تخضع دورة الانتخابات الرئاسية للجمهورية الإسلامية للإشراف الشديد من قبل “مجلس صيانة الدستور”، وهو هيئة قوية تابعة للنظام ومؤلفة من اثني عشر عضواً، تقوم بتدقيق المرشحين وفقاً لمؤهلات صارمة. وبالنسبة لانتخابات هذا العام، المقرر إجراؤها في 18 حزيران/يونيو، كانت معايير المجلس أكثر صرامة من المعتاد، ربما من أجل منع سياسيين معيّنين من التسجيل – على سبيل المثال، كان يُنظر إلى رفع الحد الأدنى لسن المرشحين إلى الأربعين على أنه وسيلة لمنع وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات محمد جواد آذري جهرمي من المشاركة.
وربما نتيجة لهذه القيود، لم يتقدّم سوى 529 إيرانياً بطلبات للترشح في وزارة الداخلية خلال فترة التسجيل التي دامت خمسة أيام وانتهت للتو، مقارنةً بـ 1636 في عام 2017، و686 في عام 2013، و476 في عام 2009، و1014 في عام 2005. وبعد ذلك بوقت قصير، أعلن “مجلس صيانة الدستور” أن كافة هؤلاء الأفراد باستثناء 40 أو نحو ذلك قد تم استبعادهم على الفور لأنهم لم يستوفوا الحد الأدنى من المعايير الموثقة. وسيتم تقليص المزيد من الأسماء في 28 أيار/مايو، عندما يُصدِر المجلس لائحته النهائية للمرشحين المعتمدين.
ومع استقرار الأمور في أسبوع التسجيل، يمكن إبداء بعض الملاحظات حول الانتخابات وما يتخطاها:
يبدو أن آية الله إبراهيم رئيسي هو منذ وقت مبكر المرشح الأوفر حظاً. منذ آذار/مارس، كان المرشد الأعلى علي خامنئي يُلمّح على ما يبدو إلى رئيس السلطة القضائية بأنه من الضروري أن يترشح للانتخابات، سواء من خلال وصف السمات الرئاسية المثالية التي تتطابق مع السيرة الذاتية المعروفة لرئيسي، أو من خلال جعل صحيفة “كيهان” المتشددة تؤيده ضمناً في الشهر الماضي. وإذا كان خامنئي يقود فعلاً حملة علنية لصالح مرشح معيّن، فلن تكون هذه هي المرة الأولى. ففي عام 2005، ألمح إلى أن محمود أحمدي نجاد هو مرشحه المفضّل من خلال الإشارة إلى السمات المميزة لهذا السياسي في خطبه. وقد يكون دعم خامنئي الضمني لرئيسي قد أثّر أيضاً على مرشحين محافظين بارزين مثل رئيس “المجلس” (البرلمان) محمد باقر قاليباف، فدفعهم إلى الامتناع عن الترشح والإشارة إلى نيتهم الالتفاف حول الخيار الواضح للمرشد الأعلى.
ربما يقود رئيسي حملة ليصبح أيضاً المرشد الأعلى. يعتقد بعض المراقبين لشؤون إيران أن النظام كان يهيّئ رئيسي لخلافة خامنئي منذ بضع سنوات، وذلك من خلال إتخاذ بعض الإجراءات مثل رَفعه إلى رتبة آية الله وجَعل وسائل الإعلام الحكومية تربط صورته مراراً وتكراراً بصورة خامنئي. وعلى الرغم من أن الفوز بالانتخابات الرئاسية لا يشكّل شرطاً مسبقاً للوصول إلى منصب المرشد الأعلى، إلا أنه يمكن أن يحسّن موقع رئيسي في هذا الصدد. وعلى كل حال، لم تشهد الجمهورية الإسلامية في تاريخها سوى عملية انتقالية واحدة كهذه، وكان الخلَف المختار هو خامنئي الذي كان رئيساً آنذاك.
إلا أن الترشح لانتخابات هذا العام قد يكون سيفاً ذا حدين بالنسبة إلى رئيسي. فصحيحٌ أنّ الفوز سيمنحه عدداً كبيراً من الأصوات التي تعبّر عن ثقة الناس، والتي يمكنه أن يستغلّها في أي نضال مستقبلي من أجل الحصول على لقب المرشد الأعلى وتأمينه. ومع ذلك، قد تكون الخسارة بمثابة ضربة قاضية لهذه التطلعات، لا سيما بالنظر إلى هزيمته السابقة أمام حسن روحاني في انتخابات عام 2017.
ولتجنب نتيجة سلبية، سيحاول رئيسي على الأرجح توحيد المعسكر المحافظ خلفه أكثر فأكثر، مع التركيز على برنامجه المعروف لمكافحة الفساد واستخدام مرشحين متشددين آخرين في الوقت نفسه لمساعدته وحمايته خلال المناظرات الرئاسية. وقد يتم تكليف هذا الدور إلى الأمين السابق لـ “المجلس الأعلى للأمن القومي” سعيد جليلي، أو ربما حتى إلى المسؤول في «الحرس الثوري» الإيراني سعيد محمد.
وفيما يتعلق بالبرنامج النووي والعلاقات مع الولايات المتحدة، لم يتحدث رئيسي كثيراً عن هاتين المسألتين منذ حملته الانتخابية عام 2017، مفضّلاً التركيز على الأمور المتعلقة بالسلطة القضائية. وسيكون نهجه على الأرجح محافظاً على طريقة خامنئي، لكن لا يزال من السابق لأوانه تقييم مواقفه بدقة على أي من الجبهتين.
قد يبرز علي لاريجاني كمنافس أساسي لرئيسي من خلال استمالة قاعدة روحاني. يفتقر الرئيس السابق لـ #المجلس” (البرلمان) إلى الجاذبية بالنسبة إلى عامة الناس ولا يتمتع بقاعدة ناخبين قوية خاصة به – في الواقع، يؤكد بعض المراقبين لشؤون إيران أن عائلته بأكملها عانت من نكسات كبيرة في السنوات الأخيرة وفقدت الكثير من نفوذها، على الرغم من روابطها القوية مع رجال الدين في قم. ومع ذلك، لا يزال بإمكان لاريجاني أن يجعل نفسه كمرشح تسوية من خلال جذب البراغماتيين الذين لا يريدون رؤية رئيسي في منصب الرئاسة.
إن مسيرة لاريجاني السياسية مثيرة للاهتمام وقد تساهم في مساعدة حملته الانتخابية أكثر من الإضرار بها. فقد بدأ كمحافظٍ انتقد المفاوضات النووية في الفترة 2004-2005، ثم تحوّل إلى براغماتي بعد عقدٍ من الزمن، فدعم مواقف روحاني بشأن «خطة العمل الشاملة المشتركة» لعام 2015. وأثارت هذه التقلبات حملاتٍ أطلقها المتشددون على وسائل التواصل الاجتماعي بواسطة شعاراتٍ مثل “لاريجاني هو روحاني” و”حكومة روحاني الثالثة”، مع تصوير شخصية ذات وجهين تُدعى “روحانيجاني” من أجل ربط المرشح بسياسات الإدارة الحالية بطريقة سلبية. ومع ذلك، يمكن أن تأتي هذه الدعاية بنتائج عكسية إذا اقتنع أعضاء من معسكر روحاني بأن لاريجاني سيواصل بالفعل نهج الرئيس. (لا يمكن لروحاني نفسه الترشح للانتخابات بسبب حدود الولاية الرئاسية في إيران).
