نشر موقع مجلة “فورين بوليسي” مقالا لستيفن كوك من مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، تساءل فيه عن السبب الذي يجعل الولايات المتحدة تناقش ما تفعله مع الرئيس السوري بشار الأسد.
وبدأ كوك مقالته بالإشارة لحوار سمعه بعد أيام من قرار الرئيس السابق دونالد ترامب في تشرين الأول/ أكتوبر 2019 سحب القوات الأمريكية من سوريا. وكان هذا عندما خرج من قطار أنفاق نيويورك، حيث استمع لنقاش بين ضابطي شرطة كانا يتحدثان عن مزايا قرار ترامب، وأنه صحيح، لأن الحرب في سوريا لا تعني الأمريكيين في شيء، وأن الحل هو سحب القوات ووقف مشاركة أمريكا في الحروب اللانهائية. وهو ما دفعه للتفكير بفشل مجتمع السياسة الخارجية الأمريكي تقييم ما يجري في سوريا وفهم تأثيرها أو عدم تأثيرها على المصالح الأمريكية وطرح توصيات للتقدم بناء عليها.
ورغم رئاسة ترامب المقيتة، إلا أنه طرح الأسئلة الصحيحة المتعلقة بالشرق الأوسط “لماذا نفعل ما نعمله؟”، ولكنه لم يحصل على إجابة. ولهذا سحب القوات حيث انتهى وكأنه إعادة نشر لها. واليوم في الذكرى العاشرة على الثورة السورية والتحسر على ما جرى فيها، فالبلد يغطيه الظلام، وظل النقاش الأمريكي حول الحرب التي قتلت مئات الآلاف وشردت الملايين غير قاطع. ويدور الآن حول قبول إدارة جوزيف بايدن بانتصار الأسد؟ أم الانتظار حتى تظهر تسوية سلمية ناجحة؟ أو التعويل على العقوبات الاقتصادية والأزمات التي تضرب سوريا مع لبنان، مما سيؤدي إلى تراجع شعبية بشار الأسد بين أنصاره؟
ويرى الكاتب ألا أحد يريد التعامل مع سوريا، مما لا يترك أي خيار جيد لصناع السياسة أو إجابة واضحة. فغياب التحليل أو النقاش العام خلال أيام الحرب الأهلية السورية وعددها 3650 يوما، اختفى منه النظر للرهانات المطروحة أمام الولايات المتحدة وما هي السياسات التي يجب عليها متابعتها.
فمنذ الحرب العالمية الثانية، تابعت الولايات المتحدة سياسات تهدف لتأمين ثلاثة أمور: ضمان تدفق الطاقة من المنطقة، وحماية أمن إسرائيل، والحفاظ على القوة الأمريكية في الشرق الأوسط. وأضاف المحللون إلى هذه الثلاثة هدفين آخرين، وهما منع انتشار أسلحة الدمار الشامل، ومكافحة الإرهاب.
ولو افترضنا أن هذه هي أهداف السياسة الأمريكية، فماذا يجب على صناع السياسة عمله للتعامل مع سوريا. فالنهج الحالي من النزاع في سوريا والقائم على سياسة رفع اليد قد يكون مزعجا من الناحية الأخلاقية، لكن يمكن الدفاع عنه من الناحية الإستراتيجية. وهذه هي الصلة التي لا تريح في السياسة الخارجية الأمريكية، وهي عدم القدرة على موازنة القيم مع المصالح.
وعندما بدا واضحا أن ترامب لا ينسحب من سوريا، بل ويعيد الانتشار من أجل الحفاظ على النفط، مما دعا إلى التساؤل عن الاحتياطي النفطي الباقي في سوريا والذي لم يستخدمه نظام الأسد أو تنظيم “الدولة”. وحرمان الأطراف المستفيدة من النفط ربما كان صحيحا، لكن الإعلان بطريقة مضرة عن بقاء الأمريكيين في سوريا لحماية النفط، هو تحايل من الرئيس على استمرار دعم أمريكا للقوات الكردية في حربها ضد تنظيم “الدولة” والذي أعلن ترامب عن هزيمته. لكن لم يظهر خلال العقد الماضي أن الحرب في سوريا أثرت على تدفق الطاقة من المنطقة.
وعندما يتعلق الأمر بإسرائيل، فقد جاء وقت اعتقد فيه المحللون أن الحرب في سوريا تمثل تهديدا على أمنها. وكان أداء قوات النظام السوري السيئ خلال العقد الماضي مدعاة لتجاهل هذا الخوف. إلا أن التهديد الحقيقي -على الأقل من المنظور السوري- هي إيران والتي يبدو أنها تريد البقاء في سوريا لمدة طويلة، مما سيسمح لها بتوفير السلاح إلى حزب الله بطريقة سهلة، ليواصل بدوره تهديد إسرائيل. ورد الإسرائيليون بغارات جوية على مواقع إيرانية وجماعات وكيلة لها في سوريا والعراق. ولم تكن طهران قادرة على الرد بفعالية على هذه الغارات، وهو ما خلق انطباعا أن إسرائيل تستطيع الدفاع عن نفسها من مخاطر الحرب السورية.
وفيما يتعلق بالحفاظ على القوة الأمريكية في المنطقة، فسوريا هي حالة تعادل، فمن جهة، حصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على إعجاب من قادة بالمنطقة لقراره التدخل في سوريا وإنقاذ الأسد، مقارنة مع الموقف الأمريكي الضعيف الذي رفض إنقاذ الرئيس المصري محمد حسني مبارك عام 2011. ولكن الحرب السورية، من ناحية أخرى، لم تؤد إلى تنازل أو ضعف في القوة الأمريكية ولا قدرتها في الدفاع عن مصالحها في المنطقة. ففي موضوع انتشار السلاح النووي، قام الإسرائيليون بالعبء الأكبر، وفجّروا عام 2007 المفاعل النووي السوري. وظلت الأسلحة الكيماوية التي كان من المفترض أن يسلموها بعدما توسط بوتين عام 2013، لكن الأسد لم يكن متعاونا بشكل كامل. وهذا موضوع لم يحظ بانتباه، لأن الأسلحة المتبقية ستستخدم ضد السوريين وليس في أي مكان آخر. وردّ ترامب على استخدام السلاح الكيماوي بعد فترة من توليه السلطة ولكن غاراته لم تؤثر على مسار النزاع.
وما يمكن أن يجعل أمريكا مهتمة بسوريا هي عمليات مكافحة الإرهاب، ذلك أن البلد تحول لبؤرة جماعات إرهابية، بعضها قد انتهى. ولهذا على واشنطن الحفاظ على علاقاتها ودعمها لقوات سوريا الديمقراطية الكردية، رغم اعتراض عضو الناتو تركيا، التي تراهم جماعة إرهابية تابعة لحزب العمال الكردستاني الذي شن حربا ضد مصالح الأتراك. وهذا هو الوضع في سوريا، ومن هنا على صناع السياسة الأمريكيين الالتزام بالحذر ومراقبة المسرح هناك. ومشكلة بايدن أنه تعهد بوضع القيم في مقدمة السياسة الخارجية. ولكن بايدن قد يتوصل إلى نفس النتيجة التي سمعها الكاتب من شرطيين في نيويورك وهي عدم وجود رهانات أخرى للولايات المتحدة فيما يتعلق بمصالحها، سوى مواصلة العقوبات وملاحقة الإرهابيين وشحب عدوانية الأسد ضد مواطنيه، حتى يتغير شيء قد ينهي الكابوس السوري.
المصدر: “القدس العربي”