زيارة الشيباني إلى لبنان.. دمشق تعود إلى بيروت من بوابة الإقليم

صهيب جوهر

في مشهد لافت يعكس تبدلات في المشهد الإقليمي، وصل وزير الخارجية السوري أسعد شيباني إلى العاصمة اللبنانية بيروت في زيارة وُصفت بأنها الأهم منذ سقوط النظام المخلوع وتشكيل الحكومة السورية الجديدة

ولم يكن الوزير أسعد الشيباني وحيداً، بل رافقه وفد وزاري وأمني رفيع ضم وزير العدل مظهر الويس، مدير المخابرات حسين سلامة، معاون وزير الداخلية للشؤون الأمنية عبد القادر الطحان، إضافة إلى مسؤول الشؤون العربية في وزارة الخارجية محمد الأحمد.

والتقى الوفد رئيس الجمهورية جوزيف عون ورئيس الحكومة نواف سلام ونائبه طارق متري، ووزير الخارجية يوسف رجي ووزير العدل عادل نصار ومدير المخابرات طوني قهوجي ومدير عام الأمن العام حسن شقير.

وتأتي الزيارة تحت رعاية عربية وخليجية واضحة، في مؤشر على دفعٍ إقليمي لإعادة وصل ما انقطع بين دمشق وبيروت، وإعادة صياغة العلاقات الثنائية ضمن معادلة جديدة قائمة على الندية ومعالجة الملفات من دون خلفيات مسبقة.

وبحسب المعلومات، فقد وجه الشيباني دعوة لرئيس الجمهورية جوزيف عون لزيارة دمشق، فرحب عون بالدعوة، مبدياً جهوزيته لزيارة دمشق في حال قامت دمشق بتعيين سفير لها في بيروت كتتويج لعلاقة ندية بين الجانبين، داعياً الرئيس السوري أحمد الشرع إلى زيارة بيروت أيضاً.

الموقوفون السوريون في لبنان

أول الملفات التي فرضت نفسها على النقاش كان ملف الموقوفين السوريين في السجون اللبنانية، حيث طرحت دمشق مقاربة واضحة تقوم على تفعيل الإطار القضائي التعاوني بين البلدين، بما يتيح تسريع محاكمات الموقوفين، ونقل قسم منهم إلى سوريا لاستكمال محاكماتهم هناك.

وتحدث الوفد السوري بشكل مباشر عن ضرورة الإسراع في حل الملف بما يمثله عقبة سياسية أمام العلاقات، مؤكداً أن طي صفحة الماضي يحتاج إلى خطوات عملية، في وقتٍ عبر الوزير الشيباني عن تفهم بعض الملاحظات لاعتبارات داخلية لبنانية تحول دون الذهاب سريعاً إلى إطلاق شامل لكل الموقوفين.

ونفى الوفد السوري وجود طلبات متعلقة بإطلاق سرح موقوفين غير سوريين، من لبنانيين وعرب، مؤكدين أن هذا الكلام غير صحيح، وأن دمشق معنية بالموقوفين السوريين حصراً.

ووفق المعلومات، فإن دمشق وبيروت سيوقعان خلال الأسبوعين المقبلين الاتفاق القضائي، ومن ثم سيزور وفد قضائي ووزاري سوري لسجن رومية للاطلاع على أحوال الموقوفين السوريين وواقعهم المعيشي.

الحدود البرية والبحرية

القضية الثانية التي طُرحت على الطاولة هي ترسيم الحدود البرية، فالوجود العسكري والأمني المتداخل بين لبنان وسوريا ما زال يشكل معضلة أساسية بين البلدين.

وأبدى الجانبان استعداداً لإطلاق ورشة تقنية عاجلة للانتهاء من النقاط العالقة، وهذا الملف يجري العمل عليه بالتعاون مع أطراف إقليمية فاعلة على رأسها المملكة العربية السعودية وتركيا، اللتان تعملان على مساعدة الجانبين على حل الملفات الحدودية العالقة.

ووفق مصادر مطلعة، فإن التوجه المشترك هو الانتقال لاحقاً إلى ملف الحدود البحرية، الأكثر تعقيداً وحساسية، نظراً للتداخل مع دول أخرى في شرق المتوسط ولارتباطه بثروات بحرية واستثمارات مستقبلية.

الاقتصاد والتبادل التجاري

كما ناقش الوفد ملفاً التعاون الاقتصادي والتجاري والذي لا يقل أهمية عن باقي الملفات، إذ دعت دمشق إلى مشاركة لبنانية في مشاريع إعادة الإعمار، في حين عبر الجانب اللبناني عن تطلع للاستفادة من السوق السورية الواسعة كمتنفس اقتصادي في ظل أزماته الداخلية.

وأبدى الطرفان استعداداً لتسهيل حركة التبادل التجاري عبر المعابر، بما يفتح المجال لفرص عمل واستثمارات جديدة، عبر الاستفادة من تجميد عمل المجلس الأعلى اللبناني – السوري، وإعادة تقييم معاهدة الاخوة والتنسيق والتعاون والتي أقرت في العام 1991 وخاصة في البنود الاقتصادية والتجارية بين البلدين.

الأمن والاستخبارات

على صعيد الأمن، عقد مدير المخابرات السوري حسين سلامة اجتماعاً مع نظيره اللبناني العميد طوني قهوجي.

وتناولت المحادثات تبادل المعلومات ومكافحة الإرهاب والتهريب، مع إشارة سورية واضحة إلى ضرورة تسليم عدد من الضباط السابقين الموجودين في لبنان والمطلوبين لدى القضاء السوري.

 

وفي موازاة ذلك، اجتمع معاون وزير الداخلية عبد القادر الطحان مع المدير العام للأمن العام اللواء حسن شقير، حيث جرى نقاش مطول حول ملف اللاجئين السوريين وسبل دفع عملية العودة الطوعية، إضافة إلى بحث آليات لتخفيف الإجراءات الحدودية التي يتعرض لها السوريون عند انتقالهم بين البلدين.

دلالات ودعم إقليمي

الأهمية السياسية لهذه الزيارة لا تكمن فقط في اللقاءات الثنائية، بل في السياق الإقليمي الذي جاءت فيه.

كما يعكس الدعم السعودي الصريح للزيارة رغبة في الدفع باتجاه إعادة تطبيع تدريجي للعلاقة اللبنانية – السورية، في ظل حاجة البلدين إلى صياغة ترتيبات جديدة تُبعد الهواجس القديمة وتفتح المجال أمام شراكات واقعية.

آفاق سياسية مقبلة

الأنظار تتجه الآن إلى اللقاء المنتظر في موسكو بين الرئيس السوري أحمد الشرع ونائب رئيس الحكومة اللبنانية طارق متري على هامش القمة العربية – الروسية.

ويُرجح أن يفتح اللقاء المنتظر الباب أمام بحث أوسع في الملفات المشتركة، وربما رسم ملامح خارطة طريق سياسية جديدة، تشمل الأمن والاقتصاد والحدود وتضع أسس علاقة أكثر استقراراً بين دمشق وبيروت.

وهذه الزيارة لا تُقرأ فقط في بعدها الثنائي، فهي تحمل رسائل متعددة: إلى الداخل السوري الذي يُظهر انفتاحاً على جيرانه بعد سنوات من العزلة، وإلى الداخل اللبناني الغارق في انقساماته والذي يحتاج إلى ترتيب العلاقة مع دمشق، وإلى الإقليم الذي يسعى إلى تثبيت استقرار جديد يمنع أي فراغ قد تستغله أطراف أخرى.

لكن التحدي الأكبر يبقى في قدرة الحكومتين على تحويل ما اتُفق عليه في بيروت إلى خطوات ملموسة، بعيداً عن لغة المجاملات السياسية.

المصدر: تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى