تعهد الرئيس الأميركي جو بايدن الجمعة بـ”عودة التحالف بين ضفتي الأطلسي” في خطاب سعى إلى إعادة ترسيخ موقع الولايات المتحدة في قيادة الغرب ضد ما وصفه بالهجوم العالمي على الديمقراطية.
وترافق الخطاب الذي ألقاه أمام مؤتمر ميونخ السنوي للأمن، المنعقد عبر الإنترنت بسبب جائحة كوفيد-19، مع ترحيب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بالعودة إلى “التعددية” بعد سنوات المواجهة التي اتسم بها عهد سلف بايدن دونالد ترامب.
وقال بايدن الذي أدلى بأول خطاب دولي كبير له حول السياسة الخارجية منذ أن أصبح رئيساً في يناير/كانون الثاني، إن حلفاء الولايات المتحدة التقليديين يجب أن يثقوا مرة أخرى بقيادة واشنطن.
وقال من البيت الأبيض: “أتحدث إليكم اليوم كرئيس للولايات المتحدة، في بداية إدارتي، وأبعث برسالة واضحة إلى العالم: الولايات المتحدة عادت، لقد عاد التحالف العابر للأطلسي”.
وقال: إن “الولايات المتحدة مصممة وعازمة على إعادة التعامل مع أوروبا والتشاور معكم واستعادة مكانتنا المتمثلة في القيادة الموثوقة”.
وأكّد بايدن الذي تحدث في وقت سابق إلى قادة من مجموعة الدول السبع الديمقراطية الثرية، إن إدارته عازمة مرة أخرى على بناء التحالفات، على عكس سياسات ترامب الانعزالية والمعاملة القاسية لشركاء الولايات المتحدة.
وقال بايدن: “لقد استمرت شراكاتنا ونمت على مر السنين لأنها متجذرة في ثراء قيمنا الديمقراطية المشتركة”، في إشارة واضحة إلى تأكيد ترامب على إعادة تعريف الحلفاء كمنافسين اقتصاديين.
وأشار بايدن إلى أنّ القوة الجماعية هي الطريقة الوحيدة للنجاح عندما تكون المنافسة العالمية بين الديمقراطية والاستبداد عند “نقطة تحول”.
وقال بايدن: “في العديد من الأماكن، بما في ذلك في أوروبا والولايات المتحدة يتعرض التقدم الديمقراطي للهجوم”. وتابع: “سيفحص المؤرخون هذه اللحظة ويكتبون عنها. إنها نقطة تحول. وأعتقد من كل ذرة من نفسي أن الديمقراطية يجب أن تسود”.
تهديدات روسيا والصين
وأكّد الرئيس الأميركي الجديد أنه لا ينوي “العودة إلى تكتّلات الحرب الباردة الجامدة”، مشيراً إلى ضرورة عمل الأسرة الدولية سوياً على مسائل مثل جائحة كوفيد-19 والتغير المناخي حتى مع وجود اختلافات عميقة حول مسائل أخرى.
وأشار إلى أن عودة الولايات المتحدة، اعتباراً من الجمعة، إلى اتفاقية باريس للمناخ دليل على نوايا واشنطن. وقال بايدن: “لم يعد بإمكاننا عمل الحد الأدنى لمعالجة تغير المناخ أو تأخيره”، واصفاً ذلك بـ”أزمة وجودية عالمية”.
كما حذّر بشدة من التهديدات التي تشكلها روسيا والصين. وقال بايدن: إن “الكرملين يهاجم ديمقراطياتنا… يستخدم الفساد كسلاح لمحاولة تقويض نظام حكمنا”. وتابع “يسعى بوتين لإضعاف المشروع الأوروبي وحلف شمال الأطلسي”. وأضاف: “يريد تقويض الوحدة عبر الأطلسي وعزيمتنا، إذ إنه من الأسهل بكثير بالنسبة للكرملين الترهيب وتهديد الدول وحيدة بدلاً من التفاوض مع مجتمع عابر للأطلسي قوي وموحد”.
