
لم تتوقف التهديدات الإسرائيلية لقطر. سلسلة من التصريحات على لسان أكثر من مسؤول إسرائيلي بدءاً من نتنياهو تتهم الدولة التي انغمست في وساطات متكرّرة لإطلاق سراح المحتجزين والوصول إلى اتفاقات لوقف إطلاق النار بموافقة ومشاركة إسرائيلية مباشرة وفي وساطات تهم أميركا من أفريقيا إلى أوكرانيا وأفغانستان وفنزويلا وإيران وغيرها، وتقديم المال السخيّ لأميركا التي قال رئيسها دونالد ترامب في أثناء زيارته في مايو/ أيار الماضي الرياض والدوحة وأبوظبي “إن قطر حليف أساسي وفيها أمير قوي. شجاع. وعلى إيران أن تشكر ربها على وجود هذا الأمير”. ومع ذلك: قطر متّهمة من إسرائيل بترويج الإرهاب لأن قناة الجزيرة تكشف عمليات الإبادة الجماعية التي يرتكبها جيشها، وتفضح الممارسات الإرهابية بحق أبناء الشعب الفلسطيني والإصرار على اقتلاعهم من أرضهم وتهجيرهم وتوزيعهم على دول أخرى وضم الضفة الغربية، وبالتالي استهداف الأمنين المصري والأردني وتهديد كل المنطقة. لعبت “الجزيرة” وتلعب دوراً مهمّاً حتى قال مسؤولون أميركيون إنهم يستقون معلوماتهم منها، في ظل الحصار المفروض على وسائل الإعلام العالمية، ولا ننسى أن إسرائيل هاجمت BBC و”نيويورك تايمز” وغيرهما، وهددت المراسلين وقتلت عدداً كبيراً من الصحافيين والمصورين بغرض إخفاء الحقيقة.
كانت ضربة قطر رسالة إليها ولتركيا ولمصر. ليست ضربة محصورة بأهدافها وأبعادها ونتائجها داخل الحدود القطرية. ولافت هنا الإرباك الذي وقع فيه الرئيس الأميركي، عندما أعلن أن “إدارته أبلغت قطر بالهجوم”، وعندما نفت الدوحة، قال “إن ستيف ويتكوف كلف بالتبليغ لكن الرسالة وصلت بعد وقوع العملية”!
عطلت العملية كالعادة ما كانت قطر تقوم به بالتنسيق مع مصر وأميركا، للوصول إلى اتفاق بشأن الرهائن ووقف النار. إسرائيل لا تريد هذا. يتحدّث نتنياهو دائماً عن النصر الشامل الكامل. لا وجود لحركة حماس أو بقاءها. لا بد من تصفية قادتها أينما كانوا وتسليم سلاحها، ووزراؤه يقولون “يجب إبادة السلطة الفلسطينية” التي تستعد للاحتفاء بإعلان قيام الدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة، وهو ما لن تسمح إسرائيل بتحقيقه. والمستهدف أيضاً تركيا، حيث أعلن الإسرائيليون أن العملية كان يجب أن تنفذ هناك، قبل أن ينتقل قادة “حماس” إلى قطر. وإذاعة الجيش الإسرائيلي تعلن: “انتظرنا عودة الوفد من تركيا ووصوله إلى قطر لتنفيذ العملية”. ولا يلغي هذا كله أن إسرائيل ستستهدف تركيا على أرضها، وهي لم تتوقف عن استهدافها على الأرض السورية بوسائل مختلفة لتمنعها من دعم الدولة السورية وتمدّد نفوذها فيها. نحن مقبلون على عمليات ضد تركيا، ومحاولات هزّ الاستقرار فيها. ضربت إسرائيل إيران واليوم تستهدف تركيا وتبقى هي السيدة المتفوقة صاحبة اليد الطولى في الوصول إلى أي هدف في أي مكان. وقد قال رئيس الكنيست: “استهداف قادة حماس في قطر رسالة إلى الشرق الأوسط بأسره”.
يسعى نتنياهو إلى نصر كبير وهو في سباق مع الزمن: مع إعلان دولة فلسطينية في الأمم المتحدة ولن تبقى أرض لتقام عليها
ثمة من قال “العملية جاءت انتقاماً من عملية راموت”. إذاعة الجيش الإسرائيلي أعلنت: “عملية تصفية قادة حماس لم تكن بسبب هذا الهجوم. تمّ استغلال فرصة وجود قادة حماس لتنفيذ الهجوم”. ويقول المندوب الإسرائيلي في مجلس الأمن: “على قطر أن تختار وأن تطرد قادة حماس أو ستقوم إسرائيل بذلك”. وكرّر الموقف نفسه نتنياهو في تحد لكل الذين استنكروا الضربة، وقال: “سنكرّر العملية في أي مكان . لا شيء يردعنا ولن نوقف حربنا ضد الإرهابيين من لبنان إلى قطر وسورية وإيران وغيرها”. في تهديد واضح ومباشر لكل دول المنطقة. كما قال رئيس الكنيست: “الهدف المركزي الذي لا تراجع عنه: “تغيير الشرق الأوسط”. لم يتخذ الأميركيون أي إجراء ولو بكلمات توحي بأن ثمة خلافاً مع نتنياهو الذي قال إن “العلاقات مع الإدارة الأميركية في أفضل حالاتها”. إسرائيل تصرّ على العلاقات والاتصالات العلنية المباشرة مع العرب. تنافس الإدارة الأميركية على أموالهم. تقول للجميع: “وجهت ضربات قاسية للحوثيين في الأسابيع الماضية بعد انكفاء أميركا عن المواجهة وتحييد مصالحها. خلصتكم من الأسد وحزب الله وإيران في سورية وأستمر في استهداف تركيا. وضربت إيران وسأعود إلى ضربها. ولبنان حدّثوا ولا حرج فسأكمل حربي ضده. يجب أن تشكروا إسرائيل وتدفعوا المال لها. نحن نسيطر على أجوائكم وهوائكم وممراتكم وبحاركم وشبكات اتصالاتكم ومراكز قراركم وقصوركم وعقولكم بسبب قصوركم. كل شيء مباح لنا ومتاح أمامنا ولن يمنعنا أحد من تحقيق أهدافنا”.
يسعى نتنياهو إلى نصر كبير وهو في سباق مع الزمن: مع إعلان دولة فلسطينية في الأمم المتحدة ولن تبقى أرض لتقام عليها. وقبل ذكرى تفجير أجهزة “البيجر” بمقاتلي حزب الله، ثم تفجير أجهزة اللاسلكي، والذكرى السنوية الأولى لاغتيال السيد حسن نصر الله، والذكرى السنوية الثانية لعملية السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وسيكمل هجومه في كل الاتجاهات.
مقبلون على أسابيع مثقلة بالأحداث والتطورات الدراماتيكية وستترك آثارها في كل منطقتنا ومن يتصرف على أساس أنه يسيطر على أميركا لا يقيم وزناً للعرب
وفي العلاقات الأميركية – الإسرائيلية، يعلن نتنياهو “وضع حجر الأساس لممشى جديد في مدينة بات يام يحمل اسم ترامب” تقديراً لمواقفه الداعمة لإسرائيل وقراراته: الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأميركية إليها، والاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان، والانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، وبالتالي لا مكان للرهان على أي خلاف هنا بينهما، وهنا دقة وحساسية حسابات العرب المستهدفين والذين أخطأوا التقدير والتدبير وعامل الوقت ليس في مصلحتهم.
ثمة من أطلق نظريات حول الخلاف الإسرائيلي – الأميركي، وكان واهماً ويمارس سياسة الهروب إلى الأمام. للتذكير فقط دعا شارون في أكتوبر 2001 المجلس الوزاري الأمني المصغّر في حكومته لدرس الدعوة الأميركية لإسرائيل لوقف إطلاق النار في الضفة الغربية، اعترض في الجلسة شيمون بيريز على اتخاذ أي خطوة “تستفز الحلفاء”، فأجابه شارون: “نحن الشعب اليهودي نسيطر على أميركا. والأميركيون يعرفون هذا”. اليوم ومع كل التحرّكات المهمة التي نراها المعادلة أضعف بكثير مما كانت عليه عام 2001 عربياً وفلسطينياً ودولياً. ونتنياهو يتقدم ويثبت أنهم يسيطرون على مركز القرار في أميركا.
مقبلون على أسابيع مثقلة بالأحداث والتطورات الدراماتيكية وستترك آثارها في كل منطقتنا ومن يتصرف على أساس أنه يسيطر على أميركا لا يقيم وزناً للعرب بل سيذهب إلى تدفيعهم أثماناً باهظة.
المصدر: العربي الجديد