الأسباب العميقة لخلافات تركيا وحلفائها الغربيين

محمد خليفة

يلاحظ خبير وأكاديمي تركي أن الرئيسين بايدن وأردوغان لم يتبادلا الاتصال بينهما حتى الآن رغم مرور قرابة الخمسين يوما ، كما يفعل قادة الدول كلما وصل رئيس جديد الى البيت الأبيض ، ولا يوجد موعد محدد وقريب للاتصال بينهما .

ورأى الخبير سمير صالحة استاذ العلاقات الدولية في الجامعات التركية أن هذه الحالة تعكس الجفاء وعدم الود على المستوى الشخصي بين الرئيسين . كما يعكس مدى الافتراق والتأزم السياسي بين الدولتين اللتين كانتا حليفيتن وثيقتين منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ، تتعاونان على المستوى الاستراتيجي . وقال إن مواقف الرئيس بايدن السلبية إزاء السياسة التركية والرئيس أردوغان ليست جديدة ، فهو هاجم أردوغان بشدة قبل سنة على الأقل ، وكرر الهجوم في حملته الانتخابية ، إضافة الى أن لافتات كثيرة رفعت في شوارع أميركا في الحملة الانتخابية مكتوب عليها : أوقفوا أردوغان .

هذه الحالة أخذت تعتري العلاقات التركية – الأميركية بعد وصول “حزب العدالة والتنمية” الى السلطة قبل عشرين عاما ، وتبنيه مسارا أكثر استقلالية على الساحة الدولية ، اكتمل بالتقارب الذي طرأ على علاقات تركيا الأردوغانية وروسيا البوتينية ، توجته صفقة صواريخ إس 400 ، التي اعتبرتها الولايات المتحدة انتهاكا لالتزامات تركيا بميثاق حلف شمال الأطلسي وشروط عضويتها فيه . وهي علاقة امتازت بقوتها طوال خمسة عقود من الحرب الباردة ، إذ ظلت تركيا الجبهة الأهم للحلف وللغرب ، وحصلت تركيا بموجبها على مساعدات ضخمة ، احتلت الدرجة الثانية بعد معونات الولايات المتحدة الخارجية لإسرائيل، ومزايا كثيرة أخرى ، ساعدتها على تحقيق طفرة هائلة في نموها وتقدمها الاقتصادي والعسكري ، فضلا عن حضورها الدولي .

وأشار صالحة الى أن العلاقات بين أنقرا وواشنطن تدهورت إثر المحاولة الانقلابية التي حدثت عام 2016 ، إذ وجهت القيادة التركية اتهامات غير مباشرة لإدارة أوباما بالضلوع فيها . ثم تفاقمت الخلافات أكثر في عهد ادارة ترامب ، لولا أن العلاقات الشخصية الحسنة بين ترامب وأردوغان نجحت في استيعاب التناقضات الحادة ، وحدت من امكانية تدهورها ، وحصرتها في صفقة الصواريخ الروسية ، وها هي تشهد اليوم تفاقما وتزايدا في العديد من الملفات المختلف عليها ، وتشمل حقوق الانسان ، وتطبيقاته على حقوق الشعب الكردي في تركيا وسورية والعراق ، إضافة للسياسة التركية في شرق المتوسط ، بدءا من التوتر المزمن مع الجارين اليوناني والقبرصي ، وصولا الى التدخل العسكري في ليبيا .. إلخ .

في لقاء خاص مع د . صالحة حضرته مجموعة من المثقفين والناشطين السوريين ، وصف الخلافات بين تركيا الأردوغانية وحلفائها السابقين ، الولايات المتحدة ، وفرنسا ، والمانيا ، بأنها أعمق وأكبر من العناوين السابقة المعروفة والمصرح عنها . وقال إن أسبابها الحقيقية تعود الى عزم تركيا القوي على مضاعفة اهتمامها ببناء قدراتها العسكرية ، وتنميتها بشكل خاص ومستقل عن الناتو والغرب . وضرب مثلا على ذلك بوجود سبعمائة (700)مشروع صناعي ضخم تخدم بناء القوة التركية يجري تفعيلها وتطويرها ، بما فيها صناعة الطيران ومنظومات الصواريخ القصيرة ، والمتوسطة ، والبعيدة المدى ، وقال إن تركيا غدت إحدى الدول الأربع الأكثر انتاجا للطائرات المسيرة في العالم .

وأضاف الأكاديمي الذي يعد قريبا من حزب العدالة والتنمية أن السياسة الأردوغانية تمنح الأولوية المطلقة لتطوير قدراتها العسكرية في كل المجالات ، وتنفق عليها بسخاء ، وهي تبحث عن بدائل لطائرة إف 35 التي أوقفت اميركا بيعها لها ، بسبب الصواريخ الروسية . ما يعني أن تركيا لن تذعن للضغوط الأميركية ، ولن تتراجع عن سياسة الاستقلال عنها ، حتى ولو أدت لأزمة مع الناتو ، لأن الحلف أكثر حاجة لتركيا من حاجتها هي له ، وهو لا يمكنه الاستغناء عنها . كما كشف صالحة أن تركيا ستلجأ للقضاء الأميركي لحسم الخلاف مع الادارة بشأن تجميد صفقة إف 35 .

وكشف سمير صالحة استنادا الى دوائر استخبارية تركية أن الولايات المتحدة تبني حاليا قواعد عسكرية جديدة في أراضي اليونان بقرب الحدود التركية إضافة للقواعد الخمس التي تملكها منذ عشرات السنين في اليونان . وقال إن تركيا لا تخشى نقل القواعد الأميركية والأطلسية من تركيا الى اليونان إذا تفاقمت الأزمة بين الجانبين . وكشف أيضا أن الولايات المتحدة راجعت وعدلت ثلاث مرات خلال العامين الأخيرين اتفاقات تعاونها العسكري مع اليونان بهدف توسيعها وتطويرها لمواجهة الخطر التركي ، الأمر الذي يعكس نوايا معادية واضحة لتركيا .

واشار الخبير التركي الى أن التوجهات التركية على الصعيد الخارجي هدفها حاليا دعم الهدف الاستراتيجي السابق، أي دعم استقلالية التوجهات التركية على كل الأصعدة ، بما فيها السياسية والعسكرية ، وقال إن هذه التوجهات تزعج الأميركيين والحلفاء الأوروبيين، وخاصة الفرنسيين . وقال إن العلاقات مع الصين وروسيا تأتي في هذا السياق ، وكذلك مساعي ترميم العلاقات مع الدول العربية ومعالجة التوترات التي شابتها خلال الأعوام السابقة . وأكد أن هناك توجها لتحسين العلقات مع مصر والسعودية والامارات العربية . وقال إن العلاقات مع مصر تتحسن ببطء ولن تعود الى الوراء.

 

المصدر: المدار نت

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى