اليوم ذكرى ميلاد جمال الثالث بعد المئة. ذكرى عزيزة على كل عربي وطني حر أبي. أكان ” ناصريًا ” أم لم يكن. كل من ولاؤه لأمته العربية وأرضه وشعبه يقدر جمال عبد الناصر ويدرك عظمة تجربته ورسوخ قيمها ودروسها ومثلها في ضمير الأمة وذاكرة التاريخ كما في آفاق المستقبل.. البعض تأخر في إدراك عظمة جمال عبد الناصر إلى ما بعد وفاته وتغير نهجه وانطلاق حروب مشبوهة عليه وعلى إنجازاته؛ هذا البعض يتحسر ألمًا على غياب جمال وما تلاه من انحدار أوصل الأمة إلى أسفل درك من الضعف والهوان.
في يوم مولده نحتفل وفاء للرجل العظيم وتعزية لأنفسنا وربما تهربًا من ضعفنا ومآسينا؛ أو مواربة خجلى.. نلجأ إليه وهو غائب عنا، نشكو إليه هوانا يعصف بنا. نستمد منه عزة كم باتت عصية فينا وعلينا.
نخاطب مجده. نناشد شموخه عله ينقذنا. نتوجه إليه عل كبرياءه يستر ذلا يلفنا من معتدين بيننا ومن حولنا.
جميل بل وجب الاحتفال بمولده وفاء وتذكرة وعهدًا.. والأجمل أن نحتفل
بالذكرى بإنجازات متجددة نحققها معًا ونزيح الستار عنها هدية وفاء لروح القائد الذي نذر حياته لنهضة مصر والأمة العربية …ليست تكفي الخطب والصور والتماثيل والاحتفالات حفاوة بالمناسبة.
ينبغي أن نحتفل بالمناسبة. جميلة تلك الحفاوة الحماسية للإعراب عن حبنا لجمال عبد الناصر.. والأجمل منها أن نترجم حبنا هذا عملاً جديًا ومواقف ميدانية تلتزم نهجه ومبادئه وقيم ثورته الخالدة…حرية الوطن وحرية المواطن. لا نهادن ولا نساوم في هذا.. إذا كنا نريد أن نكون ناصريين حقيقيين ووطنيين شرفاء.
فلن يبقى من ناصريتنا أثر إذا لم نكن عملًا مدويًا ضد كل أشكال الظلم والقهر والعدوان على الوطن وعلى المواطن؛ ولو ملأنا أسماع الدنيا صراخًا بأننا نحب جمال عبد الناصر، أو حجبنا السماء بصوره.
نحبه، فلا يكفي الحب من طرف واحد. وحتى يحبنا جمال وهو في عليائه، ينبغي أن نخلص لقيمه ومبادئه لا أن نغدر به ونكذب عليه.. لا يحتاج إلى كلامنا بل إلى أعمالنا الملتزمة به. الملتزمة بما قضى حياته يعبر عنه ويبنه ويحميه ويفديه. لا يحتاج صوره لترفع بل شعبه ليتحرر.
جميل أن نتحدث عن إنجازاته العظيمة وقيادته الفذة ومواصفاته الاستثنائية؛ جميل بل واجب علينا ذلك حتى تعرف أجيال الشباب عظمة جمال عبد الناصر.. والأجمل أن نقدم لهذه الأجيال نموذجًا ” ناصريًا “حرًا شريفًا عربيًا وحدويًا مترفعًا عن أية أنانيات أو مصالح شخصية أو فئوية؛ لنكون قدوة للشباب.
تنير لهم درب النهوض والتحرر والتقدم..
كم هو مسيء لجمال عبد الناصر أن يتقدم صفوف المحتفلين بذكراه من طعنوا نهجه وأساؤوا إليه بل من يتاجر باسمه ليل نهار:
تغطية لمواقف وممارسات لا تمت إليه بأية صلة؛ بل تعاديه وتناقضه..
أو تبريرًا لارتهانات مصلحية وضيعة لنظام هنا أو هناك لمشروع إقليمي خبيث هنا أو نفوذ أجنبي نفعي مدمر هناك.
كم هو غدر بالمناسبة وصاحبها من يحتفل بها وهو يرتمي في أحضان مشاريع مشبوهة تعادي الوجود العربي وتعمل على تدميره…عذرًا منك أبا خالد الخالد. عزاؤنا أن هؤلاء لا يمثلونك وإن حملوا اسمك؛ أو رفعوا شعاراتك.
اسمك محفور في وجدان شعبك العربي الذي أحببته وأحبك. ورسمك يبقى منقوشًا في ذاكرة تاريخنا الأبي الناصع وفي لوحة مستقبلنا العربي الذي لا ترضاه إلا مظللًا بالعزة والكرامة /، كما أنت وكما كنت في كل تاريخك.
” إنها ساعة للعمل وليست ساعة للحزن أو أية أنانيات أو مشاعر فردية “”.. فلتكن المشاعر المختلطة بالأسى والحزن والوفاء والتي تلفنا في هذه المناسبة الجميلة، مناسبة لعمل يليق بجمال عبدالناصر ويرتقي إلى مستوى عطائه وإخلاصه وقيادته التاريخية.
الشعب لن يرحم المقصرين ولا المتاجرين ولا المنافقين.
فلنطهر صفوفنا من كل المرتدين والمرتزقة والمأجورين ومن المتاجرين لنتقدم إلى الأمام حاملين قيم جمال عبد الناصر وليس صوره.
إنها مناسبة للتفكر والتأمل والعمل.. مناسبة للمراجعة والتقييم الموضوعي.. حالنا العربي في منتهى السوء.. أعداؤنا ينهشون جسدنا العربي الممزق. لن تنفعنا صور هنا أو هناك. ولن تنفعنا عواطفنا وإن كانت صادقة في حب جمال عبد الناصر.. لن ينفعنا إلا العمل الملتزم بما كان عبد الناصر ملتزمًا به في حياته النضالية كما في حياته الشخصية. آن لنا ان نتقدم بدلًا مما نحن فيه من تراجع وانقسام وخوف وارتهان…فلنتقدم ومعنا كل عربي حر شريف لا يقبل ما نحن فيه من ذل وضياع وهوان.
الناصري من كان ولاؤه لأمته وأرضه وشعبه عاملًا في الدفاع عنهم ذائدًا عن وجودهم كل عدوان من أي مصدر أتاهم.
أيها” الناصريون الأحرار ” تقدموا لملاقاة جمال في حقول الفقراء وسواعد العمال ومخيمات النازحين ومعارك الحرية والكرامة والدفاع عن الوجود المهدد برمته وكليته؛ في القدس في فلسطين وكل أرض عربية يعتدي عليها المعتدون عربًا كانوا أم أعاجم؛ صهاينة كانوا أم مسلمين أو ملحدين. تقدموا وستجدونه هناك في كل ميدان نضالي تحرري وحدوي. ستجدونه يطالب لكم بالعزة والكرامة. تقدموا ولا تهنوا وارفعوا قاماتكم دفاعًا عن وجودكم.. فلن تنفعكم إلا وحدتكم طريقًا لوحدة أمتكم.. طهروا صفوفكم من النرجسيين المتكلسين فقد غدوا عوائق في طريق مسيرتكم.
طهروا صفوفكم من المصلحيين الذين رهنوا إراداتهم بمصالح شخصية أو حزبية أو مادية أو أمنية.. لا تغرنكم الحياة الدنيا وأضاليل المنافقين المتاجرين بالشعارات أيًا كانوا. طهروا عقولكم من الجمود ونفوسكم من التقليد؛ تحرروا من الخوف فستجدون أنفسكم في مواقعكم الصحيحة مدافعين عن أمتكم وشعبكم وأرضكم ضد كل عدوان وكل المعتدين. ولسوف تنتصرون مهما غلت الأثمان وتبدلت أزمان.
494 3 دقائق