تشهد الساحة الدبلوماسية نشاطاً روسياً غير عادي، وتحديداً على خط تطبيع العلاقات السورية مع المحيط العربي، وما يتصل بهذا الملف، كالعلاقة مع إيران و”حزب الله” ودورهما في المرحلة المقبلة. ذاك أن علامات قلق ترتسم على وجوه المسؤولين الإيرانيين، وبخاصة المرشد علي خامنئي حيال الجهود الروسية الجارية، وعدم أخذ الدور الإيراني في الاعتبار، كما حصل في صفقة التبادل الأخيرة. آخر هذه المؤشرات على أزمة الثقة، رسالة خامنئي إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الشهر الماضي، والتي وصفها الدبلوماسي الإيراني السابق أمير موسوي في تصريحات إعلامية بأنها “مهمة جداً وتاريخية وتتضمن مواقف صعبة جداً”، إذ “تُحذر القيادة الروسية من التباطؤ في تنفيذ التزاماتها وبخاصة في العلاقات مع إيران”.
الواضح أن طهران مزجت في الرسالة بين تحذيرها إلى الجانب الروسي، وبين ضمانة شفوية بصون العلاقة الإيرانية -الروسية من أي اتفاق مع الولايات المتحدة. الدبلوماسي الإيراني حسين أمير عبد اللهيان الذي وصف الرسالة بالاستراتيجية في مقال على الموقع الرسمي للمرشد، تحدث عن ظروف دولية جديدة “في ظل التطورات الجارية في البيت الأبيض”، في إشارة إلى أن أي اتفاق لن يكون على حساب هذه العلاقات. رسالة خامنئي، وفقاً لعبد اللهيان، “تؤكد لحلفاء إيران الإقليميين، أن أي قرار سوف يصدر عن البيت الأبيض لن يغير شيئاً في توجه الجمهورية الإسلامية في ما يخص تعزيز وتطوير العلاقات الاستراتيجية بين طهران وموسكو وبكين”.
بغض النظر عن الكلام الدبلوماسي المنمّق، من الواضح أن هناك توتراً بين الجانبين، وأزمة ثقة، سيما مع الدفع باتجاه إعادة سوريا الى جامعة الدول العربية وتعميق علاقاتها مع خصوم لطهران في المنطقة. نتيجة هذه التوترات، يأتي اعلان النائب الايراني مجتبى توانكر عن إلغاء الجانب الروسي اجتماعاً بين بوتين ورئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف بعد رفض الأخير بروتوكولات خاصة بالجائحة من دون الإفصاح عنها. واللافت هنا أن بوتين استلم الرسالة ليس عبر قاليباف، ولكن عبر ممثل خاص عيّنه لهذه المهمة.
الجانب الروسي بات مصراً على استثناء ايران من استراتيجيته السورية، لكن ذلك لا يعني على الإطلاق تخلياً كاملاً عن طهران وجنودها هناك. بيد أن الوجود الإيراني ورقة دائمة الفائدة في أي مفاوضات بين موسكو من جهة، وبين واشنطن واسرائيل، من جهة ثانية. موسكو لا تريد رمي هذا الدور في سلة القمامة، بل تُفضل بقاء ايران بشكل محدود وعدم زوال هذا الوجود نهائياً كورقة. والنظام أيضاً لاعب في هذا المجال، ويرى مصلحة في المقاربة الروسية، رغم القلق حيال انعدام التوازن بين الطرفين الروسي والإيراني.
لم تخل أي محادثات سورية-إسرائيلية منذ مؤتمر مدريد حتى اليوم، من الحديث إما عن قدرة النظام السوري على التخلص من “حزب الله”، أو عن الثمن المطلوب اقليمياً لقاء ذلك. حتى إن مذبحتين وقعتا ابان العهد السوري في لبنان، وهما “فتح الله” (1987) و” 13أيلول” (1993)، مثلتا عن قصد أو دونه، رسالتين الى الولايات المتحدة وإسرائيل في خصوص قدرة النظام السوري في إدارة “حزب الله”.
بالتأكيد، أي محادثات مع الجانب العربي، أو مع إسرائيل نفسها، ستتضمن وعوداً في هذا الشأن، في مقابل بعض المساعدات أو الاستثمارات المالية. المفارقة أن إيران التي تُطمئن الجانب الروسي حيال أي اتفاق مرتقب مع الولايات المتحدة، قد تجد نفسها قريباً بلا واشنطن وبلا موسكو، ذاك أن المنطقة تضيق باللاعبين، وباتت هناك حاجة لتحديد مساحات النفوذ.
المصدر: المدن