حدثت، على مر التاريخ، مشكلات بدأت صغيرة ثم تفاقمت إلى أن غدت أزمات مستعصية ولا حل لها، كلما تفرد بالسلطة حاكم اعتبر نفسه معصوما، تكمن المصلحة العليا للدولة والمجتمع في ما يصدر عنه، وانكار حق ، وملاحقة وقمع أي فرد أو تجمع في التعبير عن وجهة نظر حوله، أو اتخاذ موقف منه .
هذا ما حدث في كل مكان وزمان من عالم وتاريخ البشر . الغريب، أن حدوثه اتبع كل مرة آلية محددة انتهت دوما بكوارث لم ينج منها شعب أو دولة، أو… متفرد وصاحب عصمة ، لاسباب منها أن حاشيته به تكون العيون التي يرى بها الواقع، والآذان التي يستمع عبرها إلى ما يدور فيه، وأن علاقته المباشرة بما تحت سلطانه تكون إما مقطوعة أو واهية وبرانية، وبالتالي سطحية وجزئية، فلا عجب أن عزا ما يعتور سياساته من أخطاء وترتب عليها من نتائج سلبية إلى هذه الحاشية، وقال السذج من المؤمنين به أنه ليس السبب في مساويء حياتهم ، بل حاشيته هي السبب، وأنه لا يعرف بما يحدث، ولو عرف لما سمح به، وأن إصلاح أمورهم يكون بمنحه المزيد من ثقتهم به، وبتغيير حاشيته ،وليس بالبحث عن بديل له.
لا شك في أن للحاشية دورا خطيرا في المواقف والسياسات، المنصبة على مصالحها الخاصة ، التي يحميها قانون تستبعد غيرها منه، حسب تعريف ” الاستبداد” لدى عالم النفس الأشهر سيجموند فرويد . فالحاشية لا تتخذ القرار ، لكن اتخاذه مستحيل دون ما تقدمه من رؤى للواقع ومعلومات وشروح عنه ، ومقترحات حول سبل التعاطي معه، فإن كان ما يتخذه المتفرد من قرارات يجافي ما تريده ومصالحها، امتنعت عن تنفيذه، أو نفذته بأسلوب يخدمها، وضربت عرض الحائط بما قد يكون فيه من خدمة لمصالح غير المنتمين إليها، من الشعب، الذي يتغرب، لهذا السبب أيضا تغربا متدرجا ومتعاظما عن المتفرد، بما أنه يراه هو ولا يرى حاشيته أو يعرف شيئا عنها، ولا يسمح لاحد منها بالظهور إلى جانبه أو مشاركته ” عصمته”، رغم أن جشعها وفسادها ينعكس انعكاسا خطيرا عليه لدى من ينزهونه عن العيب أو الخطأ ، مثلما تنتج قراراته، التي تقف وراءها ، أزمة تطال علاقته بمواطنيه ومكانته عندهم، بل وتنقل غضبهم المتزايد إليه، ما دام كل أمر ينسب إليه وحده، وهناك في الحاشية من يشيد ليل نهار بحكمته وعصمته، ويؤكد من يتعاونون معه خضوعا لا قيد عليه لارادته، واستحالة أي يصدر أي أمر عن أحد غيره، مهما كان ثانويا وتافها.
يوجد معاونون للحكام في النظم التي لا ينفرد فيها شخص واحد بكل كبيرة وصغيرة، بيد أن هؤلاء لا يشكلون حاشية لمن يتولون الحكم، ولا يرتبطون بهم برباط شخصي أو مصلحي، بما أن الحكام يصلون إلى السلطة بتفويض زمني لا يتجاوزونه، ما داموا يحظون بدعم أغلبية نيابية تصل إلى البرلمان عبر تفويض انتخابي / شعبي وحدد بدوره، فلا وجود للحاجة إلي حاشية ولا يمكنهم التحول من بيروقراطيين يخدمون مصالح الدولة العليا عبر تطبيق قانونها بحذافيره، إلى حاشية لا مكان لها في الدولة، ولا ترتبط بشخص أو بمجموعة أشخاص تخضع الدولة والمجتمع لأهوائهم ، ولرغبات ومصالح القلة المحيطة بهم، غير المنتخبة وغير المفوضة بصلاحيات قانونية، ولا يهمها أن تخدم أحدا غير المتفرد وجيوبها وسيطرتها على كل شيء، بما تؤسسه من ثنائية على مستوى الدولة والمجتمع، حدها الأول متفرد لا يمكنه تخطي مصلحة حاشيته في القطيعة بينه وبين الواقع، وفي تعريفه عليه كما هو بالفعل، بل على الصورة كما ترسمها له، والمجافية غالبا لحقيقته، ليس لأنها مسؤولة وحسب عن ما آلت إليه، بل لأن حكم المتفرد يدوم بقدر ما يساند ما تتخذه من إجراءت للابقاء على مصالحها، فإن رفضها أحد موقف أعلمته أنه معاد له شخصيا.
يكمن خطر الحاشية في نظام المتفرد، المبني على سلطة نافية لأي نوع من المشاركة، ومن مؤسسات ترتبط بالدولة ومصالحها العليا، وليس بشخص متفردا أو بنظامه ، وترفض ما كان “عبد الرحمن الكواكبي” يسميه ” حكم الهوى”، ويرى فيه نقيض حكم القانون، وعابه على السلطنة العثمانية واعتبره سبب انهيارها، رغم ما كانت تبدو عليه من قوة وجبروت، بالنسبة لمن يراها عن بعد أو من خارجها.
في الختام: لا يعرف التاريخ متفردا لم يمر حكمه بتدمير مجتمعه، وينتهي بالقضاء على نظامه، الذي قد يحقق بعض الانجازات في مطالع عهده، لكنه سرعان ما يدمر ليس فقط ما حققه، وإنما كذلك وطنه وشعبه ودولته ومجتمعه. ومن لا يصدق، فلينظر إلى المانيا الهتلرية، وإيطاليا الموسولينية، وروسيا الستالينية، ومن نعرفهم من ” متفردينا” بالسلطان، الذين لم يترددوا في تدمير بلدانهم حجرا حجرا، وقتل كل من طالته أيديهم من شعوبهم، من أجل كرسي تؤكد تجارب العالم أن نظامهم كان دوما حاضنة هلاكهم!.
المصدر: سورية الأمل