على الرغم من إطلاق سراح كايلي مور-جيلبرت يستمر مسلسل الرعب بالنسبة لكثيرين غيرها يقبعون في السجون الإيرانية. فيما صعدت على متن طائرة بدا أنها تابعة للحكومة الأسترالية في وقت متأخر من الأربعاء، انتهى كابوسها. بعد مرور أكثر من سنتين على اعتقالها داخل سجن إيفن في طهران، كانت الباحثة الأسترالية كايلي غيلبرت مور البالغة من العمر 33 عاماً عائدة إلى منزلها.
وقالت وزيرة الخارجية الأسترالية ماريز باين في بيان أصدرته، الخميس، “يسعدني للغاية كما بارتياح بالغ الإعلان عن إطلاق سراح الدكتورة كايلي مور جيلبرت من معتقلها في إيران وعن قرب اجتماعها بعائلتها”.
لكن بالنسبة لغيرها من الإيرانيين الذين يحملون جنسية مزدوجة والأجانب الذين تحتجزهم إيران، ما زال مسلسل الرعب مستمراً. إذ ما زالت نازانين زاغاري راتكليف، التي تحمل الجنسية البريطانية كذلك، قيد الإقامة الجبرية داخل منزلها في طهران، تعيش خطر إعادتها إلى السجن أو توجيه تهم إضافية لها. بينما اعتُقلت، أخيراً، الناشطة الألمانية- الإيرانية في مجال حقوق المرأة ناهد تقوي، البالغة من العمر 66 عاماً، بتهم مشكوك في صحتها تتعلق بالأمن القومي.
ويقضي سياماك نامازي الإيراني- الأميركي بدوره، حكماً قاسياً بالسجن لمدة عشر سنوات بتهمة تجسس مزعومة. فيما تقضي باحثة الأنثروبولوجيا الإيرانية الفرنسية فاريبا عادلخاه حكماً بالسجن ست سنوات بتهم متعلقة بالأمن القومي.
ويقبع عدد لا يُحصى من الأشخاص غيرهم- بعضهم لم يُعلن بعد عنه- في السجون كما البيادق العالقين في شباك المواجهة الحادة بين الفصائل السياسية والأمنية الإيرانية، أو كمن وقع الخيار عليهم كي يلعبوا أدواراً في تخيلات جنون الارتياب التي تساور الدولة العميقة في إيران.
والأسوأ بعد أن أحمد رضا جلالي، الطبيب الإيراني السويدي الذي سجن طوال أربع سنوات بتهم التجسس لصالح أعداء إيران، أخبر عائلته عن احتمال تنفيذ حكم الإعدام عليه خلال مدة وجيزة.
وقالت زوجته فيدا مهرانيا لـ”اندبندنت” “لا يسمحون للمحامين برؤيته أبداً”. لدى الزوجين ابن عمره ثمانية أعوام وابنة عمرها 18 عاماً لم يريا والدهما منذ أربع سنوات “لم أخبر ابني بعد عن حكم الإعدام. وطلب مني أحمد أنه في حال أصابه أي شيء، علي أن أخبر ابني بأن ما جرى هو حادث وليس إعداماً”.
بالنسبة لإدارة الرئيس الأميركي المنتخب جوزيف بايدن المقبلة، وغيرها من القوى الدولية التي تتطلع إلى إحياء الاتفاق النووي الإيراني الذي خرقه الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترمب واستئناف التعاون مع إيران، تمثل العادة الإيرانية بأخذ المدنيين الغربيين رهائن عقبة كبيرة، تجعل من التقارب السياسي أمراً كريهاً وغير مستساغ أكثر بعد.
من المعروف أن إيران احتجزت العشرات من موظفي السفارة الأميركية واتخذتهم رهائن لمدة 444 يوماً عام 1979 في خطوة ما زالت تطبع العلاقات مع واشنطن إلى يومنا هذا. ويقول متابعو الشأن الإيراني، إن السلطات في طهران تواصل احتجاز سجناء بهذا الشكل لعدة أسباب، أكثرها عملية ضمان إطلاق سراح الإيرانيين المُعتقلين في الخارج، الذين يعلقون أحياناً في إجراءات معقدة في إطار عملية استردادهم تحركها الولايات المتحدة ضمن محاولاتها لبسط قوانينها عالمياً.
وعرضت محطة التلفزيون الرسمية الإيرانية لقطات عن صعود السيدة مور جيلبرت الطائرة تتخللها مقاطع مصورة جديدة عن ثلاثة سجناء إيرانيين قالت، إنهم كانوا محتجزين في الخارج، وهم يعودون إلى وطنهم. وكانت محاولة مكشوفة لجعل إطلاق سراح الباحثة يبدو جزءاً من تبادل للأسرى.
ووصفتهم المحطة الرسمية الإيرانية بأنهم “ثلاثة ناشطين اقتصاديين إيرانيين اعتقلوا بتهم التحايل على (القيود الأميركية)”. لكن السلطات في تايلاند قالت، الخميس، إن الرجال عملاء إيرانيون مزعومون تورطوا بمخطط في عام 2012 من أجل استهداف المواقع الإسرائيلية في البلد الواقع جنوب شرقي آسيا. وأُحبط المخطط عندما أفسد أحد الجناة المزعومين عملية صناعة القنبلة وفجر ساقيه. وكان أحد السجناء الذين عرضت صور عودتهم إلى البلاد، الأربعاء، يجلس في كرسي متحرك فاقد الساقين.
كما يبدو أن عملاء النظام الإيراني يحتجزون حملة الجنسية المزدوجة والأجانب كسبيلٍ لتحسين موقفهم في المفاوضات. هكذا أُلقي القبض على جيسون رضائيان، مراسل صحيفة “واشنطن بوست” في طهران، بتهم تجسس ملفقة في عام 2015 وأُطلق سراحه بعد مرور أكثر من عام بالتزامن مع تطبيق الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة وإعادة أصول إيرانية وُضعت عليها اليد سابقاً، تقدر قيمتها بـ400 مليون دولار على متن طائرة محملة بالمال.
وفيما يطبع التوتر منذ زمن بعيد العلاقات بين إيران من جانب وأعضاء مجلس الأمن في للأمم المتحدة، أي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا من جانب آخر، يحتار المحللون في سبب انقلاب الإيرانيين الآن على بلدان أخرى من أوروبا الشمالية مثل ألمانيا والسويد التي لطالما اعتُبرت من الشركاء الدبلوماسيين والاقتصاديين. ويعتقد علي فتح الله- نجاد، من مركز أفريقيا والشرق الأوسط في جوهانسبرغ، أن إيران ترد على الضغط الإضافي الذي وُضع عليها بعد إعدامها المصارع نافيد أفكاري، في حادثة أثارت السخط العالمي. وقال خلال مقابلة معه “في ألمانيا تحرك باتجاه إعادة النظر في العلاقات مع إيران بعد قضية أفكاري. يبدو أنه منعطف جديد”.
وغالباً ما يعلق حملة الجنسية المزدوجة في الصراع بين فريق الإيرانيين البراغماتيين من جهة والمتشددين من جهة أخرى. ويقلص تضرر العلاقات مع ألمانيا- التي غالباً ما تلعب دور القناة الدبلوماسية بين طهران والغرب- من فرص توصل الفريق المعتدل بقيادة الرئيس حسن روحاني ووزير الخارجية محمد ظريف إلى تسوية مع الغرب قبل الانتخابات الرئاسية في يونيو (حزيران) التي يأمل المتشددون الفوز بها.
كما يُستخدم حملة الجنسية المزدوجة في كثير من الأحيان أداة للدعاية الداخلية. ويزعم عملاء النظام المصابون بجنون الارتياب داخل مؤسسة الحكم الإيرانية وجود مؤامرات هائلة وخيالية تشمل مرتدين وانتهازيين إيرانيين وجواسيس غربيين. ويُستخدم حملة الجنسية المزدوجة المعتقلون كشخصيات في الروايات التي تحيكها الأجهزة الأمنية الإيرانية وتروج لها المحطة التلفزيونية الرسمية.
أخيراً، في أحد برامج المسابقات، استُعمل اسم ووجه السيد رضايان والسيدة زاغاري راتكليف كإجابةٍ عن أسئلة تتعلق بالجواسيس المفترضين في البلاد. وقبل إطلاق سراحها، ظهرت السيدة مور- جيلبرت في مقابلة مع المحطة الإيرانية الرسمية قالت فيها، إنها زارت عدداً من دول الشرق الأوسط بما فيها “الكيان الصهيوني” وهي العبارة التي يستخدمها المسؤولون الإيرانيون لوصف إسرائيل.
غير أن هذه الاعتقالات أذهلت المراقبين ببساطة في معظم الأحيان. فالسيدة مور-جليبرت باحثة دمثة الأخلاق في شؤون الشرق الأوسط، كانت في بعثة بحثية في إيران حين اعتقالها. ويظهر أن الضغط الدولي أسهم في إطلاق سراحها. وقد أرسل الناشط ومؤيد القرصنة الإلكترونية جوليان أسانج، وهو أحد أقرباء السيدة مور- جليبرت، رسالة إلى القيادة الإيرانية هذا العام مطالباً بإطلاق سراحها بعد الحكم عليها بعشر سنوات في السجن بتهم التجسس النووي والاقتصادي.
أما الدكتور جلالي، وهو طبيب متخصص في الأحداث التي توقع إصابات جماعية، فكان يزور إيران بشكل متكرر، حيث يلقي المحاضرات حول إدارة الكوارث مثل الزلازل. وقالت زوجته إنه في عام 2015، اتصل به مسؤولون في الاستخبارات الإيرانية بهدف سؤاله عن استعداده للتجسس لصالح الجمهورية الإسلامية حين يتواجد في الخارج. فأجاب بالرفض القاطع كما تضيف زوجته السيدة مهرانيا، وهي عالمة كيمياء تعمل في مختبر بمنطقة ستوكهولم.
وقالت “كان قلقاً جداً بسبب ما جرى، وتساءل إن كان عليه العودة إلى إيران، لكنهم أخبروه بأنه لا بأس في ذلك وطمأنوه”.
وتعرضت السيدة مور جيلبرت هي الأخرى، التي طلبت عائلتها احترام خصوصيتها مع عودتها إلى المنزل، إلى ضغوطات من أجل العمل لصالح الاستخبارات الإيرانية.
وأُلقي القبض على الدكتور جلالي في عام 2016 أثناء حضوره مؤتمراً في جامعة طهران التي دعته للمشاركة فيه.
وعلقت آيمي هدينبورغ، من منظمة العفو الدولية في السويد “شكّل اعتقاله صدمة كبيرة. لو كنت خصماً سياسياً، تدرك نوعاً ما أن هذا قد يحصل لك. لكنه مجرد عالِم فحسب”.
ثم أودع الحبس الانفرادي لأشهر طويلة. وفي ديسمبر (كانون الأول) 2017، بثت القناة الرسمية الإيرانية ما وصفته بأنه اعتراف، قال الدكتور جلالي لاحقاً إنه “انتزع منه تحت التعذيب”.
ووُجهت إليه تهمة “نشر الفساد في الأرض”، وهي جريمة قد تكون عقوبتها الإعدام. لكن حتى أسابيع قليلة مضت، استبعد كثر احتمال تنفيذ هذه العقوبة. عندها توقفت اتصالات الدكتور جلالي الأسبوعية إلى السويد. وهذا الأسبوع، تلقت السيدة مهرانيا اتصالاً هاتفياً سريعاً من زوجها أخبرها فيه أنه يُنقل إلى مكان آخر وأن النهاية قد تكون وشيكة.
وقالت السيدة هدنبورغ “نشعر بصدمة كبيرة من محاولتهم الظاهرية الدفع باتجاه إعدامه”.
يشير الاستهداف المتزايد للأجانب وحملة الجنسية المزدوجة إلى أن البعض داخل النظام الإيراني فقدوا الأمل في استعادة العلاقات الطيبة مع الغرب. ولفت السيد فتح الله- نجاد إلى أن “النظام مهتم بلا شك بالتفاوض مع الولايات المتحدة. لكنه فقد على الأرجح الأمل بالنسبة لأوروبا”.
© The Independent
المصدر: اندبندنت عربية