ما كشفه الدبلوماسي الأميركي، فريدريك هوف، عن تأكيد الرئيس السوري بشار الأسد في لقاء معه في 28 شباط (فبراير) 2001، أنّ “مزارع شبعا وتلال كفرشوبا سورية، ومن أن ما قاله الأسد إن ادّعاء “حزب الله” لبنانية مزارع شبعا زائف”، يظهر كيف كان النظام السوري يتعامل مع لبنان واستخدامه ورقة قوة في أي مفاوضات سورية – إسرائيلية محتملة.
كان يمكن للنظام أن يجاهر بين أواخر الثمانينات من القرن الماضي وحتى العام 2011 تاريخ انطلاقة الثورة السورية ثم تحوّل سوريا الى ساحة حرب مع استعصاء النظام واستخدامه آلته العسكرية للقمع، أنه قادر على تطويع كل المكونات اللبنانية. وهنا نتحدث عن مرحلتين للنظام نفسه، أي قبل عام 2000 حين كان الرئيس حافظ الأسد يقرر كل شيء في لبنان في ظل الوصاية السورية، علماً أن إنجاز التحرير بالانسحاب الإسرائيلي من الجنوب اللبناني في 25 أيار (مايو) 2000 أعاد ملف مزارع شبعا الى الواجهة والتي لم يعترف بلبنانيتها الأسد الأب. ومع بشار الأسد منذ عام 2000 وحتى اليوم، كان الابن يحسم بأن مزارع شبعا سورية، وهي جزء من الجولان السوري المحتل.
المفاوضات السورية – الإسرائيلية المباشرة بين 1991 وحتى العام 2000 على أيام الرئيس الأب وأيضاً على أيام الرئيس الابن، لم تكن تعطي أي اعتبار للبنان، حتى “حزب الله” الذي كان يتصرف سورياً في ظل وصاية النظام قبل التحرير عام 2000 قبل أن يعود الى مرجعيته المباشرة الإيرانية التي سيطرت على أجزاء كبيرة من سوريا عبر أذرعها خلال الحرب، إذ تشير المعلومات التي كان ينقلها الأميركيون إلى أن النظام السوري تعهد بقطع العلاقات العسكرية مع طهران و”حزب الله” اللبناني، و”تحييد” أي تهديد لإسرائيل، مقابل استعادة سوريا لمرتفعات الجولان السورية المحتلة من إسرائيل، إلى خط 4 حزيران (يونيو) 1967. وهو ما كشفه فريدريك هوف في مقال نشره في مجلة “Newline Magazine”، كشف فيه عما أسرّ به بشار الأسد له في 2011.
ما يؤكد كلام هوف عن النظام السوري، هو ما كشفه أيضاً وزير الخارجية الأميركي الأسبق جون كيري، وهو اليوم مبعوث الرئيس جو بايدن لشؤون المناخ، في كتابه “كل يوم هو يوم إضافي” وقال فيه إن الأسد بعث إلى الرئيس باراك أوباما مقترحاً لإقامة سلام مع إسرائيل، وإن بنيامين نتنياهو عندما اطلع على الاقتراح وجده “مثيراً للدهشة”. وقال كيري إنه في عام 2009، بينما كان يتولى رئاسة لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، زار دمشق وتناول في اجتماع مع الأسد أموراً عدة، بينها اتفاق السلام مع إسرائيل، في ضوء أن المحاولات السابقة في ظل حكومات إسحق رابين وشمعون بيريز وإيهود باراك وأولمرت ونتنياهو (خلال فترته الأولى بين 1996 و1999) انتهت بالفشل.
