الانسان المهدور دراسة تحليلية نفسية اجتماعية

أحمد مظهر سعدو

عن المركز الثقافي العربي في لبنان والمغرب صدر كتاب بحثي مهم للدكتور مصطفى حجازي بعنوان (الانسان المهدور / دراسة تحليلية نفسية اجتماعية) ضمن 350 صفحة من القطع المتوسط، وهو بمثابة استكمال علمي متتابع لكتابه الأول (التخلف الاجتماعي/ مدخل الى سيكولوجيا الانسان المقهور).
في هذا الكتاب غوص عميق في ماهية الانسان العربي المقهور والمهدور، ومحاولة جادة لتلمس الكينونة العلمية التحليلية لما آل اليه وضع الانسان ضمن هذه الظروف الاستبدادية الواقعة عسفًا على مجمل الحالة العربية، وهذا الكتاب صحيح أنه كان قد صدر قبل ما سمي موجات الربيع العربي إلا أنه بمثابة تفسير وتهيئة لما جاء مع الربيع العربي جراء الهدر والقهر المستمرين من قبل نظم عربية استمرأت إهانة وذل الفرد العربي وكذلك الجماعة.
حيث يشير الباحث إلى أن الغاية الأساس من هذا العمل تتمثل في الكشف وصولًا الى الوعي والتبصر فيما يحل بالمجتمع وناسه من هدر، واستجماعًا للطاقات الحية والمتفجرة وإطلاقها من القمقم الذي يسجنها فيه الهدر ووكالاته وآلياته كي تعاود مسيرة النماء وبناء مشروع وجود ذي قيمة وصناعة المصير الفردي والجماعي.
يؤكد الكاتب أن كتابه هذا دعوة الى النهوض لاسترداد زمام المصير وادارته على الأقل على المستوى الذاتي، مما يساعد على قلب المعادلة وإعادة تصويب المسار.
يقول حجازي: انه في أساس هذا الحصار والقهر والقمقمة هناك قضية تتجاوز الحرية والديمقراطية في طروحاتها المعهودة، اننا بصدد شرط سابق عليهما يتمثل في الاعتراف بإنسانية الانسان وكيانه وحرمته وحصانته وقيمته الأولية غير المشروطة قبل البحث في الحرية والديمقراطية.
فقط بعد الاعتراف بإنسانية الانسان وكيانه بشكل غير مشروط يصبح المجال مفتوحًا للحديث في الحرية وإقامة الديمقراطية ومجتمع المؤسسات.
لذلك فهو يقول كذلك: وهكذا فالاستبداد ليس مجرد حجب للديمقراطية او منع للحقوق بل هو علاقة مختلفة نوعيًا تقوم على اختزال الكيان الإنساني للآخرين الى مستوى الرعية التي تعني لغويًا القطيع من الأكباش، أو الأغنام حسب (الجابري).
يشير حجازي الى ان الانسان المستلب في وطنه ومجاله الحيوي لا يمكن ان يعطي وبالتالي ان يبني، يقنع في أحسن الأحوال بالتفرج السلبي في حالة من الغربة، كما ينحدر الوجود الى مستوى الرضى بمكسب مادي يغطي الحاجات الأساسية.
ويتحدث عن التصدع النفسي للإنسان العربي الناتج عن الهدر وخاصة في سجون الطغاة فيقول: ينتج التعذيب طويل المدى كيانات إنسانية في حالة خراب ان لم يكن جسديًا فهو بالتأكيد خراب نفسي ذلك هو الهدر الكارثي وهكذا يتعين طرح القضية.
ذلك هو ما يحدث تماما في أنظمة الطغيان والاستبداد حيث المعارض السياسي المعتقل يتحول مسبقًا الى اختزال كيانه في أسطورة الخيانة او التخريب والشر او عدو الأمن القومي.
وحول سيكولوجية الجلاد يقول: إننا بصدد انهيار الرباط الإنساني (الأنا/ الآخر) بين الجلاد وضحيته تتحول فيه الضحية الى اسطورة او شيء وتسحب منها انسانيتها. السجين الذي يخضع للتعذيب على هذا الغرار لا يعود آخر شبيها بالجلاد بل هو يتحول الى اسطورة الخيانة او السوء او الاجرام او عدو القضية النبيلة ينمحي الشخص الحقيقي تدريجيًا في نوع من التعامي الموجه والموافق عليه.
عمومًا فالكتاب من الأهمية بمكان فهو بحاجة لنا جميعًا كي نتوخى فهم ما يجري من حولنا، عبر استبداد طغياني ممارس علينا منذ عشرات السنين، وهو ما أدى إلى كل هذه المساحة من الهدر غير المسبوق في التاريخ الحديث أو القديم.
يُمسك الدكتور مصطفى حجازي بحق بناصية التحليل النفسي المتمكن، فينتج بحثًا غاية في الأهمية وهو ضروري لكل من أراد أن يعي الماهية الواقعية النفسية الاجتماعية لحالات الهدر التي نحياها في حيواتنا منذ سنين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى