الاسد في الحضن الذي لم يغادره

ساطع نور الدين

الحُضن حيزٌ عاطفيٌ حميمٌ، يتوسطه القلب، لا يفتح إلا للحب أو الجنس. ولا يجوز أن يشرّع في السياسة أو أن يباح للسياسيين، مهما كانت نوازعهم ورغباتهم، أو أن تتحول مفردات مثل إحتضان أو حاضنة.. الى مصطلحات سياسية رائجة، لا تثير سوى الشكوك في الهوية الجنسية لمستخدميها.

الحُضن العربي مفتوحٌ هذه الايام على وسعه. والنظام السوري ينتظر اللحظة التي يرتمي فيها مجدداً في ذلك المكان الدافئ، الذي أخرج منه طوال عشر سنوات كاملة من البرودة والجفاء، تخللتها بين الحين والآخر، فترات حميمة جرى التعبير خلالها عن العشق السياسي المتبادل في السر..

في الايام القليلة الماضية عبرت دولة الامارات والسعودية وقبلهما مصر والعراق.. علناً، عن التعب من تلك العلاقة العاطفية المحرمة، وطلبت فتح الحُضن العربي لعودة سوريا ونظامها، بعد طول إنتظار. كانت دمشق ولا تزال جاهزة، لكي تصفح، ولكي تنسى كل الاتهامات القاسية التي وجهتها الى تلك الاحضان الخليجية والعربية بأنها شاركت يوماً في المؤامرة الكونية إياها.

تجديد تلك العلاقة ونقلها من السر الى العلن، بات كما يبدو قريباً. في الاصل لم تكن الطلاق بائناً بين تلك الانظمة الشقيقة. ولقاء العواطف والاهواء والمصالح يمكن ان يتخطى بسهولة آخر العقبات الموضوعة على طريق دمشق. قانون قيصر، الذي يتحدث عنه الاماراتيون والسعوديون وسواهم للنظام السوري، ليس بذي بال. والادارة الاميركية الجديدة يمكن ان تعيد النظر به، أو تجمد مفاعليه، على غرار ما يحصل مع إيران.

بناء على سوابق السنوات الماضية، لا يمكن ان تندرج الحملة “العاطفية”الخليجية الراهنة في سياق الهزيمة أمام النظام السوري، أو أمام إيران وروسيا في ساحة الصراع على سوريا. هي أقرب ما تكون الى المجاهرة بما هو قائم فعلاً بين الحاضن، وبين المحضون، الذي لن يتورع عن طلب الاعتذار المسبق والتعويض عما فات من تلك اللقاءات السرية الحميمة.

ولكي لا يخطئ أحد في الظن او في قراءة التاريخ، لم يكن أي من الذين يفتحون أحضانهم اليوم للنظام السوري، مع الثورة السورية ولا مع غالبية الشعب السوري الذي أطلقها قبل عشر سنوات. جميعهم عملوا ضدها على الدوام. جميعهم أخطأوا في خياراتهم السورية، قبل أن يكتشفوا سريعاً أن سوريا، كانت بحاجة الى بعض الاصلاحات للنظام، لا أكثر.

ولكي لا يسيء أحد التقدير، فإن فتح الاحضان للنظام السوري لا ينم عن رؤية سياسية عميقة، تسعى الى إستعادة بلد عربي وشعب عربي شقيق، بل يمكن ان يضاف الى الاخطاء السياسية الفادحة التي إرتكبتها تلك “الاحضان”، سواء في اليمن او العراق أو حتى لبنان.. وغيره من “دول غرب آسيا” حسب التوصيف الرسمي الايراني لبلدان المشرق العربي، وحسب التوصيف الاكاديمي الروسي لتلك البلدان.

لا حاجة للبحث عن ذرائع لفتح تلك الاحضان. العاطفة تغلب السياسة وحساباتها البسيطة. لمّ شمل الانظمة العربية، يزداد إلحاحاً على الجميع، من دون أدنى إعتبار لما يمكن ان يكون الصدى في كل من طهران وموسكو وواشنطن. والنظام السوري ليس لقيطاً، (كالنظام اللبناني الهجين مثلا)، ومكانه الطبيعي محفوظ بين أشقائه، حتى ولو إقتصر دوره على مواجهة “الفتح العثماني” المزعوم.

لا حاجة أيضا للسؤال عن موعد ذلك الاحتضان المرتجى: سوريا تسقط في المجاعة فعلا، ونظامها معتل، ورئيسها مصاب بكورونا: هل من حجة أهم لإعادة سوريا؟ هل تكون العودة الى الحُضن العربي قبل الانتخابات الرئاسية السورية المقررة بعد شهرين، ام يكون اللقاء العاطفي فور اعلان فوز الرئيس بشار الاسد بولاية رابعة، في لحظة درامية عربية لا تنسى؟

 

المصدر: المدن

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى