مع ترقب الإعلان الرسمي عن فوز مرشح الحزب الديمقراطي للرئاسة الأميركية جو بايدن، في انتخابات الرئاسة التي جرت في 3 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، تتابع روسيا عن كثب ما قد يجلبه سيّد البيت البيض الجديد من تعديلات على سياسات واشنطن تجاه دول الجوار الروسي، وفي مقدمتها أوكرانيا، التي تحولت منذ العام 2014 إلى ملف شائك في العلاقات الروسية – الغربية. وفرضت دول غربية عدة عقوبات اقتصادية غير مسبوقة على روسيا، بسبب ضمّها شبه جزيرة القرم، ودعمها منطقة دونباس الموالية لها، شرق أوكرانيا.
ولمّا كان بايدن هو المنسق الرئيسي للملف الأوكراني، وتبنى موقفاً متشدداً حيال الكرملين حين كان نائباً للرئيس السابق باراك أوباما، زاد انتخابه رئيساً اليوم من التكهنات حول موقف الإدارة الجديدة من التعاون بين كييف وحلف شمال الأطلسي، وآفاق عضوية أوكرانيا في الحلف، ومقترحات الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بتحديث اتفاقات مينسك للتسوية في دونباس الموالية لروسيا.
ومع ذلك، رجّح أستاذ العلوم السياسية في معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية، كيريل كوكتيش، أن المواقف المتشددة التي يتبناها الديمقراطيون تجاه روسيا قد تكون هادفة إلى التوصل لصفقة في نهاية الأمر، متوقعاً في الوقت ذاته تراجعاً لقضايا السياسة الخارجية على سلّم أولويات الإدارة الجديدة، في ظلّ ضرورة مواجهة التداعيات الاجتماعية والاقتصادية الناجمة عن تفشي وباء كورونا. ورأى كوكتيش، في حديث لـ”العربي الجديد”، أنه “يتعين على أي رئيس أميركي منتخب التركيز على حلّ المشاكل والأزمة الاقتصادية التي من المنتظر أن تبلغ ذروتها مع بداية العام المقبل، بينما ستُضعف نتائج فرز الأصوات شرعية الرئيس الجديد”. وعلى صعيد السياسة الخارجية، استبعد كوكتيش أن يحدث “أي تغيير لديناميكيتها”.
وحول تأثير صعود الإدارة الديمقراطية على مواجهة روسيا في الأزمة الأوكرانية، اعتبر أستاذ العلوم السياسية الروسي أنه “صحيح أن الديمقراطيين قد يفعّلون مبدأ المفاوضات الحازمة، ولكن بهدف التوصل إلى صفقة في نهاية الأمر، ما سيتيح تسوية عدد من القضايا الإقليمية معهم، وذلك على عكس (الرئيس الخاسر في الانتخابات) دونالد ترامب، الذي كان مكبل اليدين بسبب عوامل داخلية أميركية”.
وخلال الفترة الماضية، لم تعد أوكرانيا هي البلد الوحيد في الجوار الروسي موضع التنافس بين موسكو والغرب، بل أضيفت إليها بيلاروسيا، التي توجه رئيسها ألكسندر لوكاشينكو نحو تطبيع العلاقات مع أوروبا، وحتى استقبال كبار المسؤولين الأميركيين، بمن فيهم مستشار الأمن القومي الأميركي السابق جون بولتون، ووزير الخارجية مايك بومبيو، في مينسك.
ودخل الخلاف حول بيلاروسيا مرحلة جديدة وسط صعود موجة من الاحتجاجات منذ أغسطس/آب الماضي، رفضاً لإعادة انتخاب لوكاشينكو المدعوم من موسكو للولاية السادسة، مقابل دعم الغرب للمرشحة الخاسرة عن المعارضة سفيتلانا تيخانوفسكايا.
مع ذلك، استبعد كوكتيش احتمال حدوث أي تغيير يذكر في السياسة الأميركية تجاه بيلاروسيا مع صعود بايدن، معتبراً أن واشنطن “تدرك قوة علاقات مينسك مع موسكو، ولذلك لن يكون لأي عقوبات غربية تأثير على لوكاشينكو. كما أن نظامه أصبح أكثر قوة الآن، بعدما أثبت قدرته على الصمود أمام الاحتجاجات”.
بدورهم، توقع خبراء استطلع موقع “أوكرانيا.رو” الروسي المتخصص في الشؤون الأوكرانية أيضاً آراؤهم، ألا يؤدي فوز بايدن إلى حدوث تغيير في السياسة الأميركية تجاه فضاء الاتحاد السوفييتي السابق، لجهة سعي واشنطن لتحويل المنطقة إلى مشكلة بالنسبة إلى موسكو.
ولا يرى نائب مدير معهد بلدان رابطة الدول المستقلة، فلاديمير جاريخين، اختلافاً جوهريا بين ترامب وبايدن، لافتاً إلى أن الجمهوريين والديمقراطيين “اختلفوا في جميع الاتجاهات للسياستين الداخلية والخارجية باستثناء فضاء الاتحاد السوفييتي السابق”. وأوضح جاريخين أن “هذا هو الاتجاه الوحيد الذي يتبعون فيه سياسة موحدة، ونحن نعلمها. إنهم يحاولون قطع البلدان السوفييتية السابقة عن روسيا، لخلق منطقة صحية حولها ومحاولة تفكيك روسيا نفسها. تم اعتماد هذه الاستراتيجية في عهود (بيل) كلينتون و(جورج) بوش (الابن) وأوباما وترامب، والآن مع بايدن”.
وأقر مدير مركز “بيرسبيكتيفا” (“أفق”)، الأوكراني للمعلومات والتحليل، بافيل رودياكوف، هو الآخر، بأن السياسة الخارجية الأميركية مستقرة وثابتة، ولا تتحدد بشخصية الرئيس. ولفت رودياكوف إلى أن “روسيا مصنفة في أميركا كمنافس وخصم، وحتى عدو. كان يتم وسيستمر انتهاج مثل هذه السياسة، بصرف النظر عن فوز بايدن أو ترامب، أو لا أحد منهما في حال استمرت المرافعات القضائية لنصف عام”.
في سياق آخر، توقع رودياكوف أن يشكل صعود بايدن خطراً على زيلينسكي، الذي قد يفقد السلطة، وفق اعتقاده، في ظلّ تعامل الرئيس الأميركي المنتخب مع الرئيس الأوكراني السابق، بيترو بوروشينكو، على أنه “الزوجة المفضلة” في أوكرانيا. ومع ذلك، كان زيلينسكي من بين أوائل القادة الأجانب الذين هنأوا بايدن بالفوز قبل نحو أسبوع، معرباً عن تفاؤله بمستقبل الشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة والتعاون في مجالات الأمن والتجارة والاستثمار ومكافحة الفساد.
المصدر: العربي الجديد