تكامل أميركي إسرائيلي

غازي العريضي

                                                                                   

يستمر الجنون الإسرائيلي الذي لا مثيل له في غزّة والضفة الغربية. الدمار مرعب. آلة القتل تعمل في كل اتجاه. نحن أمام سحل غزّة وتصفية أهلها في أكبر عملية إبادة جماعية لم يشهد التاريخ مثلها. المحرقة مفتوحة بأساليبها المتنوّعة من القنابل الحارقة على خيم قاطنيها إلى المستشفيات والتجمّعات. تتقدّم إسرائيل خطوات في اتجاه السيطرة على القطاع وتهجير أهله ولا أحد يوقفها، ويخرُج علينا موفد الرئيس الأميركي إلى المنطقة ستيف ويتكوف ليعلن أن “إدارة ترامب ترفض أي اتفاق جزئي. نطالب بعودة جميع الأسرى دفعة واحدة”. وافقت حركة حماس على اتفاق شامل، فردّ نتنياهو “هذه مناورة، تريد كسب الوقت. لن نوقف الحرب حتى تحقيق أهدافها، القضاء على حماس”. ويضيف: “سقوط مدنيين مأساة، لكن هذا يحدُث في الحرب”. وكأن العالم الذي يطالب بوقف الإبادة يتحدّث عن سقوط عدد من المدنيين الأبرياء، وهذا بحد ذاته مرفوض. يرى العالم عبر شاشات التلفزة ومواقع التواصل الاجتماعي حجم الكارثة الإنسانية الكبرى وهولها، والإبادة والتجويع، ويسمع ما قاله سموتريتش علناً: “من لا يموت بالرصاص يجب أن يموت جوعاً”. وينغّم معه بن غفير عندما يعلن: “يجب قتلهم جميعاً”. وتخرُج أصواتٌ من إسرائيل وأميركا تدعو إلى “إلقاء قنابل نووية على الفلسطينيين الأبرياء إذا أصرّوا على البقاء في أرضهم”!، ثم يرد سموتريتش على المنتقدين مفاخراً: “تؤيدنا الإدارة الأميركية في قرار القضاء على فكرة إقامة دولة فلسطينية، وفرض السيادة في الضفة سيحول دون إقامة دولة إرهاب فلسطينية ترغب في القضاء علينا”. ويعلن السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام: “إذا تخلّت أميركا عن إسرائيل يتخلّى عنها الرب”. كل شيءٍ باسم الرب والدين وهذا خطير جداً، وينضم إلى الجوقة رئيس لجنة الأمن القومي في الكنيست تسفيكا فوغل، فيقول: “لا ينوي بن غفير التراجع لحظة، وسيجبر الحكومة على الاستيطان في غزّة، والثمن الواجب دفعه للسابع من أكتوبر (تشرين الأول 2023) هو الاستيطان في القطاع والضفة، وفرض السيادة عليهما، حيث لا يوجد أحد بريء لذلك ستصبح غزّة جزءاً من إسرائيل”.

نحن أمام سحل غزّة وتصفية أهلها في أكبر عملية إبادة جماعية لم يشهد التاريخ مثلها

هل ثمة أوضح من هذا؟ لا يوجد فلسطيني بريء. إذاً المسألة ليست “حماس” أو التطرف أو غيرهما. المسألة عقيدة أن الأرض المستهدفة إسرائيلية جاء إليها اليهود، لأنها “أرض بلا شعب”، وبالتالي سيفرضون السيادة الكاملة. وهنا يخرُج مرّة جديدة السفير الأميركي في إسرائيل مايك هاكابي ليقول: “التفاني تجاه إسرائيل والقناعة بعمل إلهي في الأرض المقدّسة ليست مزحة. وهناك خطأ كبير عند الحديث عن مجاعة واسعة في غزّة (!)، والولايات المتحدة لم تطلب من إسرائيل عدم فرض السيادة في الضفة الغربية، ولن تُملي عليها ما تفعل”. يعني ثبات إطلاق يد إسرائيل لتفعل ما تريده، وتكمل تنفيذ الرسالة الإلهية المكلف بها نتنياهو على حد قوله، وبالتالي، السيطرة على كل الأراضي “المقدّسة” عندهم، وهي أراضي الفلسطينيين والمقدّسات الإسلامية والمسيحية وغيرها. ويأتي هذا الكلام ردّاً على ما أعلنه بعضهم “الضفة الغربية خطٌّ أحمر”، وكأن قطاع غزّة خطٌّ أخضر. ومع ذلك، لا تقبل إسرائيل خطوطاً حمراء في أي مكان. كل الدروب مفتوحة أمامها، ولا إشارات حمراء توقفها ولا خضراء تأتيها من هذا أو ذاك من العرب. الزمن هو زمن الإشارات الالهية والعرب لا وزن لهم. رفضت زيارة الرئيس الفرنسي ماكرون بسبب دعمه قرار إعلان الدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة، ومنعت الوفد العربي الوزاري من الدخول إلى رام الله للقاء الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس، ولم يفعلوا شيئاً. عاجزون هم. ثم منعت أميركا دخول الوفد الفلسطيني المرافق إلى الأمم المتحدة للمشاركة في جلسة إعلان الدولة الفلسطينية، ولم يفعل “الرعاة” العرب بشأن هذه الخطوة شيئاً، بل دفعوا أموالاً خيالية لترامب خلال ثلاثة أيام، وهو يكرّر في كل مناسبة افتخاره واعتزازه بهذا الأمر. وفي المقابل، لا شيء في الجوهر. وستجني إسرائيل أموالاً طائلة لإطلاق المشاريع الاستيطانية في فلسطين تحت عناوين اقتصادية، وثمناً لكلفة الحرب على الحوثيين في اليمن والجولات الأولى من الحرب مع إيران والجولات المقبلة على الطريق، وحرب “تخليصهم” من حركة حماس وحزب الله والنظام السابق في سورية والضغط على العراق. تفعل إسرائيل ما تشاء والثمن الأكبر كل فلسطين، ولا تكتفي به، بل تعلن هدفها الكبير: ضم أجزاء من لبنان وسورية والأردن ومصر والسعودية وغيرها، وفتح ممرّات نفطية غازية من مناطق مختلفة، لتكون نقطة الارتكاز في التصدير إلى أوروبا وتعزيز اقتصادها وتكريس إسرائيل الكبرى المتفوّقة في كل المجالات والسيدة في المنطقة. والعرب يموّلون ويعملون عندها. … هذا ما قاله شيمون بيريز بعد انطلاق مؤتمر مدريد تحت عنوان “الأرض مقابل السلام”، فقلت يومها إن عقيدة إسرائيل الحقيقية هي “الأرض لنا والسلام لنا أما أنتم يا عرب فالسلام عليكم”. وأضاف: “نحن نملك العقول والخطط والمشاريع والتكنولوجيا والعرب يملكون المال واليد العاملة”، فقلت إن هذا مشروع سخرة جديدة سيلتزمه العرب، يدفعون المال ويكونون اليد العاملة.

… عارٌ لا يوصف ما يحصل اليوم.

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى