تجنبت موسكو التعليق أمس، على اتهامات للطيران الحربي الروسي بشن غارات عنيفة على معسكر تدريب تابع للمعارضة السورية في شمال غربي البلاد، في وقت برزت معطيات متباينة في وسائل الإعلام الروسية حول الحادث. وكان لافتاً، التركيز على أن المعسكر شهد إعداد متدربين لنقلهم إلى منطقة جنوب القوقاز؛ لاتساع الخلافات بين موسكو وأنقرة في عدد من الملفات.
وقالت وسائل إعلام حكومية ناطقة بالعربية، إن الضربة شنها الطيران الحربي السوري. ونقلت عن مصادر ميدانية، أن «ضربات جوية مكثفة استهدفت معسكراً لتدريب مسلحي تنظيم (فيلق الشام) في منطقة الدويلة في ريف إدلب الشمالي الغربي؛ ما أسفر عن مقتل العشرات من إرهابيي التنظيم». وزادت، أن «طائرات الاستطلاع رصدت معسكر تدريب تابعاً للمجموعات المسلحة يحتوي على معدات عسكرية وعربات دفع رباعي وأسلحة متنوعة، حيث كانت تعمل المجموعات المسلحة على نقلها باتجاه جبل الزاوية وجسر الشغور».
لكن وسائل الإعلام الناطقة بالروسية نقلت صورة مغايرة؛ إذ نشرت شبكة «رامبلر» الواسعة الانتشار عن مراسلين حربيين روس، أن «القوات الجوية الروسية دمرت قاعدة إرهابية في محافظة إدلب السورية». وزادت، أن «الغارة أسفرت عن قتل نحو 100 مسلح، بينهم 13 قائداً ميدانياً، وإصابة نحو خمسين إرهابياً آخرين».
اللافت أن صحفاً روسية نقلت تفاصيل مثيرة عن حصول القوات الروسية على معلومات وإحداثيات موقع المعسكر المستهدف من أجهزة الاستخبارات السورية التي حصلت بدورها على هذه المعطيات من فصائل في المعارضة خاضت معارك أخيراً ضد «هيئة تحرير الشام». وكتبت إحدى الصحف، أن «الحروب الضروس للإرهابيين فيما بينهم تساعد روسيا على تدمير قواتهم».
وكانت موسكو هيأت لضربة كبيرة عندما أعلن ألكسندر غرينكيفيتش، نائب رئيس المركز الروسي للمصالحة بين الأطراف المتحاربة في سوريا، أول من أمس، أن «مسلحي (جبهة النصرة) الإرهابية نفّذوا 38 هجوماً في منطقة خفض التصعيد بإدلب في سوريا». ونقلت وكالة أنباء «نوفوستي» الرسمية عنه، أن معدلات الانتهاكات لنظام وقف النار ارتفعت بشكل حاد خلال الأيام الأخيرة.
ورأى مراقبون روس، أن الضربة القوية على المعسكر قد تشكل رسالة روسية إلى الجانب التركي، خصوصاً في حال ثبتت صحة المعطيات عن استخدامه لتجهيز مقاتلين لإرسالهم إلى جنوب القوقاز.
وكان لافتاً أن مقالات عدة ركزت على ملف تصاعد الخلافات بين موسكو وأنقرة وعلى خلفية الصراع الدائر حالياً في إقليم قره باغ، والمعطيات عن قيام أنقرة بزج مئات المقاتلين السوريين في تلك المنطقة. وكشف الباحث المقرب من وزارة الخارجية الروسية رامي الشاعر، عن جوانب من التباينات التي باتت تبرز بشكل واسع بين أطراف محور آستانة. وكتب في مقالة، أن «مسار آستانة يمر بمنعطف مقلق، على صعيد العلاقات الروسية مع كل من تركيا وإيران».
وانعكست بعض العناصر الخلافية، وفقاً للكاتب، في تصريحات «بعض المسؤولين الأتراك في أروقة الاجتماعات بعدم ضرورة مشاركة إيران في مسار آستانة؛ نظراً لغياب أي دور في شمال غربي سوريا أو دور إيجابي أو سلبي على نظام وقف إطلاق النار في أرجاء سوريا»، وأكثر من ذلك، فإن هذه الأوساط التركية تأخذ على طهران قيامها بـ«تحريض النظام في دمشق على تحرير شمال غربي سوريا، وإعلان الحرب ضد التواجد العسكري التركي».
وفي ملف خلافي آخر، أبدت تركيا، وفقاً لمعطيات الكاتب، عدم ارتياح لمبادرة روسيا بعقد مؤتمر خاص لحل مشكلة اللاجئين من دون التشاور مع تركيا أو مشاركتها في تنظيم فعالية كهذه.
ومن جهة أخرى، قال الدبلوماسي السابق «نلمح تململاً إيرانياً من تجاهل دور إيران كعضو في مسار آستانة في التنسيق التركي – الروسي في شمال غربي سوريا، وغيرها من القضايا الخاصة بسوريا، والتي يتم البت فيها دون مشاركة أو استشارة إيران، علاوة على انتقادات إيرانية غير معلنة لعدم اعتراض روسيا للطيران الإسرائيلي، الذي يكرر ضرباته ضد مواقع على الأراضي السورية؛ ما يمكن أن يضطر إيران إلى نشر قواعد إيرانية لحماية الأراضي السورية واعتراض الهجمات الإسرائيلية». وأشار إلى تباين مواقف موسكو وأنقرة حيال الملف الليبي، وزاد «وهناك مواقف متباينة بين روسيا وتركيا وإيران فيما يتعلق بأزمة قرة باغ الأخيرة».
لكن الكاتب استبعد أن تسفر التباينات حول الملفات المختلفة عن اتساع الهوة أو تدهور العلاقات بين البلدان الثلاثة ورأى أن «الضامن الأساسي لعدم تفاقم هذه الأجواء المضطربة وغير المريحة هو العلاقة الخاصة والودية بين الزعماء (فلاديمير) بوتين و(رجب طيب) إردوغان و(حسن) روحاني، والتي تحافظ على روح من التعاون البناء، والاستدامة والاستمرارية في حل القضايا المعقدة على الصعيدين الإقليمي والدولي، واتخاذ القرارات المسؤولة التي تمنع حدوث شرخ في مسار آستانة».
على صعيد آخر، أشاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بمستوى التنسيق الأمني والاستخباراتي بين موسكو وواشنطن في مكافحة الإرهاب على الأراضي السورية. وقال في مقابلة تلفزيونية بثت مساء أول من أمس «نحن نتعاون مع الولايات المتحدة، على الرغم من تناقضاتنا الكثيرة في الكثير من المجالات، التعاون على مستوى الأجهزة متواصل، في سوريا لدينا تعاون مهم على المستوى العملياتي، وعلى مستوى قيادة وحداتنا العسكرية، ومن بين أمور أخرى، ينقل الأميركيون إلينا معلومات عن مكافحة الإرهاب»، مشيراً إلى أن الجانب الأميركي سلم روسيا «أكثر من مرة معلومات ساعدت في منع وقوع هجمات إرهابية».
كما كشف بوتين عن تفاصيل عن مساعدة روسية لواشنطن في إطلاق سراح مواطن أميركي كان مسجوناً لدى دمشق بتهمة التجسس. وزاد «لجأ الجانب الأميركي إلينا للمساعدة في العثور على مواطنهم الذي تم اعتقاله في سوريا بتهمة التجسس. تمكنا من إقناع شركائنا (الحكومة السورية) بإطلاق سراحه. ثم نقلناه إلى موسكو وتم تسليمه هنا إلى الجانب الأميركي». ورأى بوتين، أن هذا المثال «يعكس جانباً مهماً للتعاون الذي كان من الممكن أن يكون مستواه أفضل بكثير، لكن عموماً نحن راضون عنه».
المصدر: الشرق الأوسط