تستشهد وسائل الإعلام الدولية بالدين باعتباره السبب وراء تعرض أحد الطلاب في بنغلاديش للضرب، عندما تلعب مجموعة من العوامل الأخرى دورًا.
يعمل رهاب الإسلام في الغرب والجنوب العالمي بشكل مترابط، وليس بشكل منفصل. وقد تم تأطير التغطية الإعلامية لفيديو حديث انتشر بشكل واسع عن ضرب مبرّح تعرض له طالب في بنغلاديش -وهو حادث غير أخلاقي وجنائي بلا أدنى شك- بطريقة تستهدف المؤسسات الدينية والتعليمية للمسلمين.
في التغطيات الإعلامية، عادة ما يتم استدعاء الإسلام ليكون سمة تفسيرية، بطريقة أدت إلى ظهور خطاب تروجه نخب السلطة في كل من جنوب الكرة الأرضية والغرب عن المسلمين، والذي يصورهم كبرابرة. ولكي يسود هذا الخطاب، يخفي أعضاء وسائل الإعلام، على سبيل المثال، ممارسات الضرب التي تحدث في المؤسسات الهندوسية والمسيحية وغيرها، ويقومون بتعمية العوامل غير الدينية، مثل أصول التربية والتدريس البالية التي عفا عليها الزمن عندما يتعلق الأمر بالمسلمين.
في الفترة الأخيرة، نشرت مطبوعة دويتشه فيله (DW) الألمانية تقريراً بعنوان “طلاب المدارس في جنوب آسيا يواجهون العقوبات الجسدية على نطاق واسع”، وملأته بالتعميمات الغامرة النمطية عادة في مثل هذا النوع من التغطية. ولا يقدم التقرير أي بيانات لدعم حجته المركزية، حيث يستشهد باستطلاع “لم يحدد نسبة العقوبات القاسية بين المدارس العامة والمدارس الدينية”.
وإذن، ما الأساس المنطقي لإضفاء الإثارة على الضرب في المدارس الدينية الإسلامية وحدها؟ مع تقدم التقرير، يصبح الأمر واضحاً: يهدف هذا التعميم إلى شيطنة الإسلام ومدارسه الدينية، في عملية بدأت مع صعود طالبان في أفغانستان وتسارعت بعد 11 أيلول (سبتمبر). وتكرر المقالة ربط ممارسة الضرب بالإسلام والمدارس الدينية، بينما تغالي باستمرار في إبراز العامل الديني، وتؤكد أنهم “الآباء والأمهات المسلمين” هم الذين يرتاد أطفالهم المدارس الدينية.
ويصف التقرير، المهووس بإبراز السبب الديني للعقاب، مرارًا وتكرارًا معلمي المدارس الدينية بأنهم “رجال الدين”. وهذا التسليم خاطئ من أساسه. فمعلمو المدارس الدينية الإسلامية يقومون أيضًا بتدريس اللغات، بما في ذلك اللغة الإنجليزية، والمواد “الحديثة”، مثل الرياضيات. وهم ليسوا “رجال دين”. ولك أن تقارن هذا التعصب بتصوير وسائل الإعلام شخصيات دينية هندوسية بأنهم معلمون “روحيون” أو “راؤون”.
واستمراراً في الغزل على هذا المنوال، يصف تقرير “دويتشه فيله” بنغلاديش بأنها “دولة ذات أغلبية مسلمة”، بينما يفشل في وصف الهند بأنها “دولة ذات أغلبية هندوسية”.
اتجاه أوسع نطاقاً
يشكل تصوير المسلمين بمصطلحات دينية خالصة جزءاً من اتجاه أوسع. في العام الماضي، وصفت صحيفة “الغارديان” البريطانية جامعة الملة الإسلامية بأنها جامعة “دلهي ذات الأغلبية المسلمة”. لكنها لم تصف جامعة باناراس الهندوسية بأنها ذات أغلبية هندوسية.
وربما يمكن التسامح مع مثل هذا التأطير في بلد معروف على نطاق واسع بأنه ذو أغلبية هندوسية، لكن هذه المناسبات تصنع تراكُماً. ويبدو إرفاق عبارة “الأغلبية المسلمة” كوصف سابق للأشياء، خاصة فيما يتعلق بالأشياء السلبية المرتبطة بالمسلمين، أمراً شائعاً في وسائل الإعلام والأوساط الأكاديمية على حد سواء. وقد وصفت قصة إخبارية لقناة “الجزيرة” عن ماليزي مسجون “لإهانته الإسلام” ماليزيا بأنها “دولة ذات أغلبية مسلمة”. ووفقًا لصحيفة “الإندبندنت”، فإن جزيرة لامو الكينية “ذات أغلبية مسلمة”، لكن كينيا نفسها لا توصف بأنها “ذات أغلبية مسيحية”.