والجمعة، أعلن البيت الأبيض أنّ بايدن تخلى عن خطة طرحها سلفه ترامب لدعوة روسيا للانضمام إلى مجموعة السبع التي طردت منها روسيا على خلفية ضمها شبه جزيرة القرم بالقوة في 2014.
وأفادت السكرتيرة الصحافية جين ساكي الصحافيين المسافرين مع بايدن على متن طائرة الرئاسة: “لا أعتقد أننا سنوجه دعوات جديدة إلى روسيا أو نكرر دعوات جديدة لروسيا”، وتابعت: “من الواضح أن الدعوة ستتم بالشراكة مع شركائنا في مجموعة السبع”.
كما حضّ بايدن حلفاء بلاده على العمل معاً لمواجهة التحديات السياسية والاقتصادية الصينية.
وقال: “علينا الاستعداد معاً لمنافسة استراتيجية بعيدة الأمد من الصين… علينا ضمان أن تتم مشاركة فوائد النمو بشكل واسع وبالتساوي، ليس من قبل البعض فقط”. وتابع: “يمكننا مواجهة انتهاكات الحكومة الصينية الاقتصادية والإكراه وتقويض أسس النظام الاقتصادي العالمي”.
وأكّد أنّ “الشركات الصينية يجب أن تخضع لنفس المعايير” الشديدة التي تواجهها الشركات الأميركية والأوروبية الموجودة في الصين.
من جهته، حذّر الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ناتو) ينس ستولتنبرغ من أنه على الحلفاء الغربيين وشركائهم إقامة علاقات أقوى في مواجهة “عواقب” صعود الصين على الأمن عبر الأطلسي.
وقال ستولتنبرغ خلال المؤتمر: إن “صعود الصين يعد مسألة مصيرية بالنسبة للمجتمع الأطلسي مع عواقب محتملة على أمننا وازدهارنا وأسلوب حياتنا”. وتابع: “لذلك، ينبغي على حلف شمال الأطلسي تعميق العلاقات مع شركائنا المقرّبين، مثل أستراليا واليابان، وإقامة علاقات أخرى حول العالم”.
وفي الملف الإيراني، أكد بايدن أن على الولايات المتحدة العمل مع القوى الكبرى في العالم “للتعامل” مع أنشطة إيران “المزعزعة للاستقرار”.
وقال إن إدارته “مستعدة لإعادة الانخراط في المفاوضات” مع مجلس الأمن الدولي بشأن برنامج طهران النووي. وأضاف: “علينا أن نتعامل مع أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار في أنحاء الشرق الأوسط. سنعمل مع شركائنا الأوروبيين وغيرهم بينما نمضي قدماً”.
ترحيب بالنهج الجديد
وحظي النهج الذي طرحه بايدن بردة فعل جيدة في أوروبا. وقالت ميركل في حديثها للصحافيين بعد القمة الافتراضية لمجموعة السبع: “من الواضح أن التعددية ستحظى مرة أخرى بفرصة أقوى”. وتابعت: “تعزز نهج التعددية خصوصاً من خلال تغير الحكومة الأميركية. أظهرت إدارة بايدن ذلك من خلال أولى قراراتها” بشأن العودة إلى اتفاق باريس للمناخ ودعم منظمة الصحة العالمية.
وأكّدت أيضاً تحذير بايدن بشأن روسيا، قائلة في مؤتمر ميونخ: “من المهم جداً أن نطور سياسة عبر الأطلسي تجاه روسيا”.
وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون: إن على أوروبا أن تكثف جهودها لضمان أمنها.
وأضاف في كلمته أمام المؤتمر: “إذا كنا نعتمد بشكل كبير على الولايات المتحدة داخل حلف شمال الأطلسي فيمكننا أن نضع أنفسنا في موقف أننا لم نعد نتمتع بالحماية على حدودنا”.
المصدر: فرانس برس/العربي الجديد