دبلوماسية متفجرة: هل يعرقل الهجوم على إيران جهود إحياء الاتفاق النووي؟

تقرير خاص    ترجمة: علاء الدين أبو زينة

انفجار في ناتانز يتم الشعور به في فيينا

في العاشر من نيسان (أبريل)، كانت لدى إيران مناسبتان للاحتفال. الأولى هي استئناف المحادثات في فيينا، في وقت سابق من ذلك الأسبوع، لإحياء الاتفاق النووي متعدد الجنسيات الذي تخلى عنه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، في العام 2018. والآخر كان الاحتفال باليوم الوطني للتكنولوجيا النووية، الذي شهد ظهور فنانين يرتدون زي علماء نوويين ويدورون حول أجهزة الطرد المركزي في منشأة ناتانز النووية في محافظة أصفهان وهم ينشدون المدائح للبراعة العلمية الإيرانية. وأعلن المسؤولون الإيرانيون أنهم أعادوا أخيرًا بناء جزء من المنشأة كان قد ضربه انفجار غامض العام الماضي. ثم، في 11 نيسان (أبريل)، ضُرِبت المنشأة مرة أخرى.

دمر هذا الهجوم الأخير مصدر الطاقة الذي يُشغِّل أجهزة الطرد المركزي التي تقوم بتدوير اليورانيوم لاستخراج النظائر الانشطارية المناسبة للاستخدام في المفاعلات أو، إذا كانت مركزة بدرجة كافية، في صناعة القنابل. وتضررت آلاف الآلات. وألقى مسؤولون إيرانيون باللوم على إسرائيل، زاعمين أن المتفجرات هُرِّبت إلى ناتانز داخل طاولة. وعلى عكس الحوادث السابقة، أقر المسؤولون الإسرائيليون للصحفيين بأن الموساد، جهاز المخابرات الإسرائيلي، متورط بالفعل في الهجوم.

السؤال الكبير الآن هو أي تأثير سيكون للهجوم على المحادثات النووية الجارية في فيينا. وكان الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد أعلن أنه يريد معاودة الانضمام إلى الاتفاق الذي قامت إيران بموجبه بتقييد برنامجها النووي مقابل رفع العقوبات الدولية عنها. لكنه يريد من إيران أن تتراجع هي أولاً عن الخطوات التي اتخذتها ردًا على تصرفات ترامب، والتي لا تمتثل لبنود الاتفاق. وتريد إيران أن يقوم بايدن أولاً برفع العقوبات التي فرضها عليها ترامب.

وهنا يدخل بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي ليس من بين المعجبين بالصفقة. هل كان هدفه هو حث إيران على المزيد من النشاط النووي من أجل استفزاز بايدن ودفعه إلى الابتعاد عن الصفقة، أم العكس: إبطاء التخصيب الإيراني، وبالتالي تخفيف الضغط على بايدن للعودة إلى الصفقة؟ تجدر ملاحظة أن الهجوم وقع عندما كان وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، في زيارة إلى إسرائيل.

في ردة فعلها على الهجوم، وعدت إيران فعلياً بزيادة نشاطها النووي. وبدأت مسبقاً في اختبار أجهزة الطرد المركزي من طراز (ir-9)، الأسرع بـ50 مرة من جيل أجهزة (ir-1s) التي تشكل معظم القدرة في منشأة ناتانز. ومنذ كانون الثاني (يناير)، حصلت إيران على 55 كيلوغراماً من اليورانيوم المخصب حتى درجة نقاء 20 في المائة؛ أي تسعة أعشار الطريق إلى درجة تصنيع الأسلحة. وكان كلا هذين التحركين خرقاً للصفقة. وبعد الهجوم قالت إيران أنها ستستبدل أجهزة الطرد المركزي المدمَّرة بأخرى من أحدث الطرز، وستبدأ في تخصيب اليورانيوم إلى درجة نقاء 60 في المائة في ناتانز. وسوف يذهب بها ذلك أبعد نحو تقليل الوقت الذي ستستغرقه لإنتاج ما يكفي من اليورانيوم عالي التخصيب لصنع قنبلة في حال قررت السعي إلى تحقيق ذلك. لكن محمد جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني، قال إن الخرق الأخير، مثل الخروقات السابق، سينتهي إذا قامت الولايات المتحدة برفع عقوباتها المفروضة على إيران.

قبل عقد من الزمان، رسمت إسرائيل خطاً أحمر ضد حصول إيران على 240 كيلوغراماً من اليورانيوم المخصب إلى درجة نقاء 20 في المائة (ما يكفي لصنع قنبلة واحدة). لكنها ربما تكون قد حسبت أن النمو المتجدد لبرنامج إيران النووي يشكل سببًا كافيًا لضرب مرفق ناتانز الآن. وقد أظهر الموساد حرية مذهلة في المناورة على الأراضي الإيرانية. ففي العام 2018، نفذ عملية سرقة جريئة في طهران، والتي استولى خلالها على آلاف الوثائق المتعلقة ببرنامج إيران النووي. وفي العام الماضي، ألقي اللوم عليها في سلسلة من الهجمات والتفجيرات التي شُنت على مواقع الصواريخ والمواقع النووية، بما في ذلك مرفق ناتانز نفسه، واغتيالين رفيعي المستوى في طهران أو حولها: اغتيال أبومحمد المصري، الناشط في تنظيم القاعدة، في آب (أغسطس)؛ ومحسن فخري زاده، أرفع عالم نووي إيراني، في تشرين الثاني (نوفمبر).

وخارج إيران، كثفت إسرائيل الضربات الجوية ضد الأهداف الإيرانية في سورية، ومؤخراً في العراق. كما هاجمت القوات الإسرائيلية السفن الإيرانية لتعطيل صادرات البلد النفطية وشحنات الأسلحة. ويتزايد انفتاح إسرائيل على ما تسميه “الحملة بين الحروب”.

وهناك أيضاً احتمال أن يكون السيد نتنياهو قد استرشد بالفرصة السياسية أكثر من الضرورة الاستراتيجية. الآن، بعد نحو ثلاثة أسابيع من إجراء الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية الرابعة في غضون عامين، ما يزال رئيس الوزراء، الذي يحاكم بتهمة الفساد، يفتقر إلى الأغلبية اللازمة لتشكيل حكومة جديدة. ومع تعثر محادثات بناء التحالف وحرص المعارضة على الإطاحة به، أصبح يخطب ود الحلفاء المحتملين.

ربما يشعر نتنياهو بأنه ليس لديه الكثير ليخسره. منذ أكثر من عام، كان جهاز الموساد يعمل على افتراض أن قادة إيران حريصون على تخفيف العقوبات الأميركية، وسوف يتجنبون بالتالي أي تصعيد كبير. وبعد الهجوم على ناتانز، هددت إيران “بالانتقام في الوقت المناسب”، لكن هذه الصيغة الغامضة وفرت في الماضي غطاءً لردود صامتة نسبيًا. ولم تتسبب ضربة صاروخية قيل أنها وُجهت إلى سفينة تجارية مملوكة لإسرائيل في خليج عمان في 13 نيسان (أبريل) بأكثر من أضرار طفيفة.

لا شك في أن رغبة إيران في تخفيف العقوبات عنها حقيقية. وقدر صندوق النقد الدولي هذا الشهر أن احتياطياتها الأجنبية التي يمكنها الوصول إليها تراجعت من 123 مليار دولار في العام 2018 إلى 4 مليارات دولار فقط في العام الماضي. (الاحتياطيات الإجمالية أعلى بكثير، لكن معظم هذا المبلغ غير قابل للاستخدام بسبب العقوبات). ولكن، إذا لم تتمكن الولايات المتحدة وإيران من التوصل إلى اتفاق في الأسابيع القليلة المقبلة، فقد يتم تأجيل المحادثات هذا الصيف. كان البرلمان الإيراني قد أقر في العام الماضي قانوناً من شأنه أن يعلق عمليات التفتيش الدولية لمنشآت البلد النووية، والذي يُفترض أن يدخل حيز التنفيذ الشهر المقبل. وبحلول ذلك الوقت، سيخوض المرشحون الإيرانيون أيضًا حملاتهم الانتخابية لانتخابات رئاسية ستُجبر الرئيس الحالي حسن روحاني على الخروج من منصبه بسبب بلوغ حدود الولاية. ولن يتولى خليفته منصبه حتى أيلول (سبتمبر).

وثمة تعقيد آخر هو أن المؤسسة الإيرانية غارقة في الاقتتال الداخلي. وقد بدأ التلفزيون الحكومي يوم 21 آذار (مارس) في بث الموسم الثاني من “غاندو”، وهو مسلسل درامي مثير يُعتقد أنه تم إنتاجه بمساعدة الحرس الثوري الإسلامي المتشدد. وفي أحداث العرض، يتم اتهام دبلوماسيين متخيّلين يشبهون بشدة السيد ظريف وفريقه بالتجسس. (يشاع أن ظريف مرشح رئاسي محتمل؛ لكنه ينفي أي اهتمام له بذلك). ويقول محمد علي شباني، محرر “أمواج. ميديا”، وهو موقع يراقب شؤون الشرق الأوسط: “ربما يتساءل العديد من الإيرانيين عما تنوي أن تفعله الأجهزة الأمنية في البلاد. بينما تقوم إسرائيل بتفجير الأمور، يستخدم الحرس الثوري الإيراني أفلام الإثارة الخيالية عن التجسس، والتي تستهدف الحكومة الإيرانية نفسها، وسط عقوبات مقعِدة ووباء مميت”.

*نشر هذا التقرير تحت عنوان: Explosive diplomacy: Will an attack on Iran derail efforts to revive the nuclear deal?

المصدر:  (الإيكونوميست) / الغد الأردنية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى