ميدل إيست آي: ظل سليماني.. كيف قلب موت الجنرال إستراتيجية إيران بالعراق رأسًا على عقب؟

نسب موقع “ميدل إيست آي” البريطاني (Middle East Eye) إلى مصادر عراقية سياسية وشبه عسكرية وأمنية قولها، إن السلطات الإيرانية المكلفة بالعراق بدأت تراجع جميع خطط الجنرال الإيراني الراحل قاسم سليماني قائد فيلق القدس الخاصة بالعراق.
وأشار في تقرير مطوّل له إلى أنه لم يكن أحد في السابق يجرؤ على الاعتراف بوجود سلبيات في خطط سليماني، ولكن بعد مقتله، بدأ الجميع يتحدثون عن السلبيات.
ونقل الموقع البريطاني عن سياسي عراقي مقرّب من المخابرات الإيرانية قوله إن التغيير بدأ بالفعل منذ أشهر، مضيفا أنه يُعتقد على نطاق واسع أن ينعكس هذا التغيير في السياسة والأمن العراقيين قريبا، بل أصبح ملموسا حاليا على الأرض، ولا سيما وسط الفصائل المسلحة.
إعادة هيكلة
وأوضح الموقع أن الإصلاح الذي تقوم به إيران شامل ويتركز في إعادة هيكلة “قواتها شبه العسكرية العراقية”، وإذا نجحت في ذلك، سيظهر “تنين برأسين”.
وأشار إلى الاختلاف الكبير بين سليماني والعميد إسماعيل قآني الذي خلفه، فقد كان سليماني ينتقل بينهم بسهولة، وكان يعرف كل قائد ومرؤوسيه شخصيا، أما قآني، فلا يتمتع بهذه الصفات ويبدو أنه غير مهتم بها.
وأضاف أن الاختلاف بين سليماني وقآني مهم، إذ لم تتمكن إيران بعد من ملء الفراغ الذي خلّفه الجنرال وأبو مهدي المهندس، الأب الروحي لمعظم الفصائل العراقية المسلحة الذي قُتل إلى جانب سليماني، مشيرا إلى أن القول إن القادة الشيعة في العراق محبطون من الرجل الذي حل محل سليماني هو تقليل من ردة فعلهم، “لقد صدموا”.
أسباب أخرى للتغيير
وبالإضافة إلى غياب سليماني، فقد أجبر انخفاض أسعار النفط وجائحة كورونا إيران الخاضعة للعقوبات الأميركية على “مراجعة” سياستها الخارجية في المنطقة و”تسريع” خططها لتغيير المسار في العراق على وجه الخصوص.
والهدف الآن بحسب “ميدل إيست آي” هو تجربة مناهج جديدة وإعادة ترتيب الوضع داخل العراق لتقليل الخسائر، إذ إنهم يرون أنهم استغلوا العراق بشكل كبير واعتمدوا على حلفاء قدامى استنفدوا موارده وتسببوا في خسارة إيران لقاعدتها الشعبية الشيعية.
ونقل الموقع عن أحد مستشاري رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي قوله إن “الفكرة هي تغيير الرؤية التي يتم بموجبها إدارة الصراع الأميركي الإيراني داخل العراق لمواكبة التطورات الأخيرة محليا وإقليميا”.
وتقوم إيران، وفقا للموقع، بتقييم 3 عوامل: إدارة الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن المقبلة، وانفصال الفصائل المسلحة الموالية لآية الله السيستاني عن جماعة الحشد الشعبي شبه العسكرية، والانتخابات البرلمانية المقبلة في العراق.
أقل الخسائر
ونسب الموقع لمستشار الكاظمي قوله إن الفكرة لم تعد تدور حول هوية الفائز أو الخاسر في هذا الصراع، بل كيفية النجاة من هذه الصراعات بأقل الخسائر الممكنة، وإن إيران لا يمكنها القبول بخسارة العراق بأكمله، ولا يمكن أن تخاطر بالمساس بمصالحها الوطنية الكبرى، لذلك فإن تقديم بعض التنازلات والتراجع عن عدة خطوات يبدو رد فعل نموذجيا لإيران في المرحلة الحالية.
ومن بين التغييرات التي أشار إليها الموقع أن إيران تقوم بتنظيم أصولها في العراق والتراجع عن موقع الخط الأمامي الذي احتلته في الشؤون العراقية حتى اليوم، ومن وجهة النظر الإيرانية، يجب أن تحتل السياسة مركز الصدارة الآن وليس الأسلحة.
وبحسب الموقع فإنه وبالنسبة لكثيرين في بغداد، فإن الرسائل والأفعال الصادرة عن إيران وحلفائها في العراق مشوشة وتعكس صراعا بين الحرس الثوري والاستخبارات الإيرانية، لكن جميع القادة العراقيين يتفقون على أن رؤية طهران للعراق قد تغيرت بشكل جذري.
ويعتقد بعض القادة العراقيين أن المخابرات الإيرانية تحث الفصائل المسلحة على ضبط النفس، بينما يشجعها فيلق القدس سرا على مهاجمة الأصول الأميركية، على سبيل المثال.
3 محاور
وقال سياسيون وقادة في الفصائل المسلحة المدعومة من إيران للموقع البريطاني، إن الرؤية الإيرانية تقوم على 3 محاور: تفكيك بعض الفصائل المسلحة وحلها أو ما يسمونه “إزالة النتوءات”، ودعم وتقوية الحكومة العراقية، وإيجاد مصادر تمويل بديلة لحلفائها داخل العراق وحمايتهم بتشكيلات سياسية معترف بها قانونا.
والبديل المقترح هو حكومة مقبولة تتمتع ببعض السلطة لكنها تقبل بوجود مليشيا برأسين، وقد يكون الحشد الشعبي الموالي لإيران واحدا منهما، لذلك أصبحت إعادة ترتيبه مهمة جدا في هذا الوقت.
وينقل الموقع عن قادة عراقيين قولهم إن خطة طهران الجديدة تقترح إبقاء الفصائل المسلحة الأكبر بشرط تنظيفها و”إزالة النتوءات”، وحل الفصائل الأصغر تماما.
تنين برأسين
بالتالي ستكون النتيجة قوتين: الأولى قوة الحشد الشعبي والثانية قوة المقاومة، كـ”تنين برأسين”، كما نسب ميدل إيست آي لمستشار آخر للكاظمي.
وأوضح الموقع أن هذا الاقتراح قد يكون مقبولا إقليميا ودوليا، حيث ستكون هناك فرص كبيرة لاستعادة سيطرة الدولة تدريجيا على القوة الأولى، بينما تعمل بالتعاون مع إيران على إبعاد الأخيرة عن الساحة العراقية.
واستمر يقول إن كل شيء سيعتمد على ما سينتج عن المفاوضات الإيرانية الأميركية. فإذا عاد الإيرانيون إلى الاتفاق النووي، ستحتفظ إيران بالفصائل الرئيسية مع قبول مشاركة الحكومة العراقية في السيطرة عليها، وسيتم التخلي عن جميع المقاتلين والفصائل الأخرى وتركها تحت رحمة الحكومة العراقية وواشنطن.
ويختتم الموقع بأنه ولهذا السبب أصدرت طهران تعليمات صارمة لحلفائها في العراق لوقف أي هجمات على المصالح الأميركية في البلاد، والتي يخشى الإيرانيون أن تدفع الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب إلى التحريض على الحرب قبل مغادرته المكتب البيضاوي.

المصدر: الجزيرة نت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى