في بداية عقدها الثاني الثورة السورية إلى أين؟

بسام يوسف

لم يكن السوريون الذين تجرؤوا على خوفهم في آذار 2011، ونزلوا ليصرخوا قهرهم في الشوارع، يتوقعون أنهم سيقفون بعد عشر سنوات على مشهد بلدهم المدمر، كان منظر التونسيين والليبيين والمصريين قد أشعل حماسهم، ودفعهم للاعتقاد أن الأوان قد حان، وأن فرصتهم في تغيير واقعهم السيئ قد أزفت، ولم يكونوا يتوقعون أبدا أن يكون ثمن حلمهم وحقهم بحياة تليق بهم كل هذا الدم وهذا الخراب.

إذاً اعتقد السوريون أن الفرصة مناسبة لتغيير واقعهم المرير المعاش، فثاروا، لكن (النظام/ العصابة) الذي يحكم سوريا اعتقد أيضا أنها فرصة مناسبة لاستعادة تجربة الثمانينات، وأن إخضاع هذا الشعب بالعسف والقمع مرة أخرى لعقود قادمة ممكن. كذلك وجدت إيران الحالمة بأن تجعل سوريا جزءا من امبراطوريتها، تدار على طريقة حزب الله، أن الفرصة مناسبة لتحقيق حلمها، في الإمساك ليس بمواقع المحسوبين عليها فقط، بل وعلى المجتمع، والجيش، والاقتصاد. وإسرائيل أيضا وجدتها فرصة مناسبة فهل هناك وسيلة أفضل لتدمير سوريا عسكريا وسياسيا واقتصاديا؟، ثم انضمت روسيا وأميركا لاعتقادهم أنها الفرصة المناسبة لهم لتحقيق مصالحهم في منطقة بالغة الأهمية.

انقسم السوريون سريعاً، بين متوهم أن النظام سينتصر سريعا على من ثاروا ضده مستحضراً تجربة الثمانينات، وبالتالي فإن محاباة هذه العصابة المجرمة هو رأس الحكمة، وربما كافأه “الحاكم بأمره” على وقوفه معه، وبين متوهم بأن المجتمع الدولي ينتظر فقط بعض الدم ليتدخل، وينهي مهزلة حكم آل الأسد كما فعل مع القذافي، وبين سياسيين لا يرون في سوريا إلا كرسي سلطة، وبين طائفيين يرون أن الحرب بين طوائف وبين.. وبين.

هكذا ضاعت أصوات السوريين الحالمين بسوريا وطنا واحدا حرا كريما لكل السوريين في ضجيج الأصوات الصاخبة المتصارعة، وهكذا وجدت الأطراف الخارجية سهولة بالغة في تجنيد السوريين من أجل مصالحها، حتى لو كانت ضد مصلحة السوريين، وهكذا بدأ مسلسل تدمير سوريا ولايزال مستمرا.

كان من الطبيعي في صراع كهذا أن يكون السوريون هم الخاسر الأكبر وربما الوحيد، وكان من الطبيعي أن يعزّز الدم المسفوح من حدّة انقسام السوريين، وأن تتعمق الهوّة بينهم أكثر فأكثر.

اليوم وبعد عقد كامل من هذا الصراع نقف على مشهد سوري فريد من نوعه في التاريخ، فهناك سلطة منهارة، مشلولة، تسندها جيوش وأطراف خارجية كي لا تلفظ أنفاسها الأخيرة، وهناك “معارضات” هشة، شديدة البؤس، تابعة وتبحث عن موطئ قدم لها من بوابة الدول الإقليمية، وليس من بوابة الوطن، وهناك شعب مشتت في كل أصقاع الأرض، ومن بقي منه في سوريا يسكن الخيام، أو يعيش ظروفا من الجوع والفقر لم تعرفها سوريا إلا خلال الحرب العالمية الأولى.

وسط كل هذا السواد، وبعد سنوات عشر على الجلجلة السورية الرهيبة هل ثمة أمل في خروج سوريا من كارثتها، وهل ثمة أمل في استعادة السوريين لحق تقرير مصيرهم وبناء وطنهم؟

لعل أكبر فاجعة في هذا الخراب السوري الشامل تكمن باختصار شديد في يأس السوريين، وقبولهم جميعا بتفويض تقرير مصيرهم للآخرين، وانتقالهم بكاملهم إلى حالة الانتظار، لكأن عشر سنوات كشفت حتى العري حقائق كثيرة لم تعلمهم أن الآخر لن يقرر إلا ما يخدم مصالحه، وأن هذا الانتظار لن يفضي إلا إلى تكريس هذا الخراب، وجعل الخروج منه مستحيلا.

عشر سنوات قالت لنا كلنا، بكل تصنيفاتنا، وبكل فصاحة وبلاغة ووضوح إن هذا النظام / العصابة، لا تعنيه سوريا، ولا الشعب السوري، إلا كما يعني العبد لسيده، وإن هذه العصابة لن تتردد لحظة واحدة في بيع ما تبقى من سوريا أرضا وشعبا ومصيرا لمن يبقيها في موقع السلطة.

عشر سنوات قالت لنا بكل فصاحة وبلاغة ووضوح إننا لسنا في نظر المجتمع الدولي شعبا يباد، ويجوع، ويهجر، بل نحن مجرد أعداد وجدنا في منطقة جغرافية بالغة الأهمية لمصالح القوى الفاعلة، وبالتالي فإن ما يعني هذا المجتمع ليس مصيرنا، بل مصير هذه الجغرافية.

عشر سنوات قالت لنا كلنا إنه ما من أحد منا سينجو وحيدا، وإننا كلنا في المحرقة سواء، وما يختلف هو فقط وقت وصول هذه المحرقة لهذا أو لذاك.

عشر سنوات قالت لنا كلنا إنه ما من خلاص لنا إلا على جثة هذه العصابة الحاكمة، التي خرّبت سوريا وتحرس اليوم هذا الخراب وتتاجر به.

لدى السوريين ما يستطيعون فعله، في الداخل والخارج، لإنقاذ وطنهم، وما فعلته الثورة السورية رغم كل مسارها الفاجع هو بالغ الأهمية، فهذه الثورة حطمت واحدة من أعتى ديكتاتوريات العالم في العصر الحديث، وجعلتها مجرد واجهة هشة ستنهار بمجرد أن يتوقف حقن جسدها المتفسخ بالمقويات من هذا الطرف الخارجي أو ذاك.

وهذه الثورة علمت السوريين جميعا أبجدية الحرية، وأذاقتهم طعمها ومعناها، ولن يعودوا أبدا كما كانوا قبلها، ولن يقبلوا بعد اليوم أن يكونوا عبيدا في مزرعة الطغمة الحاكمة.

وهذه الثورة وضعت ملايين السوريين الذين عاشوا معزولين عن العالم، وقوانينه، وتطوره، لعقود طويلة على احتكاك مباشر مع مجتمعات وحضارات وثقافات أخرى.

وهذه الثورة حطمت وإلى الأبد شعارات الكذب التي سوقها النظام طوال سنوات حكمه، وكشفت أيضا وهم المجتمع الدولي ومدى حمايته لحق الشعوب.

فهل يمكن اليوم، وبعد كل هذه التجربة المريرة والدروس البليغة، أن يقرر السوريون في كل مناطق تواجدهم أن يغادروا انتظارهم، وأن يبادروا الى امتلاك حق تقرير مصيرهم؟

إنها مسؤولية الجميع، فهل يبادر سوريون في الداخل والخارج لرسم مسار آخر يوحد السوريين حول وطنهم، وينهي هذه الفرقة السورية التي لم نحصد منها إلا الخراب وارتهان الوطن لمصالح الآخرين؟

المصدر: موقع تلفزيون سوريا

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى