سقط الأسد.. لن يسقط 

عبد السلام حاج بكري

ما نزال –نحن السوريين- منذ عشر سنوات نقع في المطبّ ذاته، الركون للإشاعات وتصديقها والتعامل معها كأنّها واقع معاش، كم مرّة شهدنا انشقاق فاروق الشرع، وكم انتظرنا ساعة الصفر الخلّبيّة، وما عدد المضادات الجوّية التي وصلت الجيش الحر، هل تذكرون بتر قدمي ماهر الأسد، والتدخل العسكري الغربي لإسقاط الأسد و… الأسد

عشر مرات أو مائة وربما ألف مرّة، توافق الغرب وروسيا على استبدال الأسد، وخلال ساعة ستدكّ البوارج الأمريكية بالتوماهوك معاقل بشار، وتقصف طائرات ستيلث مقرّات قيادات جيشه وأمنه، إنّها مصادر معارضتنا التافهة وإعلامنا المعارض الهزيل، نعم نحن شركاء في تأليف القصة وترويجها، ألم يخترع غوار الطوشة أزمة السكر ويسابق الآخرين لشرائه وتموينه.

في الصيف، بعد شهرين، خلال ساعات أو أيام، إنّها نهاية الطاغية، والطاغية يسخر في سرّه من جهالة الأخصام، وهو الذي يدرك يقيناً أنّه مستمر في حكمه بدعم ممن يظنّون بأنّهم يسعون لإسقاطه.

أُدين نفسي أولاً، فقد كنتُ أحد المروّجين لمثل هذه الإشاعات، وقعت في الفخّ كما وقع فيه غيري، في مطلع العام الماضي، أكّد لي برلماني أوروبي أنّ نهاية بشار ستكون في الصيف، نقلت ما قاله لي إلى وسائل الإعلام، دون تعليق موافق أو معترض، تاركاً للقارئ حق الاستشفاف والتمحيص، ولم تسنح الظروف لمحادثته مجدداً وسؤاله عن سبب تسريب تلك المعلومة وحقيقتها وفق معطيات العام الماضي، وما الذي تغيّر فألغاها.

واقع الأمر، نحن غرقى نتعلّق بقشّة، ولكن لا قشّة نتعلق بها، فنرسمها ونمدّ أيدينا لتنقذنا، ظننا بالعرب خيراً، فكانوا شرّاً مستطيراً زاد فرقة المفرّق، ودفعوا للاقتتال البيني بعيداً عن الهدف الأهم، تحوّلت أقلامنا لرسم حلم جديد فكتبت قرارات أممية، ونشرتها قبل اجتماع مجلس الأمن والأمم الكبيرة.

وقبل هذا وذاك، صرخت حناجرنا “يا الله مالنا غيرك يا الله” وما نزال صامدين عليها، نستيقظ صباحاً مسارعين للفيس بوك على أمل قراءة خبر الصاعقة تضرب بشار وأعوانه، أو ذلك الزلزال الذي يتحدّث عنه الجيولوجيون منذ خمسين عاماً. الأسد

قبل أمس، وأمس، واليوم، وغداً، قرأنا ونقرأ وسنقرأ، استمعنا ونستمع وسنستمع، لأخبار الانتصار العظيم سياسياً وعسكرياً، الانتصار الذي يسحق بشار ومنظومته الإجرامية، ويعيد لسوريا مجدها التليد، موحّدة حرّة ديموقراطية، نعم هذا حدث ويحدث وسيحدث، اضحكوا كما يجب، هكذا نحن، نصدّق كل ما نسمع، نرشّ عليه من أطايب البهارات، ونضعه في فرن الترويج، نستلب عقول البسطاء، وندفعهم لرفع أياديهم إلى السماء الخاوية من الغيوم مبتهلة المطر.

نجرم بحق أنفسنا أولاً، وحقّ بقية السورييّن ثانياً، وندعو من غير قصد لتكاسل لا يحتاج غالباً دعوى، وقد آن للثورة المكنونة في الصدور أن تنفجر في وجهنا، فترمينا على المزابل التي نستحق، على الأقل لأننا قدّمنا وجبات لا تسمن ولا تغني من جوع، فلا أكلوا وما تركناهم يبحثون عن طعام.

كل العالم يبيعنا الأمل من أمريكا إلى الأمم المتحدة والدول الغربية المتحضّرة التي تدّعي زيفاً إنسانية هي أول من يسفحها، إلى عسكر روسيا وميليشيات إيران، والأمل الحقيقي هو فقط في ما نعمل، نعم فقط في العمل الذي تؤديه أيدينا وعقولنا. الأسد

تأخرنا كثيراً لنتيقّن أننا وحدنا من يؤازرنا، ولعلّ البعض لم يتقيّن بعد، لكنها الحقيقة التي تأخر العمل بمقتضاها عشر سنوات، ماذا لو بدأنا اليوم، وتعالوا لا ننتظر حلول مناسبة كذكرى الثورة الوشيكة، بل على الفور، نعمل على أنّنا وحدنا في هذا العالم، وعلينا مواجهة الطاغية والعالم معا للوصول إلى ما نريد.

نتوقف الآن عن الاستماع للمنظّرين والأخبار، نغلق هواتفنا، نفكّر في الحلّ، نعمل له، عسكرة وسياسة وأحزاب، صدق وإخلاص ومؤازرة، لا نترك لحظة تمرّ دون استثمارها في طريق سوريا الجديدة، الآن الآن، فقد لا يكفي ما تبقى في أيام كثيرين منّا لمعايشتها حرّة، كفى بالمعتقلين عذاباً وقهراً، وبالنازحين تشرّداً، وبذوي الشهداء حزناً.

لن يسقط الأسد ما لم نسقطه نحن، ولن يقوم بناء سوريا، إلا إذا بنيناه نحن، كلّهم يريدونه، ولا يريدون سوريا، يلهثون خلف ما يريدون وليس ما نريد نحن.

=====================الأسد

المصدر: ليفانت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى