بوتين “القاتل”

بسام مقداد

العاصفة، التي أثارها جو بايدن بموافقته على وصف بوتين بالقاتل، جاء وقعها في روسيا كوقع “حركشة” عش الدبابير. ولم تنته بعد العاصفة، التي خلقتها في روسيا والعالم من التعليقات والتخمينات بشأن دوافع بايدن من وصفه هذا، وأثره على العلاقات الأميركية الروسية. إلا أنها لم تهب على الولايات المتحدة، وحتى لم تحتل الصفحات الأولى في مواقع إعلامية أميركية، بل جاء وصف بوتين بالقاتل في سياق اللغة السياسية الأميركية المعتادة، على قول كتاب روس.

في سياق مقابلة للرئيس الأميركي جو بايدن، في 17 من الجاري، مع مقدم البرامج في قناة ABC الأميركية جورج ستيفانوبوليس، الناطق الصحافي السابق في رئاسة بيل كلينتون الأولى، وفي رد على سؤاله ما إن كان يعتبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قاتلاً، قال بايدن بعد لحظات “أجل”. ورأى البعض، أنه لو لم يرد بالإيجاب على السؤال، لكان سارع الصحافي على الفور إلى سؤاله: وماذا عن مقتل زعيم المعارضة بوريس نمتسوف، وتسميم المعارض نافالني وقبله سيرغي سكريبالا وإبنته يوليا. ووعد بايدن في المقابلة بفرض عقوبات جديدة على روسيا في وقت قريب، رداً على التدخل الروسي المفترض في الإنتخابات الروسية الخريف الماضي لصالح دونالد ترامب، والذي تحدث عنه تقرير المخابرات الأميركية ، قبل المقابلة بساعات.

في اليوم التالي، رد بوتين على بايدن بتعبير قال بأن الأطفال يرددونه في عراكهم “من ينعت الآخر بصفة، يكون هو على هذه الصفة” ( يتم حالياً تداول شريط فيديو على شبكات التواصل الإجتماعي يصور بوتين وهو يرد على بايدن)، وتمنى لبايدن العافية “دون مزاح أو سخرية”، ودعاه لمواصلة النقاش الفضائي حول العلاقات بين البلدين، التي لم يسبق أن وصلت إلى هذا المستوى من التدهور. إلا أن روسيا دعت سفيرها في واشنطن إلى موسكو “لتحليل ما الذي ينبغي عمله”، وإلى أين ينبغي السير في العلاقات مع الولايات المتحدة، وتحديد سبل تقويم هذه العلاقات في واقعها الحالي “الخطير”. دبلوماسياً ، هذه الخطوة تعني الإستياء الشديد من أعمال الطرف الآخر، لكن من دون إتخاذ خطوات عملية سلبية تزيد العلاقات تدهوراً.

يقول موقع “republic” الروسي المعارض، أن السفير لم يتم إستدعاؤه، لكن في حال تدهور لاحق في علاقات البلدين يمكن أن يبقى إلى أجل غير مسمى. وتعتبر هذه الخطوة أحد سيناريوهات “تخفيض مستوى العلاقات الدبلوماسية، الذي تلحظه المرحلة الثانية من العقوبات الأميركية على موسكو، التي إُعلن عنها مطلع الشهر الجاري، وذلك  بناء على إتهامات الغرب للكرملين بإستخدام السلاح الكيمائي في تسميم المعارض نافالني العام الماضي وسيرغي وإبنته يوليا سكريبالا في بريطانيا العام 2018.  وكما هو مفترض بهم، هبّ أعضاء مجلس الإتحاد ومجلس الدوما (البرلمان) للدفاع عن الكرامة القومية، التي لحقت الإهانة بها، واتهموا بايدن بالخَرَف.

يتساءل الموقع، ما إن كانت خطوة بايدن تجاه بوتين، هي نتيجة تسرعه في الكلام المعروف عنه، أم أنها إشارة  ـــــ رسالة إلى الكرملين محسوبة ومدقق بها، وتصعيد مدروس للنزاع مع بوتين، لا يمكن عدم الرد عليه. ينفي الموقع، أن يكون ظل كلينتون يخيم على خطوة بايدن، الذي كان يعي ما يقدم عليه، وفكر ملياً قبل أن يوافق على وصف بوتين بالقاتل.

لكن ما الذي تعنية إشارة بايدن للكرملين؟ من المحتمل برأي الموقع، أنها تعني إستحالة أي لقاء شخصي في المستقبل المنظور بين الرئيسين الأميركي والروسي. قد يتقاطعا في قمة G20، إذا ما عُقدت بالحضور الشخصي، وليس من قمة للأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن الدولي، التي كان يدعو بوتين لعقدها، كما لن تكون هناك قمة ثنائية، مثل ما حدث مع ترامب في هلسنكي. ويتفق كل هذا مع ما برز في عهد بايدن من معالم إستراتيجية تخفيض التفاعل مع روسيا إلى مجموعة الموضوعات، التي تهم واشنطن.

كما تعني خطوة بايدن أيضاً، حسب الموقع ، إشارة إلى زعماء “الدول السبع” الآخرين وبلدان الناتو، بأن يختصروا التواصل الشخصي مع الزعيم الروسي إلى الحد الأدنى. لكن كل عاصمة ستقرر بنفسها، بالطبع ، كيف تكون العلاقة مع روسيا. ماكرون لم يلغ، حتى الآن،  زيارته إلى روسيا، ورئيس وزراء اليابان الجديد سوغا صرح بضرورة اللقاء مع بوتين، من أجل مواصلة الحوار بشأن إتفاقية السلام مع روسيا، التي لم تُعقد بعد منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. لكن خطوة بايدن ستتبعها، بالتأكيد،  تعليقات معادية لروسيا، وهي ليست سوى “إطار” لمثل هذه التعليقات، إنما إطار بالغ الإزعاج، برأي الموقع.

صحيفة “Kommersant” السياسية الكبرى، كتبت عدداً من النصوص منذ، أن إندلعت الأزمة الأميركية الروسية الجديدة في 17 من الجاري، نقلت في واحد منها عن الناطقة الصحافية بإسم البيت الأبيض جين بساكي تأكيدها، بأن بايدن ليس نادماً على ما قاله بحق بوتين. لكنها أضافت بالوقت عينه، أن بوتين وبايدن متفقان، بأنه على روسيا والولايات المتحدة، أن تبحثا عن سبل التعاون، بالرغم من إختلاف وجهات النظر.

وفي نص آخر عنونته الصحيفة “ليس إمبراطورية الشر، بل الشر الكثير” قالت، بأن المخابرات القومية الأميركية نشرت، قبل ساعات من مقابلة بايدن، تقريراً حول محاولات موسكو مساعدة ترامب في إعادة إنتخابه لدورة رئاسية جديدة. ونقلت الصحيفة عن التقرير قوله، بأن  روسيا ليست القوة الخارجية الوحيدة، التي وقفت في الإنتخابات الرئاسية المنصرمة إلى جانب دونالد ترامب، بل وقف كذلك كل من إيران وفنزويلا وكوبا وحزب الله.

تنقل الصحيفة عن مدير المجلس الروسي للعلاقات الدولية أندريه كارتونوف قوله، بأن إدراج روسيا في قائمة واحدة مع إيران وحزب الله وكوبا وفنزويلا، وغياب الصين، العدو الرئيسي للولايات المتحدة عن القائمة، يجعل التقرير أقل مصداقية. وللقول بتدخل موسكو في إنتخابات الخريف المنصرم هدفان: المزيد من تشويه سمعة دونالد ترامب المتهمة موسكو بمساعدته، وتمهيد الطريق لفرض عقوبات جديدة على روسيا.

موقع “Meduze” الروسي المعارض المقيم في البلطيق هرباً من الملاحقات يقول، بأن وصف بايدن لبوتين بالقاتل، أفضل من وصف أوباما له بالطفل، الذي “يجلس على المقعد الدراسي الأخير في الصف”. ويقول الموقع ، بأن أوباما كان يعتبر، أن روسيا هي بالمطلق “بلد بالصدفة وقوة تتلاشى”. ويعتبر الموقع، أن قول الولايات المتحدة وبريطانيا، بأن روسيا تمثل تهديداً هائلاً، هو تشريع لبوتين كزعيم، وإذا لم يتمكن، من أن يصبح صديقاً لأميركا، كما كان يرغب في مطلع حكمه، فقد أصبح “عدوها الأبرز”.

ويقول الموقع، أنه في سياق السياسة الأميركية، ليس مستغرباً، أن يسمى بايدن بوتين “قاتلاً”. وفي أميركا توجد روسيا أخرى، روسيا متخيلة لا علاقة مباشرة لها بروسيا الموجودة في الواقع . وإذا لم يكن الساسة الأميركيون يرغبون بالمشاكل، ولا باستعداء الرأي العام، فعليهم أن يسايروا هذه المشاعر. وهذا ما قام به بايدن، إذ كانت خطوته بوصف بوتين “قاتلاً”، والتي لم يندم عليها ، موجهة للداخل وليس للخارج.

المصدر: المدن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى