(لا شرعية للأسد وانتخاباته): حملة عالمية تليق بثورة الشعب السوري في ذكراها العاشرة

محمد خليفة

مع بداية شهر شباط / فبراير الجاري أطلق الناشطون السوريون في الداخل والخارج حملة عالمية جديدة ضد بشار الأسد، على خلفية اتجاهه لتكرار مسرحية الانتخابات الرئاسية في الربيع القادم، وتجديد ما يزعم أنه شرعيته، كرئيس للجمهورية العربية السورية، لدورة رئاسية مدتها سبع سنوات ، هي الرابعة منذ توريثه السلطة عام 2000 خلفا لوالده الهالك ، والثانية بعد ثورة عام 2011 الشعبية ، وما تلاها من حروب وصراعات .

 عنوان الحملة الرئيسي ( لا شرعية للأسد وانتخاباته ) أطلقه وأطلقها ” اتحاد تنسيقيات الثورة في العالم ” وهو فصيل سياسي معروف ، من فصائل الثورة والمعارضة ، يتميز بالحيوية والحركية والحضور ، في الداخل والخارج ، له فروع في العديد من الدول ، حيثما ينتشر المهجرون السوريون ، من الداخل المحرر وتركيا ، الى كندا والولايات المتحدة ، مرورا بدول أوربا .

خلال أيام قليلة انضم للحملة 120 مكونا من مكونات الثورة ، وعدد كبير من الشخصيات الوطنية المستقلة ، مما وفر لها ديناميات فاعلة كثيرة ، وأكسبها زخما كبيرا ، وقدرة على الوصول الى عشرات العواصم في العالم ، وبخاصة في الغرب .

ثلاث سبعات عجاف !  

يأتي هذا التطور اثر ظهور مؤشرات رسمية على عزم بشار الأسد تكرار مهزلة انتخابات 2014 التي زعم النظام وقتذاك أنها أول انتخابات رئاسية تجري على أساس التعددية منذ حركة 1963 العسكرية التي أوصلت حزب البعث للسلطة . وقال النظام إن هذه الانتخابات تطبيق لدستور 2012 الذي كتبه وفصّله الأسد على مقاسه، ليحكم سورية كما حكمها أبوه . وكانت الانتخابات خلال عهده ( 1970 – 2000) تتم بطريقة الاستفتاء وبلا أي مرشح سواه .  وأعلن نظام الأسد يوم 4 يونيو فوزه فيها على منافسيه حسان النوري وماهر حجار بنسبة 88,7% .

في ذلك الوقت قبل سبع سنوات عجاف ، شكك العالم الحر والديمقراطي كله بشرعية الأسد أصلا ، وبصدقية وجدية العملية الانتخابية . إذ صرحت المتحدثة الرسمية باسم الخارجية الأميركية ماري هارف ( إن الانتخابات الرئاسية في سورية اليوم عار ، لأن بشار الأسد ليس له مصداقية اليوم أكثر مما كان عليه بالأمس ، وفي بلد لا يوجد فيه مجتمع مدني حر ، تعتبر عملية الاختيار هذه وضعا شاذا لا يمكن تصوره). وصرح وزير الخارجية البريطانية وليام هيغ (إن الأسد لم يكن له شرعية قبل الانتخابات، وما زال يفتقر للشرعية بعدها، وهي انتخابات لا علاقة لها بالديمقراطية، خصوصا أنها تجري في ظل حرب دائرة مستعرة) .

 كما أصدر سكرتير عام الأمم المتحدة بان كي مون بيانا جاء فيه ( إن هذه الانتخابات في ظل الحرب الجارية وتشريد السوريين يمكن أن تضر بآفاق الحل السياسي ، وتتعارض مع نص وروح بيان جنيف ) .

ورفض بيان للاتحاد الأوروبي الانتخابات ووصفها بالمهزلة ، كما أصدر مجلس التعاون الخليجي بيانا رفض فيه الاعتراف بشرعية الانتخابات وبشار الأسد .

أما الدول التي أشادت بالانتخابات فهي دول غير ديمقراطية ، أو مارقة ، كإيران وروسيا والصين وأوغندا وبيلاروسيا وأرمينيا وسلطنة بروناي وكوبا وكوريا الشمالية والصومال وأفغانستان !

والأهم مما سبق أن المسؤولين الروس روجوا عبر صحافتهم ولبعض ضيوفهم السوريين والأجانب في اعقاب تلك العملية – المهزلة بهدف امتصاص ردود الأفعال عليها (إنها آخر مرة يسمح فيها لبشار الأسد بالحكم ، وسيكون عليه مغادرة السلطة بعد نهاية هذه الدورة ). ويبدو الآن أن الروس أرادوا بهذا الكلام تمرير وتبرير المهزلة التي ساندوها ، وكسب سبع سنوات اضافية، في وقت كانت 133 دولة تطالب بخروجه من السلطة فورا طوعا أو قسرا ، وإنقاذ الشعب السوري من جحيم الحرب التي يشنها ضده ، مع العلم أنه كان قد فقد فعليا السيطرة على 60% من مساحة سورية الاجمالية ، وقت الانتخابات ونزح أكثر من عشرة ملايين سوري عن مدنهم وقراهم .

حملة كبرى لتذكير العالم الأبكم : 

يكرر الروس اليوم ضلوعهم في ألاعيب حليفهم بشار الأسد ورعايتها ، إذ أن أول إشارة رسمية عن الانتخابات المقبلة لم تأت على لسان أي مسؤول في دمشق ، وإنما على لسان الممثل الشخصي للرئيس بوتين الكسندر لافرينتييف في زيارته السرية الى دمشق مع ثلاثة جنرالات كبار لابلاغ الأسد عدم رضا بوتين عن محاولاته الاتصال بإدارة بايدن بدون التشاور مع موسكو ، وبدون الحصول على إذنها ! إذ تبين لاحقا أن لافرينتييف أعرب عن دعم بلاده للانتخابات الرئاسية القادمة ، باعتبارها ” استحقاقا دستوريا ” ، آملا أن تكون “منعطفا ” ايجابيا في علاقات الأسد بالعالم . مما يوحي بأن روسيا ليست طرفا متفرجا على مهزلة الأسد ، بل شريك فاعل وكامل المسؤولية ، لا سيما أن تصريح فيصل المقداد وزير خارجية الأسد صدر بعد ، لا قبل تصريح المسؤول الروسي . وكأن القرار اتخذه بوتين قبل أن يتخذه عميله في دمشق ! .

لذلك كان من الطبيعي والمنطقي أن يأتي رد الفعل الشعبي الثوري سريعا ، بحملة منسقة وواسعة على امتداد العالم ، متعددة المستويات ، تتضمن :

أولا – تظاهرات جماهيرية في كل مكان من العالم ، وخصوصا في الداخل المحرر . وحتى الداخل المحتل بقوات الاحتلال الثلاثي الأسدي – الروسي – الايراني . وأكد رئيس لجنة اتحاد التنسيق وعضو لجنة المتابعة معتز شقلب أن شعارات وهاشتاغات وهنافات الحملة انتشرت في مدن خاضعة لسلطة الأسد متحدية كل التدابير الأمنية ، وكتبت على بعض الجدران ، فضلا عن وسائل التواصل الاجتماعي .

ثانيا – مخاطبة الشعب السوري بكل طوائفه ومكوناته ، داخل الوطن وخارجه ، لمقاطعة هذه الانتخابات المزيفة  وفضح جرائم الأسد ، وتنبيه الجميع بلغة وطنية هادئة وواعية ، تتجنب الاستفزاز والتحدي الى أن بقاء الطاغية في السلطة لا يعني سوى استمرار التدهور الاقتصادي والأمني وتمزيق النسيج الوطني ، بدون أي مكسب لأي مكون أو أحد ، أو طرف في العالم باستثناء حلفاء الأسد .

ثالثا – فعاليات نخبوية رفيعة المستوى السياسي والديبلوماسي ، يشرف عليها ويوجهها دبلوماسيون سابقون انشقوا عن النظام ، وسياسيون ، وأكاديميون متخصصون ، ترمي للاتصال بعشرات الدول والمنظمات الدولية والاقليمية بلا استثناء ، والاجتماع بمسؤولي الدول ووزارات الخارجية في الدول الديمقراطية لشرح القضية وفضح ألاعيب الأسد ، وحلفائه ، وارسال مذكرات قانونية وسياسية بكل اللغات في العالم ، لتذكير جميع المسؤولين في البلدان الديمقراطية والعربية ، واسماعهم أصوات ومواقف الشعب المظلوم من خطورة الآثار المترتبة على اجراء هذه الانتخابات ، وسماح المجتمع الدولي ببقاء سفاح قاتل على رأس السلطة ، وهو يقود ميليشيات اجرامية تقتل وتنهب وتخرب ، تسلم البلاد لقوى أجنبية تشاركه جرائمه وتدعمه بالسلاح والمال والمقاتلين تحقيقا لأطماعها ومكاسبها الاستعمارية ، على حساب الشعب السوري ومصالحه . وأولى هذه الآثار استمرار المقتلة وحالة الحرب والاضطراب الداخلي والاقليمي مهددة بتقسيم سورية وتفتيتها وزوالها ، ومهددة بتفشيها في بقية دول الاقليم . وأعلن السيد شقلب أن ” الحملة ” بدأت اتصالاتها فورا بلقاء مع مسؤولين في الخارجية الفرنسية ، وأن هؤلاء اعربوا عن تأييدهم للحملة ، ودعمها ويتبنون منطلقاتها وأهدافها .

