“الفصائل المسلحة لم تعد تقبل بالكاظمي وتسعى إلى إظهار أنها هي مّن يمسك بالميدان” في مشهد بات شبه معتاد في العراق، اقتحمت حشود على صلة بفصائل “الحشد الشعبي” المسلحة مقر للحزب الديمقراطي الكردستاني في بغداد، يوم السبت 17 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، وقامت بحرقه وتخريبه تحت أنظار قوات الأمن المكلفة بحماية المكان.
منصات تحريض مقربة من الفصائل
وتُعد هذه الحادثة امتداداً لسلسلة حوادث مشابهة طالت قنوات فضائية، كان أبرزها اقتحام وحرق قناة دجلة الفضائية في 31 اغسطس (آب) الماضي، فضلاً عن اقتحام وتخريب قناة “MBC عراق” في 18 مايو (أيار) الماضي.
وسبقت عملية الاقتحام تحريضاً من منصات مقربة للفصائل المسلحة على شبكات التواصل الاجتماعي، وقالت شبكة “رووداو” الكردية أن من أبرز المجموعات التي هددت بحرق مقر الحزب هي جماعة “ربع الله” و”فرقة أحباب الله”.
وأظهرت مقاطع مصورة عناصر تابعة لتلك المجموعات وهي تقتحم مقر الحزب الكردي وتحطم ممتلكاته وتستحوذ على أجهزة ووثائق كانت داخله، فضلاً عن إشعال النيران فيه.
وفي كل مرة، تسبق الاعتداءات من هذا النوع حملات تحريض وتحشيد، من خلال قنوات خاصة مقربة من “الحشد” على منصة “تليغرام”، التي باتت المنصة الأبرز لإعلان تلك الجماعات عن مواعيد التجمهر أمام الأماكن المستهدفة.
ويعتقد مراقبون أن تلك الجماعات التي تحمل أسماء “ربع الله” و”جبهة أبو جداحة” وغيرها من الأسماء، لا تمثل سوى عناوين جديدة للفصائل الرئيسة تتكفل بالقيام بتلك الأعمال، والغاية منها تجنب الإشارة الصريحة إلى الجهات المسؤولة.
القوات الأمنية وإخماد الحرائق
وعلى الرغم من تواجد القوات الامنية إلا أن تلك المجموعات نجحت في أكثر من مرة في اقتحام الأماكن المستهدفة، دون اعتراض أو تدخل من القوات الأمنية، التي تكتفي بإخماد الحرائق من خلال فرق الدفاع المدني بعد انسحاب المهاجمين.
وحمل المهاجمون أعلام “الحشد الشعبي” وصوراً لقائد “فيلق القدس” الإيراني قاسم سليماني، ونائب قائد “الحشد” السابق أبو مهدي المهندس اللذين قُتلا في غارة أميركية، مطلع العام الجاري.
وأحرق المهاجمون علم اقليم كردستان، وصور لقادة أكراد مثل الرئيس السابق لإقليم كردستان العراق، مسعود البارزاني، ووزير الخارجية العراقي الأسبق هوشيار زيباري، القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني.
ولعل ما أشعل الأجواء هو تصريح سابق، قال فيه زيباري إن الحكومة العراقية أمام تحدٍ كبير وضروري لـ”تنظيف المنطقة الخضراء من الميليشيات الحشدية”، ما أدى إلى تصعيد كبير ومشادات كلامية بين نواب عن كتل مقربة من “الحشد”، ونواب “الحزب الديمقراطي”، ما ادى إلى رفع جلسة البرلمان.
الحكومة تعتقل 15 شخصاً
وبعد الاستنكار الكبير لعدم تدخل قوات الأمن العراقية في حماية المقر، ذكر بيان للمكتب الاعلامي لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، إن قوات الأمن “ألقت القبض على 15 شخصاً متجاوزاً على القانون”.
وأشار البيان إلى أن “المجلس الوزاري للأمن الوطني ناقش حادثة الاعتداء على مقر الحزب الديمقراطي الكردستاني في بغداد من قبل مجموعة من المتظاهرين، الذين خرقوا سلمية التظاهرات، ولجأوا الى العنف بإشعال النيران في المبنى”.
وفيما دان المجلس عملية الاقتحام، أشار البيان إلى أنه “قرر فتح تحقيق بالحادث برئاسة مستشار الأمن الوطني، يتضمن بحث الملابسات التي رافقت الاعتداء وتقييم دور القوى الأمنية المسؤولة عن حماية المبنى ومحيطه، بالإضافة إلى ملاحقة المتورطين بعدما تم إلقاء القبض على 15 شخصاً من المتجاوزين على القانون”.
بيانات الاستنكار
وأثارت حادثة حرق مقر الحزب الديمقراطي في بغداد، ردود فعل سياسية واسعة، حذّرت في الغالب من “تهديد الاستقرار والسلم الأهلي”، حيث نددت قيادات سياسية عدة بحادثة الحرق تلك، كان أبرزها رئيس الجمهورية برهم صالح ورئيس إقليم كردستان نيجيرفان البارزاني، فضلاً عن قيادات سياسية أخرى.
وذكر بيان صادر عن رئاسة الجمهورية، أن “أعمال التخريب وحرق المقرات لا تصبّ في مصلحة البلاد، وإنما تهدد الاستقرار والسلم المجتمعي”، داعياً “الحكومة إلى فتح تحقيق عاجل بعملية الاعتداء ومحاسبة المقصرين”. وأشار البيان إلى أن “التعاون والتكاتف بين الجيش والبيشمرگة والحشد الشعبي، والقوى الأخرى هي مَن جاءت بالنصر على الإرهاب، ومن غير المقبول إدخال هذه التضحيات ضمن السجالات الجانبية والطرق المنفعلة والتخريبية التي عبّرت عن ذلك بالإساءة إلى علم كردستان الذي له رمزيته ودلالته التاريخية لدى العراقيين، ويُعدّ جزءاً من الكيان الدستوري العراقي”.
في المقابل، رأى رئيس اقليم كردستان نيجيرفان البارزاني في بيان، أن “فئة خارجة عن القانون قامت، صباح اليوم بإحراق مقر فرع الحزب الديمقراطي الكردستاني في بغداد، وخلال مهاجمة المقر أُحرق علم كردستان وصور الرموز الكردية ثم تم رفع علم الحشد الشعبي على المبنى”.
وفيما دان الهجمة واصفاً اياها بـ”العمل التخريبي”، أشار البارزاني إلى أن مهاجمة “مقر حزبٍ كان من القوى الرئيسة التي أسهمت في إسقاط الدكتاتورية في العراق، هي بالتالي مهاجمة للتاريخ النضالي المشترك للكرد والقوى العراقية الثائرة للقضاء على الظلم والدكتاتورية. كما أنها مهاجمة للتعايش السلمي وتقويض للسلم المجتمعي والسياسي ولا تتفق مع مبادئ الدستور والديمقراطية وحقوق الإنسان”.
ودعا البارزاني، جميع الأطراف إلى “التعامل بهدوء مع هذه الحادثة”، وأن “تباشر المؤسسات المعنية في الحكومة العراقية بالتحقيقات والإجراءات القانونية بصورة جدية وبسرعة وتقدم المخربين للقانون”.
بيان “الحشد”
في المقابل، أصدر “الحشد الشعبي” بياناً، للتعليق على الحادث، جاء فيه “ندعم حرية الرأي والاحتجاج والتظاهر السلمي بما نص عليه الدستور، لكننا نرفض استخدام العنف والتخريب بأي شكل من الاشكال”.
ونشر زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر بياناً على حسابه في “تويتر”، تساءل فيه “إلى متى يبقى العنف هو المتحكم بين الفرقاء؟”، مضيفاً “اتقوا الله في عراقنا إن كنتم عراقيين وكنتم أحراراً وطنكم. اتقوا الله في السلم الأهلي فإنه في خطر”.
إحراج للحكومة ورسائل للرأي العام
ويرى مراقبون أن التأثير في الساحة السياسية العراقية بات مرهوناً بمدى تحدي الأحزاب لسلطة الدولة، مشيرين إلى أن تلك الحوادث غايتها إحراج حكومة الكاظمي وهي بمثابة رسائل تحدٍ من قبل الفصائل المسلحة.
واعتبر مراقبون أن “ما جرى اليوم يحتاج إلى وقفة لتقييم الدوافع، في ما لو كانت رد فعل على تصريحات زيباري فقط، أم أنها استثمار للتصريح لإيجاد ذريعة للقيام بفعاليات تحرج الحكومة”. ورأى آخرون أن “الفصائل لم تعد تقبل بالكاظمي، وتتخذ من تلك الأمور ذريعة للتصعيد، وإعطاء دليل على أن الأجهزة الأمنية غير قادرة على الردع. ما جرى هو رسالة قوة من الأحزاب بأنهم هم مَن يمسك بالميدان”.
ولفت المصدر ذاته إلى أن المعادلة الحالية جعلت “قوة الموقف السياسي مرهونة بالقوة والتأثير في الشارع”، لافتاً إلى أن “الأحزاب باتت توجه رسائل إلى الرأي العام مفادها بأنها أقوى من المؤسسات، في إشارة إلى كونها أعلى من الدولة”.
المصدر: اندبندنت عربية