بعد 15 يومًا من انطلاقة الثورة السورية وسقوط عشرات القتلى والجرحى على يد قواته، ألقى بشار الأسد خطابه أمام البرلمان، وسط ترقب السوريين الذين كانوا ينتظرون خطاباً يجنب البلاد أتون الحرب التي ستشنها آلة الأسد العسكرية ضد مطالب الإصلاح والتغيير التي خرج ينادي بها الشعب السوري خلال تلك الفترة.
تم التحضير لخطاب الأسد في ذلك اليوم بطريقة استعراضية توحي بأن لا حدث يستحق التغيير في بلد بدأت تعصف به رياح الربيع العربي، واندفعت جموع المؤيدين لتحيط بمجلس الشعب في 30 آذار 2011 كما هي العادة مرددة هتافات الولاء لعائلة الأسد بينما قوات الأمن تطلق الرصاص على متظاهري الريف الدمشقي ودرعا وحمص.
وقف الأسد على منصة المجلس منتظراً انتهاء التصفيق الحار مجيباً عليه بابتسامة طويلة وتلويحات بالامتنان وطلب الهدوء ثم بعبارة شاعرية: (هذا الموقف أصعب من أن أجيب عليه)، ومن ثم عادت الهتافات مرة أخرى ليبدأ الأسد خطابه الذي أوصل السوريين وبلادهم إلى مرحلة السقوط واللا عودة مكرراً عبارات أبيه حول سوريا القلب النابض فينا والقلعة الحصينة بأمجادها، ووصف اللحظة بأنها استثنائية وامتحان لوحدتنا.
اتهامات بدل وعود الإصلاح المنتظرة
اعترف الأسد بأن كلمته منتظرة من أسبوع من قبل السوريين لكنه آثر الانتظار لكي تتبلور في رأسه صورة المشهد الحاصل في البلاد، وفي هذا الوقت بالضبط كان السوريون ينتظرون أن يقول الأسد ما يمكن أن يحدث فارقاً يغير مصير البلاد لكن الأسد أطلق عباراته التي اتهم فيها السوريين أنفسهم بالتآمر على بلادهم، وتوعد بضرب الأعداء والمتآمرين.
الأسد الذي طبلت وسائل إعلامه قبل الخطاب بالوعود المنتظرة للإصلاح وتحسين أحوال المواطن، لتهدئة البركان الذي بدأت بوادر انفجاره بعد عقود من الكبت الذي مورس بحقه، لم يفوت الفرصة لتكرار الثرثرة نفسها ولكنه ربط بينها وبين المؤامرة على البلاد في تلميح لهتافات الناس حينها بضرورة الإصلاح ومحاربة الفساد قبل أن يرتفع الشعار إلى إسقاط النظام.. حيث قال الأسد: (إن مدبري المؤامرة خلطوا بين ثلاثة عناصر الفتنة والإصلاح والحاجات اليومية).
ثم وسع الأسد مفهوم المؤامرة مخاطباً مؤيديه فقط: (نتعرض اليوم لمؤامرة كبيرة تعتمد في توقيتها وشكلها على ما يحصل في الدول العربية) ثم استدرك بأن الحال مختلف مع سوريا: (نحن جزء من المنطقة نتفاعل ونتأثر لكننا لسنا نسخة عن أحد، لدينا خصائص مختلفة أكثر داخلية وخارجية فقد بنيت سياستنا على التطوير الانفتاح والتواصل المباشر بيني وبين الشعب).
رسائل في عدة اتجاهات
حاول الأسد دغدغة مشاعر المؤيدين بأن ما يحصل في هذه البلاد مختلف عن سواه، وتوجيه رسائل خارجية تمنحه ضوءا أخضر لممارسة القمع الوحشي ضد المتظاهرين بنفس الذريعة أن هناك مؤامرة وأذرعها بالداخل وهو ما جاء في خطاباته التخوينية التي تلت تصاعد المظاهرات وامتداد القتل في كل المحافظات.
الرسائل أيضاً تم توجيها في خطاب الأسد إلى العرب كي يقفوا على الحياد مما يحصل في سوريا مشيراً إلى أن ما يجري من تحولات يعقد عليه الآمال في تعزيز التضامن العربي، ومن ثم الانتقال إلى اللعب على ورقة القضية الفلسطينية: (هذه التحولات ستؤدي إلى تغير مسار القضية الفلسطينية من مسار التنازل إلى مسار التمسك بالحقوق).
أما الرسالة إلى الشركاء من التيارات التي ترفع شعارات محور المقاومة، فكانت بلغة استدعت فيما بعد حشود الميليشيات التي دعمت الأسد في حربه: (بنيت سياستنا على أساس التمسك بالوحدة الوطنية والقومية والاستقلالية ودعم المقاومات العربية عندما يكون هناك احتلال).
سبق خطاب الأسد بيوم واحد إقالة حكومة ناجي العطري، ووعود بإلغاء قانون الطوارئ، وتنظيم مظاهرات مؤيدة له في العاصمة دمشق في محاولة أعطت انطباعاً بالضغف لا بالقوة كما أراد لها مستشارو الأسد، وأن تحميل حكومة لا بد فيها فيما يحصل من قتل سوى تبريره وسرقة خيرات السوريين لن تنطلي على الذين خرجوا بصدورهم لمواجهة الرصاص، واستعدادات الشبيحة المنتشرين في شوارع في محيط العاصمة وريفها لما هو قادم.. وقد حصل.
استذكار خطاب المؤامرة يأتي اليوم ليس لكونه ذا أهمية كبرى فما جاء بعده أكثر وحشية وفجوراً، ولكن لكي يعرف السوريون الذي ولدوا بعده، وأولئك الذين أصابهم داء النسيان من أصحاب الحق بأن من صنع فاجعة سوريا ودمارها هو أول من تحدث بخطاب المؤامرة، وتخوين الشعب واتهامه بقبض الفتات من أجل ثورة كاذبة.
عشر سنوات أوصلت جموع المؤيدين والرماديين إلى ما هم عليه اليوم من جوع ويأس، ومن صراخ مكبوت، وأوصلت البلاد بكل أطيافها إلى الكارثة الكبرى حيث لا أمل حتى اللحظة في استعادة شبه الوطن الذي كان لهم قبلة العالم.. إلا أولئك الحالمين بوطن يتسع لصرخاتهم الأولى في الحرية والخلاص من الاستبداد.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا