فلسطينيون يردون على اعتداء الاحتلال عليهم في نابلس أمس (نضال إشتية/فرانس برس)
تخضع عشرات الأخبار الواردة من فلسطين إلى التحريف، أو على الأقل توضع خارج سياقها. فخلال الأسابيع الماضية وبالتزامن مع المواجهات في القدس المحتلة ثم سائر الأراضي الفلسطينية وصولاً إلى العدوان على غزة، كانت التغطية الخبرية عرضةً للتحريف والتزييف والاقتطاع أو حتى، الانحياز لرواية الاحتلال.
ليس الانحياز للاحتلال في تغطيات وكالات الأنباء العالمية والصحف البارزة جديداً، لكنّه هذه المرة بدا أقرب إلى التحريف بهدف واضح وهو التعاطف مع رواية الاحتلال في ظل تضامن عالمي واسع مع الشعب الفلسطيني بدأ منذ منتصف الأسبوع الماضي. إذ تحت غطاء الحياد، تختار هذه المؤسسات الإعلامية لغة تحابي الاحتلال وتتبنى روايته، في ظل الخوف المستمّر من اتهامها بـ”معاداة السامية”، وهي تهمة دأب الاحتلال على الترويج لها عند كل انتقاد يوجّه له، ليقمع حرية التعبير والنقاش.
والجديد هذه المرة هو انخراط مغردين عرب ووسائل إعلام عربية في الانحياز للاحتلال، وهو ما بدا واضحاً عبر تفريغ الصفحات الأولى لهذه الوسائل ومواقعها وحساباتها على مواقع التواصل من أي خبر عن فلسطين وما يحصل فيها، فيما قام ناشطون بارزون فيها بالتحريض على الفلسطينيين في مواقع التواصل، بعد تطبيع دولهم مع الاحتلال.
هكذا اختفت فلسطين من مواقع عربية وأجنبية بالرغم من الغليان العربي الذي بدا واضحاً على مواقع التواصل الاجتماعي تضامناً مع الفلسطينيين، فيما كان ناشطون عرب يعتبرون أنّ دولهم هي المحتلة من أنظمة متهاونة ومطبعة، وأنّ القدس هي الحرة بشبابها الذين هبوا ضد المحتل.
في الأيام الماضية، بدت الوكالات العالميّة بين أبرز المنضوين في حملة إخراج النضال الفلسطيني من سياقه، فكانت هناك أخبار عن “توتر في القدس” أو “اندلاع مواجهات عنيفة” (بين الفلسطينيين والاحتلال) من دون حتى التعريج على الإشارة إلى أنّ القوات الإسرائيلية هي من تعتدي على بيوت الفلسطينيين والمسجد الأقصى وترهبهم وتعتقلهم، لا بل كانت هناك محاولات للمساواة بين الطرفين، على اعتبار أنّ ما يقوم به الفلسطينيين من حقهم في الرد والمقاومة والصمود ونقل الحقيقة، “إرهاب” ضدّ الاحتلال الذي “يردّ” بقمعهم.
هكذا دأبت وكالة “أسوشييتد برس” على تسمية الأوضاع في القدس بـ”التوتر” في أخبارها، معتبرةً أنّ الاشتباكات في القدس أمس كانت “أحدث سلسلة من المواجهات التي تدفع المدينة المتنازع عليها إلى حافة الانفجار”. استمرت الوكالة الأميركية على مدى أيام بإطلاق اسم “توتر” على كل الأحداث الفلسطينية، بالرغم من أنّها تتمحور من الاشتباكات إلى التظاهرات والاعتداءات والقمع والتهجير والقصف.
لكنّها لم تكتفِ بذلك، فمع القصف الإسرائيلي على غزة أمس، والذي أدى إلى استشهاد 24 شخصاً بينهم 9 أطفال، قالت الوكالة في تغريدةٍ لها على “تويتر” إنّهم “قتلوا خلال قتال مع القوات الإسرائيلية من دون معرفة أسباب الوفاة”!
قتل ما لا يقل عن 20 شخصا، بينهم تسعة أطفال، في غزة خلال قتال مع القوات الإسرائيلية، حسبما أفاد مسؤولون في وزارة الصحة بقطاع غزة.
ولم تدل الوزارة بتفاصيل حول أسباب الوفاة.
لكنّ الوكالة التي وقعت في محظور الأخبار الكاذبة والانحياز للاحتلال الإسرائيلي بشكل واضح، كانت “رويترز” التي حرّفت خبراً عن محاولة مستوطن إسرائيلي دهس فلسطينيين في القدس، وجعلته اعتداءً على المستوطن نفسه. وكتبت “رويترز” في خبرها “فلسطينيون يرشقون سيارة إسرائيلية بالحجارة فتصطدم، بينما القدس تغلي”.
وأعرب الفلسطينيون والمغردون حول العالم عن غضبهم من خبر رويترز المحرّف، ناشرين مقاطع الفيديو المنتشرة حول محاولة المستوطن دهس الفلسطينيين، متسائلين عن المهنية في نقل الأخبار، وطالبين منها حذفه، إلا أنّها لم تفعل.
لكنّ هذه لم تكن المرة الأولى التي تنحاز فيها “رويترز” للاحتلال في أخبارها، فقد طالبها ناشطون بنقل الحقيقة في أكثر من مرة خلال أحداث فلسطين الحالية، وبينها نقل أنّ إصابات الفلسطينيين كانت في اعتداء الاحتلال عليهم وليس في “اشتباكات” معهم.
من جانبها، كانت صحيفة “نيويورك تايمز” بين أكثر الصحف التي صحّح الناشطون عناوينها وأخبارها، مشيرين إلى أنّ اللغة منحازة إلى الاحتلال. وطالبها ناشطون وإعلاميون باستخدام تعابير “تهجير” بدلاً من “إخلاء” للفلسطينيين في حي الشيخ جراح، كما بأنّ هناك كفاحاً فلسطينياً وليس “صراعاً إسرائيلياً-فلسطينياً”.
وبعد يومٍ دامٍ في فلسطين أمس، قام خلاله الاحتلال بالقمع والاعتقال والقصف، ما أدى إلى استشهاد فلسطينيين في غزة، رأت صحيفة “فايننشال تايمز” أنّ الإسرائيليين هم الجرحى، فعنونت على ذلك في صفحتها الأولى، بالرغم من أنّ دماء الفلسطينيين كانت تنزف.
هكذا، تلقى وسائل الإعلام اعتراضات وتصحيحات تظهر عبر منصات التواصل الاجتماعي، فيما يقوم الناشطون الفلسطينيون في الأراضي المحتلة بنقل الصورة الحقيقية للقمع الإسرائيلي لهم، ما يخلق وعياً جديداً حول كيفية تحريف الاحتلال للحقيقة واعتداءاته على الفلسطينيين، في نهجٍ يترسّخ منذ عام 1948.
المصدر: العربي الجديد