أجل دفع ثمن أعلى، كما تردّد أن الجانب الإيراني ينصح بالتمهل في إبرام صفقة من هذا النوع.
المصدر: اندبندنت عربية