لو لم يكن بشار الاسد قد أصبح سهل المنال، لما تم التعرض له في يوم واحد، وبهذا الشكل الفاضح، من الجهتين اللبنانية والاسرائيلية اللتين يفترض أنهما تدعمانه وتطمئنان إليه وتتمنيان بقاءه في السلطة، وهو بلا شك يبادلاهما الاطمئنان والأمان..من دون أن يبدو أن هاتين الجهتين قصدتا الاساءة إليه أو إلحاق المزيد من الضرر بسمعته.
الضربة الاولى التي تلقاها الاسد، جاءت من صهر رئيس الجمهورية اللبنانية رئيس التيار العوني جبران باسيل، الذي نسب إليه علناً، وربما زوراً، كلاما طائفياً مشيناً، بحق لبنان وبحق سوريا أيضاً، مفاده أنه “لو بقي مسيحي واحد في لبنان فيجب أن يكون هو الرئيس وأن تكون صلاحياته قوية، ففي ذلك مصلحة للبلدين، أن يبقى المسيحيون بدورهم وخصوصياتهم..وأن يبقوا أقوياء، لكي لا يرحلوا فنفقد التنوع، ويقوى التطرف…”
لم يذكر باسيل متى سمع هذه المقولة من الاسد، التي أوردها في سياق “ما تعلمته سوريا من أخطائها في لبنان”. الارجح أنها كانت قبل الثورة السورية، عندما نسج التحالف السوري العوني الذي كان الاساس الذي بنيت عليه معركة إنتخاب الجنرال ميشال عون رئيساً. مع ذلك فإنه يستبعد ان يكون الرئيس السوري المنتمي الى مدرسة حلف الاقليات المشرقية، قد إستخدم تعبير “لو بقي مسيحي واحد”.. إلا إذا كان يتنبأ بأن رئاسة عون لن تبقي غير مسيحي واحد في لبنان.
لكن الأمر يحتاج ربما الى توضيح من دمشق لتلك النبؤة المزعومة، التي تخيف المسيحيين بلا أدنى شك، والتي تهين المسلمين على أقل تقدير.. والتي كان إستحضارها من قبل باسيل جزءا من تلاعبه المتمادي والخطير بالمسلمات والتوازنات الطائفية اللبنانية أولا والسورية أيضاً، وخرقه المتواصل لأعراف التخاطب السياسي، الذي بلغ حد نسبة كلام طائفي الى الأسد، لا يخدمه كثيراً لا في لبنان ولا في سوريا، مثلما لا يفيد رئيس التيار العوني وجمهوره المسيحي سوى في تأكيد تعلقه وإرتباطه بنظام سوري لا مستقبل له.
قد يتأخر ذلك التوضيح المنشود من دمشق، التي لم تتأخر في توضيح أو بالاحرى في نفي صفقة حصول النظام على صفقة لقاحات روسية المضادة لفيروس كورونا دفعت ثمنها إسرائيل، كهدية مقابل الافراج عن شابة إسرائيلية غير مستقرة نفسياً، تسللت الى سوريا ولم تكن معتقلة في سجونها، لا بتهمة التجسس ولا بتهمة خرق الحدود السورية أو المس بالأمن القومي السوري. لكن يبدو أن قسوة اللغة التي إستخدمتها دمشق في بيان النفي لتلك البادرة الاسرائيلية، (العدو الاسرائيلي المحتل للارض..)، أغضبت الاسرائيليين، الذين كانوا يتوقعون الشكر او الصمت، ودفعتهم الى توجيه صفعة مدوية للاسد، عندما كشفت صحفهم ان الصفقة تشمل بالتحديد شراء ما بين 50 و60 ألف جرعة لقاح روسي بقيمة 1.2 مليون دولار أميركي، مخصصة فقط لتطعيم النخبة الحاكمة في سوريا، أي الاسد شخصياً وعائلته والقيادة المحيطة به.
كان يمكن للصفقة أن تمر مرور الكرام، وأن تسجل في رصيد الجهد الروسي الدؤوب للتقريب بين سوريا وإسرائيل، لكن الأمر يرقى الى مستوى الفضيحة، إذا لم يكن يعزى الى شغب من داخل حكومة نتنياهو او ربما من جهة سياسية إسرائيلية ما، على ذلك الدور السياسي، والتجاري الذي تقوم به موسكو على خط دمشق وتل أبيب. وربما أيضا، لا يمكن إستبعاد حسن أداء الاعلام الاسرائيلي وقوته.
المهم أن الحديث الاسرائيلي يدور الآن عن تمويل حملة تلقيح للنخبة الحاكمة في سوريا ، التي يقدر الاسرائيليون أن عددها لا يتجاوز 60 ألف شخص، أو بالأحرى 30 ألف شخص، إذا كان الشخص الواحد يحتاج الى جرعتين من ال60 ألف جرعة التي إشترتها إسرائيل. وهو تقدير ضئيل جدا لتلك النخبة، لا يشمل سوى العائلة الحاكمة والقيادات السياسية والعسكرية العليا، ويترك “ملايين” الموالين للنظام ، من دون مناعة ضد الوباء القاتل.
قد لا يبدو السلوك الاسرائيلي غريباً، لكن، كيف تمضي روسيا بهذه الصفقة الضيقة المصممة للنخبة الحاكمة في سوريا، من دون أن تتوقع الفضيحة، أو تمنع تسربها، المسيء الى دورها ولقاحها، والى روابطها بالنظام.. الذي لم يكن يتوقع ان تأتيه مثل هذه الضربة من إسرائيل، ومعها ضربة “المسيحي الوحيد” من لبنان، في يوم واحد!!
المصدر: المدن