صحيح أنّه بالنسبة إلى إدارة حريصة على العودة إلى الاتّفاق النوويّ كإدارة الرئيس الأميركيّ جو بايدن، ثمّة الكثير من العقبات السياسيّة التي تحول دون تحقيق هدفها في المستقبل المنظور. وإيران مسؤولة عن الغالبيّة الساحقة من هذه العقبات. بالرغم من جميع التنازلات التي قدّمتها واشنطن لصالح الإيرانيّين، يصرّ هؤلاء على رفع العقوبات أوّلاً قبل التراجع عن خرقهم لبنود الاتّفاق والذي يصفونه بأنّه تعبير عن “إجراءات علاجيّة”. تدرك واشنطن أنّ إيران كانت في خرق للاتّفاق حتى قبل الانسحاب الأميركيّ. على سبيل المثال، فشلت إيران في تقديم تفسير تقنيّ مقنع لآثار اليورانيوم المخصّب التي وجدها مفتّشو الوكالة الدوليّة للطاقة الذرية في منشأة توركوزآباد في العاصمة طهران.
قانون المراجعة
في وقت يشكّل السلوك الإيرانيّ عقبة كأداء أمام إحياء الاتّفاق النوويّ في المدى المنظور، ثمّة إشكاليّة قانونيّة أخرى قد تصعّب عودة واشنطن إلى الاتّفاق حتى لو توفّرت النوايا اللازمة. إنّه قانون مراجعة الاتّفاق النوويّ والمعروف اختصاراً باسم “إينارا”. أقرّ الكونغرس في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما هذا القانون ليتمكّن من الاطّلاع على حسن تطبيق إيران للاتّفاق النوويّ ولـ”أيّ اتفاق مرتبط ببرنامج إيران النوويّ… بصرف النظر عن الشكل الذي يتّخذه”. هذا القانون، بحسب المساعد السابق لوزير الخارجيّة ستيفن رادمايكر، هو العائق الثاني أمام إحياء الاتّفاق الذي نادراً ما يتمّ الحديث عنه.
يسمح قانون “إينارا” للكونغرس بالتصويت على ما إذا كانت إيران ممتثلة للاتّفاق بصرف النظر عن موقفي رئيسي مجلس النواب ومجلس الشيوخ. ويفرض القانون على الرئيس إخطار الكونغرس بالالتزام الإيرانيّ كلّ 90 يوماً. وفي حال لم يحصل ذلك، يعيد الكونغرس فرض العقوبات على إيران. ويذكّر رادمايكر في موقع “ريل كلير وورلد” بأنّ أوباما قدّم الاتّفاق النوويّ إلى الكونغرس وفقاً للقانون نفسه في 2015 حين عارضه جميع الجمهوريّين و 25 نائباً ديموقراطيّاً في مجلس النوّاب وأربعة ديموقراطيّين في مجلس الشيوخ. ويضيف أنّه بالنظر إلى ضيق هامش تقدّم الديموقراطيّين في الكونغرس الحاليّ، سيحتاج بايدن إلى دعم تشريعيّ أقوى ممّا تتمتّع به أوباما كي لا يواجه انتكاسة لسياسته الإيرانيّة (علماً أنّ الكونغرس كان جمهوريّاً حينها).
هامش واسع للتفسير
في نيسان وتمّوز 2017، أعلن الرئيس الأميركيّ السابق دونالد ترامب بتردّد أنّ إيران كانت ممتثلة للاتّفاق النوويّ. في تشرين الأوّل من السنة نفسها، امتنع ترامب عن المصادقة مشيراً إلى أنّ إيران كانت في خرق لروحيّة الاتّفاق. وترك الأمر للكونغرس كي يعيد فرض العقوبات. كان معظم المقرّبين من ترامب رافضين أو متردّدين في إعلان انسحاب الإدارة من الاتّفاق.
احتاج ترامب لمسؤول يعطيه المشورتين القانونيّة والسياسيّة لتحقيق تطلّعه. حدث ذلك مع تعيين جون بولتون مستشاره لشؤون الأمن القوميّ في آذار 2018 خلفاً للجنرال أتش آر ماكماستر. وبعد أسابيع، عيّن مايك بومبيو وزيراً للخارجيّة بديلاً من ريكس تيليرسون الذي كان أيضاً رافضاً للانسحاب من الاتّفاق النوويّ. وبعد أقلّ من شهرين، وقّع ترامب قراره الشهير بإنهاء عضويّة الولايات المتّحدة في “خطّة العمل الشاملة المشتركة” وإعادة فرض العقوبات على إيران.
بالرغم من أنّ حاجة ترامب إلى تغيير في إدارته لتسهيل خروجه من الاتّفاق، أمّن “إينارا” تسهيلات كثيرة لإظهار أنّ إيران تنتهك الاتّفاق. فهو نصّ على “الانتهاك المادّيّ” وعلى “عدم الامتثال” لبنوده كدافع باتّجاه تعليق رفع العقوبات. تعني العبارة الأولى أيَّ خرق أو فشل في الالتزام بتوفير المنافع لبرنامج إيران النوويّ، أو تخفيض المدّة التي تحتاج إليها إيران لصناعة سلاح نوويّ، أو الانحراف عن أو تقويض غاية الاتّفاق. أمّا العبارة الثانية فتتضمّن أيّ تخلٍّ عن الاتّفاق لا يقع ضمن الخرق أو الانتهاك المادّيّ له.
ينصّ القانون أيضاً على أن يكون تعليق العقوبات “متناسباً” مع الإجراءات التي تتّخذها إيران و”حيويّاً لمصالح الأمن القوميّ الأميركيّ”. ترك هذا الأمر مجالاً واسعاً لتفسير الرئيس أو الكونغرس لماهيّة الانتهاكات الإيرانيّة. في الوقت الراهن، يصبح التفسير المتشدد أكثر ضرورة بما أنّ إيران في خرق متصاعد لالتزاماتها النوويّة حيث تقترب تدريجيّاً من الحصول على السلاح النوويّ. لهذا السبب، لن تكون طريق عودة بايدن إلى الاتّفاق النوويّ معبّدة. مع ذلك، قد لا تكون العودة مستحيلة أيضاً.
تطوّرات
في كانون الأوّل 2020، وقّع 150 نائباً ديموقراطيّاً رسالة يطالبون فيها إدارة بايدن بالعودة إلى الاتّفاق النوويّ. يساعد هذا الرقم بايدن على نقض أيّ تشريع من الكونغرس يطالبه بنيل موافقته قبل العودة إلى الاتّفاق النوويّ. يحتاج الجمهوريّون إلى ثلثي أعضاء مجلسي الشيوخ والنوّاب لتخطّي الفيتو الرئاسيّ. لا يبدو ذلك وارداً في الوقت الحاليّ بما أنّ الديموقراطيّين يسيطرون على كلا المجلسين ولو بفارق ضئيل. ويرى صامويل هيكي من “مركز حظر انتشار الأسلحة” أنّه من غير الواضح نوع الظروف التي ستطلق مراجعة من الكونغرس وفقاً لقوانين “إينارا” لكنّه يعتقد أنّ احتمالات وجود عوائق تشريعيّة مستدامة أمام العودة إلى الاتّفاق ضئيلة.
لكن بين كانون الأوّل وآذار، طرأت تطوّرات كثيرة يمكن أن تعدّل في حماسة بعض هؤلاء النوّاب للموافقة على العودة السريعة إلى الاتّفاق النوويّ. هاجمت إيران أربع مرّات المصالح الأميركيّة في العراق وآخرها أمس الأربعاء، وقلّصت قدرة المفتّشين الأمميّين على مراقبة نشاطات إيران النوويّة بحدود 70%. وأعلن المرشد الإيرانيّ الأعلى علي خامنئي أنّ بلاده ستخصّب اليورانيوم بنسبة 60% ممّا يقرّبها أكثر من تصنيع سلاح نوويّ لا سيّما أنّ طهران تعمل على إنتاج معدن اليورانيوم الذي يدخل أيضاً في صناعة الرؤوس النوويّة. ومع مسار التصعيد الإيرانيّ في الأشهر القليلة الماضية، لا يمكن استبعاد ازدياد في حدّة هذا التصعيد خلال المرحلة المقبلة.
بصرف النظر عمّا إذا كان “إينارا” قادراً في المدى المنظور على عرقلة بايدن في العودة إلى الاتّفاق النوويّ ولاحقاً في المصادقة على الالتزام الإيرانيّ به كلّ 90 يوماً، قد لا يستغلّ الأخير صلاحيّاته وهامش المناورة لديه إلى الحدّ الأقصى حتى لو أتيح له هذا الأمر. فبعد سنتين، يمكن أن يستعيد الجمهوريّون الكونغرس. والتشدّد اليوم مع إيران قد يقيه من صداع داخليّ جديد هو بغنى عنه طوال النصف الثاني من ولايته.
المصدر: النهار العربي