في الشمال الشرقي لسوريا ومنذ قرابة أسبوعين تخوض “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) امتحانا صعبا، ميدانه هو بلدة عين عيسى عاصمتها الإدارية والسياسية، والتي تحاول روسيا ونظام الأسد اختراقها، بذريعة إيقاف الهجمات التي ينوي الجيش التركي تنفيذها مع الفصائل السورية التي يدعمها، المنضوية تحت اسم “الجيش الوطني السوري”.
الواقع الميداني للأيام الأخيرة من عام 2020 يبدو أنه متشابه إلى حد كبير مع ما شهدته الأيام الأخيرة لعام 2019، وحينها كانت روسيا وقوات الأسد قد وضعت أول موطئ قدم لها في الشمال الشرقي لسوريا، بعد عملية “نبع السلام” التي أطلقها الجيش التركي، من منطلق حماية ما تبقى من المنطقة من السيطرة التركية، ليتضح الأمر فيما بعد بأنه جاء بموجب تنسيق “تحت الطاولة”.
في اليومين الماضيين كان هناك تطورات رسمت مشهدا عسكريا جديدا لبلدة عين عيسى في بادئ الأمر، لكن تفاصليه لم تدم طويلا بل انقلبت رأسا على عقب، فبينما أعلنت روسيا عن اتفاق يقضي بانتشارها في عين عيسى إلى جانب قوات الأسد، أصرت “قسد” على نفي هذا الأمر، معتبرة أن “الاتفاق لا أساس له من الصحة”، وحدود السيطرة ماتزال على حالها دون أي تغيير.
الروس وفي أثناء إعلانهم عن الاتفاق قالوا إنه جاء بعد مفاوضات مع الجانب التركي، وهنا تكمن العقدة التي يصعب حلّها حتى الآن والتي لم تعلّق عليها أنقرة، خاصة مع استمرار التصعيد بالقصف وعمليات التسلل من جانب فصائل “الجيش الوطني”.
بينما كان هناك تصريحات لمسؤول دفاعي تركي لوكالة “رويترز”، الاثنين قال فيها إن بلاده مصرة على حل ملف عين عيسى، على أن يتم التطرق له في مدينة سوتشي، في لقاء الوزيرين التركي والروسي مولود جاويش أوغلو وسيرغي لافروف.
على ماذا تعوّل “قسد”؟
بحسب مصادر إعلامية مقربة من “قسد” فإن تمسك الأخيرة ببلدة عين عيسى، ورفضها لأي اتفاق يقضي بدخول الشرطة العسكرية الروسية وقوات الأسد إليها يأتي من “منطلق قوة وليس ضعف”، كما شهدته مناطق شرق سوريا في الأشهر الماضية.
ويقول المصدر الذي طلب عدم ذكر اسمه في تصريحات لموقع “الحرة” إن الجانب الأميركي أوصل رسالة لـ “قسد” في الأيام الماضية مفادها أن أي تعامل مع الروس أو نظام الأسد، أو حتى إفساح المجال لهما للدخول إلى عين عيسى سيكون له أثر معاكس، ومن شأنه أن يهدد العلاقة بين واشنطن والقوات الكردية.
ويضيف المصدر المقيم في مدينة القامشلي السورية أن الجانب الأميركي وعد مسؤولي “قوات سوريا الديمقراطية” برأب الصدع مع الجانب التركي، بمعنى التحرك من أجل حل النقاط العالقة والإشكالية، والتي تعتبر ذرائع لأي هجمات على طول الحدود الشمالية لسوريا مع تركيا.
ومما سبق اتجهت “قسد” لرفض إبرام أي اتفاق يقضي بانتشار قوات الأسد وروسيا في عين عيسى، وتسليمها والانسحاب منها بشكل كامل، ووفق المصدر فإن “قسد” وفي حال انسحابها من البلدة فستفقد عدة أوراق، أبرزها الورقة السياسية والمعنوية بين حاضنة المناطق الشرقية لسوريا، لاسيما أن عين عيسى تعتبر عاصمة سياسية وإدارية لها.
وعلى الرغم من نشر وسائل الإعلام الروسية صورا لتعزيزات وعناصر قالت إنها للشرطة الروسية في أثناء دخولها لعين عيسى، إلا أن المصدر المقرب من “قسد” قال إن هذه القوات تتمركز في محيط البلدة فقط، مع تسييرهم لدوريات إلى داخلها، من دون أن يثبتوا فيها أي نقطة، كما زعم ما يسمى بـ “مركز المصالحة الروسي” (حميميم).
“صراعات تكتيكية”
في سياق ما سبق وبالعودة إلى الوراء فإن المطامع الروسية بمناطق شمال شرق سوريا ليست جديدة أو وليدة اللحظة، إذ أنه وخلال الأشهر الماضية زادت محاولات روسيا التوسع في المنطقة أكثر، وبالأخص في مرحلة ما قبل فرض واشنطن عقوبات بموجب قانون قيصر.
وفي هذا الاتجاه حاولت موسكو تشكيل فصيل عسكري في المنطقة يكون مواليا لها، ويبدو أنه فشل للآن، لذا استعانت موسكو مؤخرا بعناصر النظام لمزاحمة الدوريات الأميركية أكثر في المنطقة، ومؤخرا لجعلهم ورقة تلوح بها في كل منطقة تقع تحت أعينها.
ويرى الباحث في الشأن الروسي، الدكتور، محمود الحمزة، أن نية دخول الروس إلى عين عيسى يأتي في إطار قطع الطريق أمام الأتراك.
ويقول في تصريحات لموقع “الحرة” إن الروس يحاولون التوسع في شرق الفرات بشكل عام في مناطق الحسكة ودير الزور، وهم بذلك يخوضون صراعات تكتيكية على أكثر من محور، ومع قوى إقليمية مختلفة.
ويضيف الحمزة المقيم في موسكو أن روسيا لديها هدف وتريد إنجازه بأي طريقة وهو إرجاع سوريا لسيطرة نظام الأسد، الأمر الذي يصطدم في الوقت الحالي مع طموحات “قسد” والتناقض مع المصالح التركية.
“أوراق قوة”
في الوقت الحالي تعيش “قسد” ظروفا تختلف بشكل جذري عن السابق، سواء على المستوى المحلي وضمن الحاضنة الشعبية أو من الناحية العسكرية، بعد الانتهاء من تنظيم داعش.
وكبوابة للواقع العام الذي تعيشه “قسد”، تعتبر عملية “نبع السلام” المرحلة الفاصلة التي أفضت إلى حال مناطق شرق الفرات الحالي، بعد سيطرة الجيش التركي وفصائل “الجيش الوطني” على مدينتي رأس العين وتل أبيض، وما تبعها من اتفاق فتح الباب لقوات الأسد والقوات الروسية للدخول إلى المنطقة.
واليوم وفي الوقت الذي ترفض فيه “قسد” تسليم عين عيسى بشكل كامل للنظام وروسيا، اتجهت إلى مهاجمة وانتقاد الأخيرة بشكل غير مسبوق، واتهمتها بـ “المتاجرة مع الأتراك”، للسيطرة على المنطقة بشكل كامل.
الباحث في الشأن الكردي، شفان إبراهيم، يقول إن “قسد” تمسك عدة أوراق قوّة في المناطق التي تسيطر عليها شمال شرق سوريا، على رأسها الورقة المتعلقة بمعتقلي داعش في سجونها.
ويضيف إبراهيم في تصريحات لموقع “الحرة”: “في حال بدأ أي هجوم بري على مناطق قسد فإنها ستهدد بسحب قواتها من محيط سجون داعش، وبالتالي سيكون هناك خطر كبير على هروبهم وانتشارهم في المنطقة”.
ويستبعد الباحث الكردي أي عملية عسكرية في الأيام المقبلة في شرق سوريا، مشيرا إلى أن “قسد” تدرك أن القوات الروسية لن تدخل معها في صدام مباشر، بينما تعتبر القوات السورية التابعة لنظام الأسد “منهكة”.
وبوجهة نظر إبراهيم، فإن القوات الكردية تحاول في الوقت الحالي، وخاصة من خلال المناورة في ملف عين عيسى “كسب المزيد من الوقت”، من أجل إيجاد باب مخرج حتى وصول الإدارة الأمريكية الجديدة إلى البيت الأبيض برئاسة الرئيس المنتخب جو بايدن.
المصدر: الحرة. نت