تتعارض هذه الممارسة مع إزالة العنصر الديني من القضايا، حتى الدينية منها على وجه التحديد، بين الهندوس. وتوضح ذلك تغطية الحظر المفروض على لحوم البقر، أو العنف المنطلق من عقاله من أجل “حماية” الأبقار التي تعد مقدسة في الديانة الهندوسية. وفي وسائل الإعلام الغربية، يجري محو الأخبار عن عمليات الإعدام خارج نطاق القانون التي تحدث بدافع ديني بسبب مزاعم بذبح الأبقار، أو تعميتها وعرضها على أنها “علمانية”.
على النقيض من ذلك، يظهر الدافع وراء شيطنة المدارس الدينية في تقرير “دويتشه فيله”، الذي عندما لم يجد على ما يبدو أي حوادث ضرب أخرى حديثة في المدارس الدينية الإسلامية، عمد إلى إدراج مسألة لا معنى لها عن دعوات إلى إجراء إصلاحات في المعتزلات الدينية الهندوسية، التي تشكل المرجعية لـ”روحانياتهم”. ويبدو أن روحانية الإسلام والمدارس ليست هنا ولا هنالك، وهي تذكّر برفض الروائي نايبول VS Naipaul للدين باعتباره “إيمانًا ينبع من الفراغ الروحي”.
سلاح المصادقة
لخلق انطباع بالمصداقية، تستخدم الإسلاموفوبيا سلاح المصادقة من الداخل باستخدام اقتباسات من المسلمين أنفسهم. لكن علماء الإعلام يجادلون بأن الاقتباسات المختارة تميل إلى تأكيد الفرضيات السابقة للصحفي المعنيّ. وإضافة إلى ذلك، فإن الكتابات التي تحط من قدر الإسلام لأيان حرسي علي، وإرشاد منجي، وسلمان رشدي وتسليمة نسرين وآخرين، تعمل إلى حد كبير كأصوات مصادقة من الداخل.
تتمثل إحدى طرق مكافحة السرد العالمي عن الوحدة في قلب الإسلاموفوبيا في تأكيد العوامل المتعددة المسؤولة عن أفعال مثل حادثة ضرب الطالب في بنغلاديش، بما في ذلك الثقافة المحلية وعدم التناسق الاجتماعي والاقتصادي.
إن السبب الجذري للضرب ليس الدين، وإنما الفكرة فوق-الدينية القائلة إنك حتى تتعلم فإنك يجب أن تستظهر المعلومات؛ وبالتالي يؤدي الفشل في الحفظ إلى الضرب، وهي ممارسة منتشرة في المدارس الحكومية الهندوسية والمسيحية والحديثة و”العلمانية” في جميع أنحاء الهند، حيث معظم المعلمين والطلاب من الهندوس. ويعد حكم المعلمين المُسنّين عاملاً آخر يمنعهم من فحص أسباب إخفاقاتهم، بما في ذلك طرق التدريس المملة التي يستخدمونها.
كما تقع الإساءة إلى الأطفال في المدارس أيضًا لأن معظم الآباء الفقراء والأميين وشبه المتعلمين الذين يرسلون أطفالهم للحصول على تعليم مجاني لا يمكنهم مساءلة إدارات المدرسة. وفي بحثي عن المدارس الدينية في ولاية أوتار براديش الهندية، وجدت أن الطلاب يدفعون في بعض المدارس رسومًا دراسية ورسومًا للإقامة الداخلية، وتكون حالات الضرب أقل هناك.
لوقف الممارسة البربرية المتمثلة في ضرب الأطفال، لن تكون القوانين وحدها كافية، تماماً كما ثبت أن التشريعات المناهضة للمهر في الزواج غير كافية. يجب أن تكون الإصلاحات داخلية وخارجية. وسيكون الوعي بحقوق الأطفال والتمكين الاجتماعي والاقتصادي للآباء والأمهات الذين يرتاد أطفالهم المدارس الدينية أموراً حاسمة. ومن دون ذلك، لن يتمكن الآباء من مساءلة سلطات المدارس الدينية.
*عالم الأنثروبولوجيا السياسية وزميل بحث أول في معهد ماكس بلانك في غوتنغن. وهو مؤلف كتاب “الدين كنقد: التفكير الإسلامي النقدي من مكة إلى السوق” (2017)، ومحرر كتاب “الأنثروبولوجيا والإثنوغرافيا ليسا متكافئين: إعادة توجيه الأنثروبولوجيا للمستقبل (2021)”. في وقت سابق، درس في جامعات أسترالية وهولندية.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: How western Islamophobia works in the Global South
المصدر: (ميدل إيست آي) / الغد الأردنية