شكلت تفجيرات ١١ سبتمبر ٢٠٠١ في الولايات المتحدة الامريكية عنوانا لمرحلة جديدة من عمر النظام العالمي الرأسمالي الصهيو – أمريكي..وعلى الرغم من التسويق الإعلامي الخطير الذي رافقها لتبدو متناسقة مع التفسير الأمريكي لها ، وبالتالي لتشكل تبريرا لما سوف يتلوها من ممارسات بشعة إجرامية لذلك النظام على مستوى العالم ؛ إلا أن التحليل العقلي الموضوعي للرواية الأمريكية ذاتها حول تفاصيل الأحداث والتفجيرات ومن يقف وراءها ؛ يبين مدى الخلل في حلقات الرواية وتفاصيل وقائعها فضلا عن لا معقولية وقوع ما حدث بالطريقة التي عرضها الإعلام الأمريكي – الصهيوني وتناقلها عنه كل الإعلام العالمي وبقي يرددها ولا يزال على ذات المنوال..
وسواء كانت الرواية صحيحة أو قابلة للتصديق ، أو كانت مفبركة ملفقة ؛ فإنها تدل بوضوح على جملة أمور حيوية ؛ أهمها :
١ – ضعف البناء العسكري الأمني الأمريكي وعجزه عن حماية الداخل الأمريكي ذاته..
فحيث تسنى لمجموعة من بضعة أفراد ، أيا كانت إمكانياتهم العقلية أو المادية أو التقنية ، إختراق قلب العاصمة الأمريكية لا بل أهم موقع امني عسكري فيها وهو وزارة الدفاع الأمريكية ذاتها ؛ كما أختراق أهم مدينة أميركية أي نيويورك عاصمة المال والاعلام والبنوك والبورصات العالمية ؛ فتمكنت تلك المجموعة الصغيرة من ذلك الإختراق وتنفيذ عملياتها العسكرية وإتمامها بنجاح حتى النهاية دون أية ردة فعل عسكرية أو أمنية أمريكية ، فهو يدل على مدى هشاشة البنيان الأمريكي من الداخل وعجز منظومته العسكرية الأمنية عن حماية كيانها الذاتي في عقر داره..
فكيف تكون قادرة ، وحالها كذلك ، على حماية العالم الخارجي الذي تدعي لذاتها وظيفة حمايته من الإرهاب العالمي ؟؟
فإذا لم تستطع حماية مقراتها هي وقلب كيانها الإمبراطوري المهيمن ؛ فبالتأكيد لن تقوى على حماية الآخرين من ذلك الإرهاب الموصوف ؛ أكان مزعوما أم حقيقيا ..
وبالتالي فكل ما تأسس على فرضية تصدي الولايات المتحدة ” للارهاب العالمي ” ومسؤوليتها الثقافية والإنسانية والدولية والمعنوية عن حماية العالم من خطر ذلك الإرهاب ؛ إنما هو ساقط غير موضوعي وغير ممكن حتى ولو إفترضنا حسن النوايا الأمريكية في ذلك المضمار..وبالتالي يستدعي البحث في معرفة الأهداف الأمريكية المخفية من وراء كل تلك الروايات والإدعاءات..
٢ – هذا أذا سلمنا بصحة الرواية التفسيرية للحدث إياه..
فكيف يكون الحال مع تهافت الرواية ووضوح كذبها وفبركتها ؟ ولماذا تمت الفبركة على هذا المنوال
بالذات وما هي أهداف النظام العالمي إياه ؟؟ وهل تستحق أهدافه من ورائها ، التضحية بآلاف المواطنين الأمريكيين ليس بينهم يهودي واحد ؟؟
فإذا كانت الرواية ملفقة ؛ وهذا هو واقع الحال ؛ فإنه يدل ، من جهة ، على مدى الأزمة الوجودية التي يعيشها النظام العالمي الصهيو – امريكي في جوهره وفي عقله ونهج تفكيره وحساباته ؛ ومن جهة ثانية على مدى الوحشية الإجرامنة القابعة في عمق عقله وتفكيره وشخصيته بل وفي جميع مقومات تكوينه الثقافي والإنساني..
فحينما يلجأ إلى الكذب والتلفيق لتغطية أعمال هجومية إجرامية بعمل إجرامي مدبر ؛ فإنه يكشف عن حقيقته التي طالما سعى لإخفائها وتغليفها بشعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان والسلام العالمي وسواها…
وهذا أيضا يبين تهافت كل إدعاءاته التي ساقها لتغطية تدخلاته اللاحقة السافرة في أنحاء العالم ولا سيما في العالمين العربي والإسلامي..
٣ – شكلت القاعدة الإستراتيجية لما يسمى الحرب على ” الإرهاب العالمي”..وحيث أن الولايات المتحدة كانت هي المستهدفة من عدوان ذلك الإرهاب ، فقد أعطت لنفسها الحق في قيادة العالم الحر لمواجهة الإرهاب ..وعلى هذا الأساس راحت تتدخل في كل مكان تحت هذه الذريعة..
٤ – ترافقت بضغوط هائلة إعلامية ونفسية وثقافية على عقول البشر جميعا لإعادة قولبتها وفقا للرؤية الإستراتيجية الأمريكية التي تخدم مصالحها المادية المباشرة وهيمنتها على كل مقدرات المجتمعات الانسانية..
وقد إضطرت لتدبير عمليات إجرامية إستهدفت مواقع انسانية كثيرة للتدليل على وجود إرهاب عالمي وإستمرار تهديده للمجتمعات الانسانية بما يفرض عليها الإنضواء في إستراتيجية المواجهة التي تضعها امريكا وتقودالعالم فيها..وكانت تهمة تأييد الإرهاب جاهزة لمن لا ينساق لها ؛ سرا أو علانية..
وللأسف فقد إستطاعت جعل مهمة محاربة الإرهاب بديلا عن أية قضية إنسانية أو فوقها تعلو عليها وتتفدمها ..بل أصبحت معيارا لسياسة وسلوك مهظم العالم ونظمه الرسمية ومعها الكثير من أحزابه ونخبه ومثقفيه..
وهكذا تراجعت قضايا الشعوب المقهورة المغلوبة وقضايا التحرر والتقدم والعدالة والإنماء والبناء..
٥ – شكلت إعلانا لتبدل مسارات سياسية كثيرة وإنتقالها من معسكرات تعادي الإمبريالية إلى ألإنضواء تحت مظلة الرعاية الأمريكية ..وهو ما كان ملحوظا في صفوف كثير من “اليساريين” و”القوميين” و”الدينيين”…
٦ – شكلت إفصالحا عن إنطلاق حرب النظام العالمي الرأسمالي الصهيو – أمريكي على الوجود العربي من أساسه ..بحيث إنتقلت من حروب على الدور والوظيفة والمقدرات إلى عدوان شامل كامل على الوجود ذاته..
ولهذا تم إختيار أسماء المهاجمين في ١١ سبتمر بعناية تامة بحيث تكون دليلا لذلك العدوان الشرس على العرب أجمعين..
فكان غزو العراق وإحتلاله عسكريا منصة إطلاق تلك الحرب بصيغتها العلنية المباشرة ..وكانت حجة أسلحة الدمار الشامل ؛ غير الموجودة أصلا ، وصلا لأهداف الغزو بمواجهة خطر الارهاب العالمي..والتي على أساسها وبناء عليها جرى تقسيم العراق وتدمير بنيته الأساسية ومقوماته وإفقار شعبه وتفتيت مجتمعه وإغتيال علمائه وأحراره..
وهي الحرب التي انتقلت الى بلاد عربية أخرى كثيرة..
٧ – وحيث أن المهاجمين كانوا عربا ؛ إلا أنهم كانوا مسلمين أيضا ..وهذا ما أعطى للحرب العدوانية طابع الإستهداف الديني مما جعل الإسلام كدين أحد أهم أهداف تلك الحرب ..فصار مصدرا للإرهاب ومغذيا له ومحرضا عليه وصار المسلمون أداته وتراثهم الديني والتاريخي أهم شرايين تغذيته بالمبررات والأفكار والسبل أيضا..
وهو ما شكل أيضا إطلاق تلك الحرب الشرسة على الإسلام كدين وربطه بالإرهاب وعلى المسلمين كمتطرفين إرهابيين..
وهكذا تكاملت أبعاد الحرب العدوانية لتكون العروبة والإسلام عدوها اللدود فلا مجال للسلام إلا بسحقهما معا..
وفي سياق هذا الجانب من العدوان تم تجييش أعداد كبيرة من النخب لتنخرط في معارك تبريرية او تلفيقية تخدم أهداف الحرب إستراتيجيا وتستهلك إمكانيات البحث والتغكير والعمل لتبعدها عن ساحات المعارك اليومية الدائرة إلى ساحات فرعية حيث المعارك الهامشية الإستنزافية المثيرة لأنواع الإنقسام والغتنة والتناحر..
٨ – وفقا لتلك الرؤية والرواية والإستراتيجية جرى التعاطي مع إنتفاضات الشعوب العربية ضد أنظمتها ، فكان إختراع التنظيمات الإرهابية المسلحة في مختبرات أجهزة الأمن والإستخبارات وإطلاقها وتمكينها ومدها بالإمكانيات والعناصر البشرية والتغطية الإعلامية والسياسية ؛ الوسيلة الأكثر فعالية في إجهاض تلك الإنتفاضات وحرفها عن مساراتها التحررية لتحل محلها حرب الإرهاب على المجتمعات والدول..بعد أن كانت حرب الشعب على أنظمة التبعية والإجرام والفساد..
٩ – كان توضيب تلك الهجمات بالصورة التي قدمت فيها إعلاميا بحيث كان المهاجمون عربا مسلمين ؛ وإمتناع الموظفين من اليهود الامريكيين العاملين في البرجين عن الحضور في ذلك اليوم ، ذا دلالة واضحة على صلة التفجيرات بمصالح صهيونية محددة..وكان سياق الأحداث فيما تلاها يفيد في تدمير مقومات البلاد العربية وإستنزاف قوتها وإستدراج مناعتها إلى الدرك الأسفل ؛ تحضيرا لعصر صهيوني تكون الإمرة فيه لدولة ” إسرائيل ” الإستعمارية الغاصبة ؛ على مجمل المنطقة ..وهو ما يجري تنفيذه راهنا..
وما ” صفقة القرن ” إلا إحدى ثمرات ١١ سبتمبر ٢٠٠١..
١٠ – ما العمل ؟؟
شدة وتزول..هيمنة إلى إضمحلال.فكيف ذلك ؟؟
ليس في معطيات الواقع العربي الراهن ما يضمن مقدرة فعالة على الصمود والتقدم..
والتدخلات الخارجية في ذروتها..والمواطنون مستضعفون..
أمل كبير بمقدرة شعب الداخل الفلسطيني على عرقلة الصهينة تمهيدا لإنحسارها وفشل أهدافها الخبيثة التي لن يسلم عربي من حقدها وأطماعها المغلفة بدعاوى دينية كاذبة..
فليتحمل كل عربي حر مسؤولية حماية حياته ذاتها ووجوده ذاته ، كما العروبة والإسلام ، من الصهينة..وليس هذا بعسير..
المصدر: كل العرب