ويشير كيري إلى أن الأسد أعلن استعداد سوريا لاتخاذ عدد من الخطوات، مقابل عودة الجولان من إسرائيل. وهي خطوات متعلقة في شكل رئيسي بلبنان والإيرانيين. حتى عندما كانت المفاوضات السورية – الإسرائيلية تتقدم في عام 1996 وصولاً الى العام 2000، كان النظام السوري يفاوض عن لبنان ويستخدمه في الوقت ذاته ورقة مساومة. اليوم تغيرت الأوضاع مع تفكك سوريا ودخول الإيرانيين و”حزب الله” لاعباً أساسياً في سوريا وفي تقرير مصيرها، فلم يعد في إمكان النظام السوري القدرة ولا القوة على التعهد بإنهاء وجود “حزب الله” ولا غيره من الميليشيات التي استوطنت في سوريا ومدت النظام بالأوكسجين اللازم، فإذا طرح سلاح “حزب الله” سيقال إن هذا السلاح له وظيفة إقليمية ولم يعد سلاحاً محلياً لبنانياً، وإذا جرى الحديث عن مزارع شبعا سيقول النظام السوري إنها سورية من دون أن يعترض “حزب الله” وهو الذي أصبح له موطئ قدم في الجولان المحتل ويعمل على إنشاء مقاومة سورية مسلحة في المنطقة التي تطل عليها مزارع شبعا اللبنانية في التاريخ والجغرافيا وفق أهالي المناطق التي احتلت في جبل الشيخ وعلى تخوم الجولان.
النقطة المهمة هي أن أي مفاوضات سورية – إسرائيلية بوساطة أميركية لن تكون خارج التغطية الإيرانية المقررة اليوم في كل سوريا مع أطراف دوليين آخرين خصوصاً روسيا والولايات المتحدة نفسها، فلم يعد مهماً بالنسبة الى “حزب الله” إن كانت مزارع شبعا لبنانية أم سورية، طالما مشروعه ودوره وتحركه لا تقتصر على لبنان، بل تطاول الإقليم كله، ولم يعد لبنان ساحته ومنزله. لذا يمكن للسيد حسن نصرالله أن يتحدث عن التزام ما تقرره الدولة في شأن مزارع شبعا، وهو كلام قاله قبل 3 سنوات، فإذا قررت الدولة أنها لبنانية يعني أن المقاومة تتحمل مسؤولية تحريرها. لكن لا بأس إذا كانت سورية ايضاً، فها هو الحزب لا يزال في العمق السوري من دون أن يسأل الدولة عن تدخله إلى جانب النظام هناك “وإذا أحب اللبنانيون فلا مشكلة في أن نعود ونناقش القرى السبع وعشرات آلاف الدونمات التي تحتلها إسرائيل لأهلنا في القرى الأمامية”. وإذا كان لا مشكلة لدى نصرالله في جمع كل هذه المناطق في سلة واحدة، إلا أن المشكلة تكمن في عدم تحديد الخطوط التي ترتكز إلى الوطنية اللبنانية، فيتم الخلط بين تلال كفرشوبا المعترف بلبنانيتها دولياً، وشمال الغجر أيضاً، وبين مزارع شبعا المدرجة ضمن اتفاقية الفصل السورية – الإسرائيلية عام 1974 حول الجولان. ويتصل الأمر أيضاً بالحدود اللبنانية – السورية التي يرفض النظام ترسيمها أو تحديدها على الأقل.
يشدد نصرالله على لبنانية المزارع، لكنه ليس مضطراً للجوء إلى تقديم الإثباتات، أو التدخل مع النظام السوري لتثبيت لبنانيتها، فلا مشكلة في ما إذا كانت لبنانية أم سورية. هنا تستخدم المزارع لاستهدافات إقليمية وهي مسألة تبقى مرتبطة بوظيفة السلاح والمقاومة، ولا بأس بتوحيد الجبهات بين سوريا ولبنان، طالما جرى توحيدها بالدم مع النظام السوري حين دخل الحزب الى هذه الساحة بتبريرات مختلفة ولا يزال منتشراً في سوريا. فلماذا يحيّد مزارع شبعا؟
لم يعد في إمكان النظام السوري التصرف بالورقة اللبنانية كما كان في السابق. هنا دخل اللاعب الإيراني، ومعه لاعبون كثر، ولا يكترث إذا كانت المزارع لبنانية أم سورية، إنما المهم توظيف القوة والسلاح لخدمة مشاريع خارج الحدود اللبنانية، أهدافها إقليمية وهي تستخدم لبنان ساحة تماماً كما كان النظام السوري يستخدمها قبله، إنما من موقع قوة يؤثر في المنطقة كلها.
المصدر: النهار العربي