لا خيام انتخابية للأسد في حلب

منصور حسين

يدرك النظام السوري أن غالبية القاطنين في مناطق سيطرته غير مبالين بالانتخابات الرئاسية التي قرر إجراءها في 26 أيار/مايو 2021، نتيجة الوضع الاقتصادي الصعب الذين يعانونه، وانشغالهم الكامل بالسعي لتأمين قوت يومهم.

الأسباب هذه تفسر غياب المظاهر الاحتفالية التي كان يتكفل بها بعض التجار أو شيوخ العشائر من أجل إظهار الولاء للنظام في مثل هذه المناسبات، مثل الخيم الشعبية التي تنصب عادة في الساحات الرئيسية وتقدم فيها المشروبات والضيافة.

ونتيجة الارتفاع الكبير في الأسعار والأزمة الاقتصادية التي بات يعاني منها حتى التجار ووجهاء العشائر والعوائل الكبيرة، فقد توجه النظام للاعتماد على أفرع حزب البعث والأحزاب الأخرى في المحافظات بهدف إظهار أجواء الانتخابات حتى قبل موعد انطلاق الحملات الانتخابية بشكل رسمي.

تحركات للحزب الحاكم

منذ إعلان ترشح بشار الأسد تشهد محافظة حلب تحركات مكثفة للأفرع والمكاتب التابعة لحزب البعث الحاكم، من خلال عقد اجتماعات دورية مع وجهاء العشائر ومسؤولي المؤسسات الخدمية وتجار المدينة، بهدف الحشد للانتخابات.

واستدعى أمين فرع البعث في المحافظة مسؤولي غرفة تجارة المدينة، وعدد من الاقتصاديين ورجال الأعمال إلى مقر الحزب، للبحث في سبل إنجاح الدورة الانتخابية المقبلة، والتغلب على الصعوبات التي تفرضها المشكلات الحالية التي يعيشها الاقتصاد السوري.

وحسب مصادر إعلامية فقد طالب نجار الصناعيين والتجار بنبذ الخلافات الشخصية في ما بينهم والتعاون من أجل تحمل تكاليف الحملة الانتخابية للأسد، الذي يدخل في منافسة شكلية مع مرشحين اثنين آخرين.

كما بدأ أعضاء الشعب الحزبية والمكاتب الادارية بإجراء جولات على المراكز التربوية والمجالس المحلية ومديريات الخدمات العامة في الريف للاتفاق على الآلية التي سيتم من خلالها توزيع الموظفين على مراكز الاقتراع.

ويتحدث عبد الكريم، وهو موجه تربوي في إحدى مدارس مدينة حلب، عن وجود تعليمات ملزمة بنقل جميع المدرسين للاقتراع بشكل جماعي، على أن تقوم مديرية التربية بتأمين سيارات النقل، بهدف إظهار الكثافة العددية، وذلك بعد الحديث عن تواجد لجان مراقبة أجنبية للاشراف على سير العملية الانتخابية في المدينة.

ويقول ل”المدن”، إنه “بحسب التوجيهات الجديدة فقد بات الجميع مجبراً على التوجه لمراكز الاقتراع والمشاركة الانتخابات، بعد أن كانت العملية تتم سابقاً عن طريق رفع أسماء المدرسين أو تبصيمهم ضمن مدارسهم دون الحاجة لهذا السيناريو”.

تجهيز وسائل النقل

وبالتزامن مع تفاقم مشكلة السكان مع قطاع المواصلات والنقل الداخلي، نتيجة تقليص مخصصات الوقود للسيارات العامة والخاصة، فقد كان لافتاً قيام فرع البعث بتسيير حافلات تحمل صور بشار الأسد وشعارات مؤيدة له تجوب أحياء المدينة.

ويوضح أحد سائقي باصات خط الدائري الجنوبي في مدينة حلب أن تعليق أعلام ولافتات تحمل اسم وصور بشار الأسد تعتبر ظاهرة قديمة في المدينة، إلا أن الجديد هو الزام مالكي الحافلات بوضع صور وملصقات على عرباتهم تظهر الأسد بالزي العسكري، أو لافتات تحمل شعارات مثل (معك إلى الأبد، والأسد خيارنا) وغيرها من العبارات.

ويقول ل”المدن”: “منذ شهر نيسان الماضي، تم تخصيص باصات  لصالح أعمال الحزب الوطنية، على أن تكون حاضرة ومجهزة في الوقت الذي يتم طلبها، بهدف دعم الحملة الانتخابية، ونقل الموظفين و الرفاق للساحات العامة في المدينة أو الحفلات التي تقام في الضواحي”.

وفي السياق يرى مسؤول الدائرة السياسية في اتحاد ثوار حلب هشام سكيف أنه على الرغم من تقلص نفوذ حزب البعث في مدينة حلب خلال العقد الماضي، وخسارته الثقل السياسي والتأثير على مؤسسات الدولة لصالح روسيا وايران، إلا أنه لا يزال الحزب الحاكم، ما يعني اضطرار الجميع إلى إظهار الولاء له.

ويقول ل”المدن”: “تحول الحزب إلى ملعب من ملاعب النفوذ الإيراني-الروسي، وقد بدا ذلك جلياً خلال الانتخابات الحزبية الداخلية الأخيرة في حلب العام الماضي، واضطرار رأس النظام إلى تغيير القوائم الفائزة وإقرار قائمة مناصفة بين رجال إيران وروسيا”.

ويضيف أنه “نتيجة الحالة التي وصل إليها حزب البعث، بات النظام يعتمد عليه كواجهة سياسية خلال الانتخابات، واستهلاك الأكثرية النيابية التي يتمتع بها في مجلس الشعب لا أكثر، حيث يرى فيه تركة ثقيلة أتت عليها الحرب، ولم تعد قدرته تتجاوز التحضير للانتخابات أو تجهيز المسيرات الموالية”.

دور الأحزاب في مناطق الثورة

ولا تقتصر حملات الدعم على الحزب الحاكم الذي يتركز نشاطه على المؤسسات الحكومية والشخصيات البارزة، إذ بدأت الأحزاب المرخصة في حلب بإطلاق حملات ومبادرات تستهدف سكان المناطق الجنوبية والشرقية التي كانت خارج سيطرة النظام، والتي تعتبر من حواضن الثورة لإقناعهم بالمشاركة في الانتخابات.

وفي الوقت الذي يعلم فيه الجميع أن نتائج هذه الانتخابات محسومة سلفاً، فإن اهتمام النظام ينصب على إظهار مشاركة شعبية أكبر في التصويت، بهدف التأكيد على شرعيتها، خاصة مع وجود أكثر من نصف الشعب السوري في المناطق التي لا تخضع لسيطرته أو خارج البلاد.

فقد أطلق الحزب القومي السوري بطلب من منفذية حلب، حملة توزيع وجبات إفطار على سكان الأحياء القديمة من المدينة، على أن يحثّ خلالها المندوبون السكان على ضرورة التوجه إلى مراكز الاقتراع والمشاركة في التصويت.

ويظهر تكليف أحزاب أخرى بالقيام بمهمة الدعاية للانتخابات في الأحياء التي كانت خارجة عن سيطرته، أن النظام ما زال يعاني من القدرة على الحضور الكامل في هذه الأحياء، رغم مرور أكثر من أربع سنوات على بسط سيطرته العسكرية عليها، بينما يرى آخرون أن هذه الأحياء أصبحت خارج دائرة اهتمام النظام وأن تكليف أحزاب أخرى تلعب دور الظل للحزب الحاكم إجراء عقابي آخر يُفرض على هذه الأحياء التي تعاني اهمالاً خدمياً كبيراً.

بين رغبة النظام في إظهار أكبر قدر ممكن من الأجواء الاحتفالية والتفاعل الشعبي مع الانتخابات، وبين تراجع قدرة تجار مدينة حلب وصناعييها على تحمل تكاليف الفعاليات المعتادة بهذه المناسبة، يعود حزب البعث للعب هذا الدور مجدداً، بالتعاون مع الأخرى المرخصة، في الوقت الذي يتساءل فيه الكثيرون عن سبب غياب طبقة رجال الأعمال الجدد عن القيام بهذه المهمة.

المصدر: المدن

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى