لا يزال أحمدي نجاد وفريقه يقفان في منزلة بين منزلتين لدى قيادة النظام المتأرجحة بين احتضانه أو طرده. كلما ضاقت المسافة التي تفصل عن موعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية، اشتد وطيس معركة التنافس وتعددت الأسماء الطامحة لاحتلال الموقع الأول على رأس السلطة التنفيذية.
لكن اللافت في هذا السباق الذي اشتعل مبكراً، أن أكثر الشخصيات التي يتم تداول أسمائها تنتمي إلى المعسكر المحافظ بجميع أطيافه، في حين يظهر الإرباك واضحاً داخل المعسكر الإصلاحي الذي تسيطر على أوساطه حالة من التردد والترقب وحتى التشتت الذي انعكس على صعوبة التوصل إلى اتفاق بين أطيافه وأجنحته حول شخصية جامعة قادرة على توحيد جهود هذا المعسكر في مواجهة المحافظين أو تيار السلطة في هذا السباق.
شخصية تكون قادرة على إقناع الشارع والناخب الإيراني بالخروج إلى صناديق الاقتراع والمساهمة في تغيير قواعد اللعبة ورهانات الآخر المنافس الذي يتحين الفرصة لتحقيق فوز سهل، وإن كان بحجم مشاركة لا تتجاوز الحد الأدنى.
وعلى الرغم من إعلان بعض الشخصيات المحافظة والإصلاحية نيتها الدخول في السباق الرئاسي، حتى أعلن عدد منهم ترشحهم عملياً، فإن اللافت الذي يستدعي التوقف عنده في هذا السياق هو الحراك الذي يقوم به رئيس البرلمان الحالي الجنرال محمد باقر قاليباف والذي يبدو أنه يشكل محاولة لإحراج السلطة التنفيذية ورئاسة حسن روحاني وإظهار عجزها وفشلها في إدارة الملف الداخلي الاقتصادي والمعيشي الذي فاقم الآثار السلبية للعقوبات الاقتصادية.
وذلك في منحى يحاول اتهام روحاني وإدارته الاقتصادية لتوظيف العقوبات كورقة ضغط على السلطة والنظام من أجل الحصول على تنازلات سياسية تسمح له بالذهاب إلى عملية تفاوضية مع الإدارة الأميركية تساعده على فك الحصار الاقتصادي الخانق الذي فرض على إيران والذي يزداد تعقيداً مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية ويعرقل أي عملية تفاهم محتملة مع أي إدارة جديدة تصل إلى البيت الأبيض حتى في حال عودة الرئيس دونالد ترمب وفريقه إلى البيت الأبيض.
الخوف من أحمدي نجاد
لم يعلن قاليباف أنه مرشح للسباق الرئاسي في الانتخابات التي ستجري في يونيو (حزيران) 2021، ويبدو أن هذا التأخير لا يعود إلى قلق من إمكانية فشله بالفوز، كما حصل عام 2013 عندما خسر السباق لصالح روحاني، ولا يتعلق أيضاً بالخوف من إمكانية حصول مفاجآت غير محسوبة مثل إمكانية ارتفاع نسبة المشاركة الشعبية في عملية الاقتراع.
إنما هذا التردد في تأكيد دخوله ومشاركته في السباق الرئاسي يعود إلى عدة عوامل تتعلق بقرار قيادة النظام ورؤيتها حول مستقبل السلطة التنفيذية والشخصية التي يمكن أن تلعب دور الرئيس في المرحلة المقبلة.
ولعل أبرز ما يمكن أن يشكل عامل حسم لدى قيادة النظام للدفع بتبني دخول قاليباف في السباق الرئاسي يتعلق بموضوع الرئيس البديل لقاليباف في رئاسة البرلمان وقطع الطريق على أي مفاجأة قد تحصل في عملية اختيار البديل له، وهو القلق من تفجر معركة السيطرة على السلطة التنفيذية داخل أجنحة المعسكر المحافظ، خصوصاً وأن الجناح الأكثر تحفزاً لقطف موقع رئاسة السلطة التشريعية والأقدر على المنافسة هو الجناح المحسوب أو المقرب من الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، الذي بات يشكل تحدياً لقيادة النظام والمعسكر المحافظ ومحاولته فرض نفسه على الساحة السياسية كممثل أقوى للمحافظين، في وقت يبدو فيه النظام والمحافظون غير قادرين على اعتماد موقف واضح في التعامل مع الظاهرة النجادية واعتبارها جزءاً من القوى المحافظة أو من المجموعات المارقة على هذا المعسكر.
ولا يزال أحمدي نجاد وفريقه يقفان في منزلة بين منزلتين لدى قيادة النظام المتأرجحة بين احتضانه أو طرده، الأمر الذي سمح لنجاد باستغلال هذا الهامش وحاجة النظام لجماعته لإخراج الإصلاحيين من معادلة التأثير السياسي، والدفع لتوظيف هذه الحاجة للالتفاف على القرار غير المعلن باستبعاده عن السباق الرئاسي والبحث عن مرشح يحمل مشروعه بالعودة إلى السلطة.
تمهيد الطريق أمام الجنرال
سياسة التصعيد التي اعتمدها رئيس البرلمان قاليباف في الأشهر الأخيرة في وجه روحاني وحكومته وإدارته للأزمات الاقتصادية والمعيشية، التي ظهرت من خلال الزيارات التي يقوم بها إلى المحافظات التي تعاني بشكل كبير من تداعيات العقوبات الاقتصادية والسياسات الاقتصادية غير الناجعة لحكومة روحاني، فضلاً عن جهود ترجمة مقولة المرشد الأعلى التي دعا فيها البرلمان الجديد الذي يسيطر عليه المحافظون ليكون “برلماناً ثورياً” من خلال تفعيل آليات محاسبة ومساءلة الحكومة وصولاً إلى حدود استجواب الوزراء والرئيس، هذه السياسة تصب في إطار تمهيد الطريق أمام فرض نفسه خياراً حقيقياً لاعتماده كمرشح أساس للرئاسة من قبل القيادة والمعسكر المحافظ.
وفي حال رست بورصة الترشيحات للمعسكر المحافظ على اعتماد خيار قاليباف، وتجاوز عقبة اختبار البديل عنه في رئاسة البرلمان في حال فوزه، فإن قيادة النظام لن تكون في موقع القلق في حال خسر قاليباف السباق الرئاسي لصالح مرشح آخر من المحافظين أو المعتدلين أو الإصلاحيين، فهي قادرة على إعادته إلى موقعه في رئاسة البرلمان اعتماداً على سابقة حدثت عام 1997 عندما خسر مرشحها الشيخ علي أكبر ناطق نوري الذي كان رئيساً للبرلمان السباق الرئاسي لصالح مرشح القوى الإصلاحية السيد محمد خاتمي.
وقد شكلت عودة ناطق نوري حينها لرئاسة البرلمان بعد هذه الخسارة مخالفة دستورية واضحة لأنها خالفت القانون الذي يفرض استقالة أي مرشح من منصبه الإداري في الدولة قبل مدة زمنية تختلف باختلاف الموقع الذي يشغله، وفي حالة ناطق نوري وقاليباف فإن المدة لا تقل عن ستة أشهر قبل موعد الانتخابات. الأمر الذي يعتبر بالنسبة لقاليباف والنظام عدم الخسارة في أي خيار أو نتيجة قد يتم اعتمادهما في الانتخابات الرئاسية، وهي تضمن لقاليباف على الأقل الفوز بإحدى الرئاستين، إما الانتقال إلى رئاسة الجمهورية والسلطة التنفيذية أو العودة إلى رئاسة البرلمان والسلطة التشريعية.
يبقى أن معركة السباق الرئاسي داخل المعسكر المحافظ ستكون متشعبة ومعقدة، وقد يكون من الصعب حسم النتيجة لصالح مرشح النظام مبكراً، حتى وإن كان قاليباف خيارها، والرهان لديه للحسم يرتبط بحجم المشاركة الشعبية في عملية الاقتراع، والمحافظون والنظام يراهنون على استعادة تجربة الانتخابات البرلمانية ونسب المشاركة فيها مع تعديل بسيط يسمح برفعها، بحيث لا تشكل تحدياً وخرقاً لما تريده من نتائج، وهذا الهدف يمكن تحقيقه من خلال فتح المجال أمام مشاركة إصلاحية محدودة وغير فاعلة أو مهددة، مهمتها لعب دور محدد في رفع نسبة المشاركة.
المصدر: اندبندنت عربية