رابعا – حملة اعلامية واسعة تخاطب المجتمعات المدنية والأحزاب السياسية والمنظمات الحقوقية العالمية ، عبر وسائل الاعلام الكبرى في العالم العربي وأوروبا .

الحملة في بدايتها ويتضمن برنامج فعالياتها الكثير جدا من النشاطات الجماهيرية والنوعية في الداخل والخارج ، وستظل تتصاعد حتى منتصف شهر آذار / مارس القادم حيث تحل الذكرى السنوية العاشرة لاشتعال الثورة السورية . وستشهد المناسبة فعاليات كثيرة وكبيرة ، تجمع المناسبتين رفض الانتخابات ، وذكرى الثورة المباركة .

شعار الحملة الثابت هو ( لا شرعية للاسد وانتخاباته ) اضافة لشعارات اسبوعية متعددة تتغير كل اسبوع ، تذكر العالم ( الأصم !) بجرائم بشار الأسد السابقة واللاحقة والمستمرة ، وخصوصا جرائم الحرب والابادة التي ارتكبها ، هو حلفاؤه وميليشياتهم وقواتهم ، للمطالبة بمحاكمتهم ومحاسبتهم ، لأن السلام في سورية مشروط بتحقيق العدالة ، وإزالة النظام القائم على الارهاب والقتل ، بكل حلقاته ومؤسساته ومنظوماته السياسية والاديولوجية والأمنية والطائفية. وعلى الأخص تذكير العالم الذي فقد حواس السمع والبصر والاحساس بوخز الضمير بمأساة نصف مليون معتقل يموتون يوميا تحت التعذيب .

الحملة تعبير ثوري ووجداني وأخلاقي بمعاناة عشرين مليون سوري كل أنواع المعاناة والألم والعذاب المادي والمعنوي والنفسي يوميا على مدى عشر سنوات أخيرة ، سبقتها معاناة نصف قرن لم تنقطع ولم تتوقف ، بل تصاعدت واستفحلت حتى انفجر زلزال آذار/ مارس 2011 ، وهز أركان سورية ومحيطها ، وما زالت ارتداداته تميد وتموج تحت أقدام طغاة الشرق الاوسط كله ، ولا يبدو أنها ستتوقف قبل أن تسقط عروش الاستبداد ، بما فيها الدول التي سارعت للاصطياد في مياه الأزمة السورية ودماء شعبها ، وخاصة ايران التي هربت من استحقاقات الحرية ورياحها ، لتواجه موجات متتالية منها في عقر دارها ، وتبدو موضوعة على لائحة الثورات القادمة حتما بفعل ما راكمته من كبت وغضب في قلوب شعوبها المضهدة ، ولن ينفعها كثيرا الهرب الى الأمام ، في سورية ولبنان والعراق واليمن وغزة ، لأن جذوة النار كامنة تحت اقدامها .

الشعب السوري أصبح إمام الثورات ، وحامل نار الغضب الالهي على الظالمين المتجبرين الذين يحكمون باسمه ظانين به ظن السوء .

الشعب السوري حامل مشعل الحرية ، وحملة (لا شرعية للأسد وانتخاباته) رسالة الى كل حلفائه وطغاة المنطقة جميعا ، وكل الذين شاركوا في “المقتلة” على أرض الشام المقدسة ، قائلين للجميع : من هنا مر المغول ، ومر الفرس ، ومر الافرنج ، وكلهم ذهبوا وذابوا في تاريخها ، وتحولوا سمادا في ترابها الطاهر .

  المصدر: المدار نت 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى