قاعدتان وضعهما المرشد الاعلى للنظام الايراني لمستقبل العلاقة بين بلاده مع الولايات المتحدة الامريكية، واحدة منها وضعها عندما اطلق معادلة “لا حرب ولا تفاوض” وذلك قبل الانتخابات الامريكية وفي ظل أجواء الترقب الايراني من إمكانية عودة الرئيس دونالد ترامب الى البيت الابيض، وقطع فيها الطريق على كل المساعي الداخلية والخارجية لتخفيف حدة التوتر القائم بين الطرفين وفتح الطريق امام حلول للازمة المتفاقمة بينهما، خاصة بعد عملية اغتيال الجنرال قاسم سليماني قائد قوة القدس في حرس الثورة الاسلامية والتي تشكل الذراع الاستراتيجي والخارجي للنظام الإيراني في منطقة غرب آسيا.
وبعد النتائج “المعلقة” للانتخابات الامريكية، واعلان فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن بالرئاسة، عاد المرشد الايراني ليضع معادلته الجديدة لاي تفاوض، وتشكل ردا على ما سبق أن اعلنه بايدن في حملته الانتخابية حول نيته العودة الى الاتفاق النووي مع إيران. وهي معادلة تقوم على اربعة ابعاد رئيسية تشكل مفاتيح الموقف الإيراني على طاولة التفاوض، وتشمل:
اولا: اعتراف واشنطن بالاخطاء التي ارتكبتها بحق ايران.
ثانيا: وقف الحرب الاقتصادية ضد إيران.
ثالثا: التخلي عن المسار الذي اعتمدته تجاه إيران وتنفيذ التعهدات التي التزمت بها.
رابعا: تعويض ايران عن الخسائر التي لحقت بها جراء الاجراءات والعقوبات التي اتخذتها الإدارة الامريكية.
العودة الايرانية للتأكيد على هذه المعادلة تأتي في ظل انقسام داخلي حول نتائج هذه الانتخابات، بين المرحب بانتصار بايدن وخروج ترامب ، واعتبارها فرصة سانحة لايران لاستغلال هذا التغيير وفتح مسارات جديدة من التفاهمات والمفاوضات بين الطرفين تبطل الى حد ما الاجراءات التي قام بها سلفه الجمهوري.
وبين متوجس من عودة الديمقراطيين وما يحملونه من تحديات جديدة للنظام نتيجة عزم الرئيس الجديد العودة الى الاتفاق النووي وغموض ما يرافق هذا القرار من تبعات واشتراطات قد تكون أكثر تعقيدا مما ستكون عليه الحال فيما لو بقي ترامب في البيت الابيض.
وضع المرشد الايراني شروطه مسبقا على طاولة المفاوضات قبل ان يبدأ الشريك الامريكي المفترض على هذه الطاولة بالكشف عن الاليات التي سيعتمدها في ترجمة قرار العودة الى الاتفاق النووي وكيف سيتعامل مع الارث الترامبي من العقوبات التي قد تزداد تعقيدا في الشهرين المقبلين قبل استلامه السلطة بشكل رسمي.
تفكيك الابعاد الاربعة التي وضعها المرشد، تكشف ان طهران والقيادة فيها تعي ان التفاوض الجديد مع واشنطن لن يكون اعادة تدوير إرث الرئيس الاسبق باراك اوباما – الذي كان بايدن شاهدا عليه- ولا في حدود طموحات ترامب الذي اراد ان يجلب طهران الى التفاوض تحت سيف العقوبات. فالرئيس الجديد سيذهب الى الخطوة التي كانت تمثل نهاية المسار ودغدغت طموح اوباما، في الانتقال من التفاوض حول الملف النووي وغيرها من الملفات الى العقدة الاساسية والتفاوض حول تطبيع العلاقات بين الطرفين وانهاء حالة العداء وفتح علاقات دبلوماسية مباشرة بينهما. مدركا ان هذه الخطوة لا يمكن ان يقدم عليها اي مفاوض ايراني الا اذا صدر موقف صريح ومباشر من المرشد الاعلى، لان دبلوماسية الرسائل التي جرت بين اوباما والمرشد بين عامي 2013 و2015 والتي مهدت الطريق امام عقد الاتفاق النووي لن تكون ذات فعالية كما في السابق. وان استراتيجية بايدن في العودة الى الاتفاق ستضع النظام الايراني في مواجهة المجتمع الدولي في حال رفض التجاوب مع هذه الخطوة. ولن يكون البيت الابيض بحاجة للعودة الى سياسة العقوبات في ظل ما وفره له ترامب وفريقه من اجراءات في هذا الصدد، والتي تسمح له بهامش كبير للمناورة والضغط.
الجدل الداخلي الايراني والاختلاف حول اسلوب التعامل مع المستجد الامريكي في ظل ما تعاني منه البلاد من ازمات تهدد أسس النظام، وان اخذ هذا الجدل طابع الصراع بين معارض لاي تفاوض يتضمن او يفرض تنازلات، وبين شريحة واسعة تتضمن اصلاحيين ومحافظين ترى بان الوقت قد حان لانهاء هذا العداء التاريخي بين الطرفين. وعدم قدرة اي من طرفي الصراع على حسم الموقف لصالحه، فان مفتاح الحل للخروج من هذا النفق في يد المرشد، الأمر الذي سيجعل منه المفاوض المباشر في مواجهة الرئيس الامريكي.
ان يفاوض المرشد الاعلى على الملفات الايرانية، يعني ان يرفع سقف الشروط والمطالب، والتي يمكن قراءتها من خلال تفكيك الابعاد الاربعة التي وضعها، وفي مقدمتها تخلي الادارة الامريكية عن شروط مايك بومبيو وزير خارجية ترامب الاثني عشر، التي تشكل عائقا امام الطرف الايراني للدخول في اي تفاوض من موقع الضعيف او الخاضع لهذه الشروط. وان تعوض واشنطن الخسائر التي لحقت بايران جراء منعها من بيع النفط خلال السنوات الثلاث الماضية، والتعويض عن خسائر الشركات التي انهارت بما في ذلك العمال المتضررين من جراء ذلك، والتعويض عن أرواح كل الذين ماتوا جراء فقدان الادوية للامراض المستعصية وكورونا بسبب الحصار، وتحرير كل الاموال الايرانية المحتجزة والمجمدة في كل بنوك العالم ودفع فوائدها والخسائر المادية الناتجة عن ذلك، واخراج القوات الامريكية من كل منطقة غرب آسيا، ووقف العقوبات على حلفاء ايران في الاقليم، وتسليم ترامب وكل المتورطين باغتيال قاسم سليماني الى القضاء الايراني بناء على الدعوة التي اقامتها ايران ضدهم.
هذه السقوف، وفي حال لم تستجب الادارة الامريكية لاي من الشروط او بعضها، فان اي مفاوض ايراني لن يكون قادرا على فتح اي قناة تواصل او علاقة مع المسؤولين الامريكيين، ما يعني ان المرشد الاعلى لن يذهب الى اعطاء الضوء الاخضر لهذه المفاوضات، وتبعد الكأس المرة عنه، وتكرس المعادلة التي أرساها قبل اشهر في مقولته الشهيرة “لا حرب ولا تفاوض”.
المصدر: المدن