يحاول الإصلاحيون التعامل مع احتمال تصدّي النظام لهم. قررت الجبهة الإصلاحية تقديم عدة مرشحين خلال فترة التسجيل، علماً بأن “مجلس صيانة الدستور” سيستبعد الكثيرين منهم، وهي تأمل أن يُسمح لعدد قليلٍ منهم على الأقل بالترشح. ومن المحتمل أن ينتظر الإصلاحيون انتهاء عملية التدقيق قبل اختيار توجههم الأساسي. أما أبرز من سجّلوه فهو النائب الأول للرئيس الإيراني إسحاق جهانغيري، الذي لا يتبع الإصلاحية بحد ذاتها، لكنّ الحركة اقترحته كمرشح رئيسي.
ويواجه النظام الآن معضلة حول كيفية التعامل مع المرشحين الإصلاحيين، لأن استبعادهم على نطاق واسع أو التعاطي معهم بقسوة قد يثير عداء بعض الناخبين، مما يؤدي إلى انخفاض نسبة المقترعين – وهو أمرٌ تأمل القيادة تجنبه لأنه قد يؤدي إلى مزيد من تآكل شرعية النظام. إلا أن المحافظين سبق أن حققوا انتصاراً في وجه الإصلاحيين: فلم يسجل وزير خارجية روحاني محمد جواد ظريف نفسه لخوض الانتخابات، ربما بسبب تداعيات فضيحة “شريط ظريف”.
يبدو أن أحمدي نجاد ومرشحين آخرين تابعين لـ «الحرس الثوري» الإيراني لا يطرحون تحدياً كبيراً. من المحتمل أن يستبعد “مجلس صيانة الدستور” أحمدي نجاد عن لائحة المرشحين هذا العام، على غرار ما حصل في عام 2017. ويبدو أن مسؤولين آخرين يتمتعون بعلاقاتٍ مع «الحرس الثوري» الإيراني – مثل سعيد محمد المذكور أعلاه، ووزير الدفاع السابق حسين دهقان، ورئيس جهاز “الباسيج” السابق علي رضا أفشار، ورئيس «الحرس الثوري» السابق محسن رضائي – غير مثيرين للاهتمام، وقد يفضّل «الحرس الثوري» رئيسي على جميعهم. وسبق أن أشار القائد الحالي لـ «الحرس الثوري» حسين سلامي إلى أن «الحرس» لن يدعم علناً أي مرشح، وفقاً للسياسة الرسمية.
الطريق إلى المستقبل
في الانتخابات السابقة، كانت الحملات الانتخابية مهمة: فقد فاز روحاني في عام 2013 بعد أن قال للناخبين إن إيران بحاجة إلى تحريك اقتصادها، وليس فقط أجهزة الطرد المركزي لليورانيوم الخاصة بها؛ وفاز أحمدي نجاد في عام 2005 من خلال التشديد على مواضيع “المقاومة” الشعبية؛ وانتصر محمد خاتمي في عام 1997 عبر حملة كثرت فيها جولات الحافلات والخطابات أمام حشود من الطلاب في جميع أنحاء البلاد. ولم يُعتبر أيٌ من هؤلاء المرشحين مفضلاً في البداية – وفي الواقع، يعجّ التاريخ بأمثلة عن مرشحين كانوا في البداية الأوفر حظاً ثم خسروا الانتخابات الإيرانية، ولم يُحسن أحدٌ سواء في الداخل أو في الخارج توقُع الفائزين. ومن ثم، لا ينبغي على المرء أن يتسرع في تتويج رئيسي كرئيس قادم.
ولا تبدأ الحملة الانتخابية رسمياً إلا بعد 28 أيار/مايو، لكن المرشحين بدأوا ينتقدون بعضهم البعض حالما غادروا منصة التسجيل في نهاية الأسبوع المنصرم. وعلى الرغم من أن الرئيس المقبل سيظلّ في المرتبة الثانية بعد المرشد الأعلى، إلّا أنه لا يزال بإمكان المرء أن يتوقع حدوث صدامات حامية بين المرشحين النهائيين ومؤيديهم، لأن الجهة الفائزة يمكن أن تؤثّر على أسلوب السياسة الخارجية لطهران (إن لم يكن بالضرورة في جوهرها) على مدى السنوات القليلة القادمة.
المصدر: معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى