عارضت طهران الجولة الأولى من المفاوضات التي جرت بينهما في الدوحة قبل أشهر. لم تمر الحساسية العالية التي أبدتها قيادة حركة طالبان الأفغاني جراء ما تعرض له الرئيس الأميركي دونالد ترمب من إصابته بفيروس كورونا مرور الكرام على القيادة الإيرانية.
فقد أتت مواقف القيادة وتمنياتها بالشفاء لترمب في وقت تحسب طهران الأيام المتبقية على الانتخابات الرئاسية بفارغ الصبر، لتعرف في أي اتجاه ستتجه الأزمة المتفاقمة والمعقدة بينها والبيت الأبيض، وهل ستكون في مواجهة موجة جديدة من التصعيد قد تمتد لأربع سنوات إضافية، في حال عاد ترمب إلى المكتب البيضاوي، أم أنها ستواجه تعقيداً مختلفاً مع جو بايدن في حال فوزه نتيجة التركة والإرث المتراكم من القرارات الإدارية والعقوبات المتشعبة والمتداخلة التي ورثها من سلفه الجمهوري؟
قد لا تختلف قراءة الإدارة الإيرانية لنتائج الانتخابات الأميركية عن قراءة قيادة حركة طالبان، إلا أن منطلقات كلا القراءتين تختلف عن الأخرى لجهة المصالح والمخاوف.
وترى طالبان، في الحوارات والمفاوضات التي أجرتها مع الجانب الأميركي، حول قرار انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان، فرصة لا تعوض من أجل العودة إلى فرض شروطها على الساحة الأفغانية والعودة، لتكون لاعباً أساساً وأكثر من شريك في الحياة السياسية.
في حين، ترى طهران أن أي اتفاق مباشر بين واشنطن وطالبان على السلام في أفغانستان، وإعطاء دور هامشي للحكومة الأفغانية، يعني محاولة قلب الطاولة على كل المساعي التي بذلتها القيادة الإيرانية، للتوصل إلى صيغة شراكة حقيقية بين طرفي هذه الأزمة، بعيداً من الأهداف الأميركية التي تنصب على تحقيق هدف الانسحاب، وتقليل الخسائر في هذا البلد، في إطار تطبيق الإستراتيجية التي أعلنها ترمب، بالانسحاب من مناطق النزاعات خارج الحدود الأميركية.
بين إيران وطالبان
العلاقة التي أقامتها طهران مع بعض الجماعات والأجنحة داخل حركة طالبان، كان الهدف منها تحقيق مصالح إيران على الساحة الأفغانية، وفي مقدمها، العمل على استغلال هذه الحركة، أو بعض أجنحتها لحرمان القوات الأميركية وواشنطن من تحقيق أهدافها، التي لا تصب في صالح إيران، وتالياً منع عودة سيطرة هذه الحركة على الحياة السياسية على الحدود الشرقية، وما تشكله من خطر كامن لها في المستقبل.
من هنا جاءت معارضتها للجولة الأولى من المفاوضات التي جرت بين طالبان وواشنطن في الدوحة قبل أشهر، لأنها استثنت الحكومة الأفغانية من المشاركة، وقادت طهران آنذاك حراكاً متشعباً دبلوماسياً وسياسياً وأمنياً وزيارات إيرانية إلى كابول، قام بها وزير الخارجية محمد جواد ظريف وسكرتير المجلس الأعلى للأمن القومي علي شمخاني وقائد قوة القدس الجديد – القديم في الملف الأفغاني الجنرال إسماعيل قآني، وفي المقابل زيارات أفغانية إلى طهران من ضمنها وفد من حركة طالبان.
وصبت هذه الزيارات في سياق معالجة الخلل الحاصل جراء تغييب دور الحكومة المعنية الأولى في تطبيق الاتفاق الذي توصل إليه بين واشنطن وطالبان، بخاصة في موضوعي المعتقلين من طالبان، والمشاركة في العملية السياسية.
دفع ذلك إلى جولة جديدة من التفاوض، استضافتها الدوحة قبل نحو شهر، بمشاركة من حكومة أشرف غني وحضور إيراني.
الالتقاء بين الحكومتين الأفغانية والإيرانية على مخاطر أي اتفاق سلام بين واشنطن وطالبان، قد يكون السبب فيه المخاوف من لجوء واشنطن للتسريع في الانتهاء من الصيغة النهائية لهذا الاتفاق في الأيام القليلة المتبقية على الانتخابات الرئاسية، ليكون ورقة في يد الرئيس أمام خصمه الانتخابي، بالتالي قد تقدم واشنطن كثيراً من التنازلات لحركة طالبان على حساب الحكومة الرسمية، ما يعني بالنسبة إلى طهران العودة إلى المربع الأول من المخاوف، التي قد تنتج من عودة طالبان إلى السيطرة على أفغانستان، وهذه المرة بغطاء أميركي.
تصعيد طالبان
في المقابل تضغط طالبان من خلال رفع مستوى الاضطرابات الأمنية وحالة عدم الاستقرار، لجر واشنطن إلى تسريع الانتهاء من هذا الاتفاق، والانتقال إلى مرحلة التطبيق العملي، ما يضمن لها مشاركة أكثر في الإدارة والقرار.
لا تتوقف المخاوف من صفقة أو تفاهم أو اتفاق بين طالبان وواشنطن عند حدود القيادة الإيرانية، بل تتسع دائرتها لتشمل كلاً من باكستان والهند المعنيتين بالتطورات الأفغانية في شكل مباشر، لما لهذه الساحة من تأثير مباشر على أوضاعهما الداخلية.
لذلك أتت الحركة الدبلوماسية، التي يقوم بها رئيس اللجنة العليا للمصالحة الأفغانية عبدالله عبدالله، والزيارت التي قام بها إلى نيودلهي وإسلام أباد وطهران، الهادفة إلى حشد جهود هذه الدول لمواجهة تداعيات أي قرار أميركي بالانسحاب من أفغانستان، وما يعنيه من إعادة تمكين حركة طالبان وفرضها كشريك للحكومة قادر على التحكم بمفاصل القرار السياسي والأمني والعسكري.
إضافة إلى إمكانية أن يؤدي ذلك، إلى عودة عدم الاستقرار الداخلي، وأن ينسحب هذا الأمر على دول الجوار الأفغاني وما يعنيه ذلك من الأعباء الاقتصادية، كارتفاع أعداد المهاجرين والأزمات التي تتولد من ذلك لهذه الدول، التي لم تسلم من نتائج الأزمات الاقتصادية العالمية، بخاصة الجانب الإيراني الذي يعاني أيضاً من آثار العقوبات الاقتصادية المفروضة عليه.
ويمكن القول أن المسار التفاوضي الذي تقوده واشنطن مع طالبان شكل مصدر قلق حقيقي ليس لطهران فحسب، بل أيضاً للحكومة الروسية التي تلتقي مع طهران في مخاوفها من التطورات الأفغانية، وعودة طالبان إلى فاعل رئيس وأساس في العملية السياسية والنفوذ في هذا البلد، خصوصاً ما تشكله من تهديد محتمل لعودة التطرف على حدود طهران الشرقية، وإمكانية تحول أفغانستان إلى طريق الإرهاب التكفيري، وصولاً إلى عمق الأراضي الروسية والعاصمة موسكو.
وبرزت تلك المخاوف في جدول المباحثات التي جرت بين وزير الخارجية الإيراني ظريف ونظيره الروسي سيرغي لافروف، في الزيارة التي قام بها الأول إلى موسكو في سبتمبر (أيلول) الماضي، وتصدر خلالها موضوع السلام الأفغاني محاور المباحثات بينهما.
المصدر: اندبندنت عربية